مشاريع صناعة الدفاع: مفتاح أنقرة الجديد في السياسة الخارجية. (Others)
تابعنا

في السنوات الأخيرة، حولت أنقرة تركيزها الاستراتيجي نحو تعزيز صناعتها الدفاعية كعنصر رئيسي في سياستها الخارجية. لم يؤد قرار الحكومة التركية بالاستثمار بكثافة في المشاريع الدفاعية إلى تعزيز أمنها القومي فحسب، بل جعلها أيضاً لاعباً رئيسياً في سوق الأسلحة العالمية. التحول المتعمد في الأولويات هذا يعكس طموح أنقرة لتأكيد نفسها على الساحة الدولية مع تقليل اعتمادها على موردي الدفاع الأجانب.

وهناك أيضاً حقيقة أخرى قد تكون على الأقل بنفس قيمة البعد العسكري للعملية، وربما حتى تتجاوزها في بعض المجالات. الأنظمة والمنصات العسكرية المنتجة بموارد محلية ووطنية تترك أثراً كبيراً على قوة نفوذ أنقرة. بتعبير أدق، ظهور منتجات الصناعات الدفاعية في المقدمة يجعل منها أداة لصنع السياسة الخارجية.

علاوة على ذلك، فإن تركيز أنقرة على مشاريع الصناعات الدفاعية لا تحركه اعتبارات الأمن القومي والسياسة الخارجية فقط، بل تهدف إلى تعزيز اقتصادها وزيادة الصادرات. حيث وضعت تركيا نصب أعينها أن تصبح واحدة من أكبر مُصدّري الدفاع على مستوى العالم. من خلال تطوير أنظمة دفاع عالية التقنية، يمكن لتركيا تلبية الطلب المتزايد من مختلف البلدان التي تسعى إلى الحصول على معدات عسكرية موثوقة ومتقدمة.

مشاريع الدفاع التركية

تتمتع صناعة الدفاع التركية بتاريخ ثري يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي عندما بدأت البلاد في تطوير قدرات دفاعية محلية. ومع ذلك، سرّعت أنقرة في السنوات الأخيرة جهودها بشكل كبير من خلال إطلاق مشاريع طموحة تهدف إلى تعزيز اكتفائها العسكري الذاتي.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، شهدنا تدشين تركيا للعديد من منتجات الصناعات الدفاعية، بدءاً من اختبارات المدرج للمقاتلة الوطنية من الجيل الخامس "كان"، مروراً باختبارات المقاتلات المسيّرة "قزيل إلما" و"عنقاء-3" ، وصولاً إلى أول رحلة للطائرة النفاثة "حر جيت" وغيرها من اختبارات أنظمة الصواريخ والأنظمة البرية والبحرية الأخرى.

وفي التقارير السابقة استعرضنا العديد من الخصائص الفنية والتقنيات العسكرية للمنصات المذكورة. ومع ذلك، كما ذكرنا في بداية التقرير، سننظر هذه المرة في نقطة مختلفة من العملية ونبحث عن إجابة لسؤال كيف يمكن لهذه التطورات أن تساهم في سياسة أنقرة الخارجية. وللبحث عن إجابة لهذا السؤال، تحدث موقع TRT Haber مع خبيرة السياسة الدفاعية أردا مولود أوغلو.

ما العلاقة بين المنتجات الدفاعية والسياسة الخارجية؟

يبدأ مولود أوغلو بالتعريف بأن أنظمة الأسلحة لها قيم سياسية واستراتيجية تزداد بما يتناسب مع مهامها وتعقيدها وتكاليفها. فالمنصات التي تحتوي على تكنولوجيا متقدمة ومعقدة وتتطلب تدريباً مكثفاً، واستثماراً كبيراً لتركيبها وصيانتها واستخدامها، يمكن أن تؤدي وظائف مختلفة جداً في العلاقات الدولية.

وعلى الرغم من أننا كنا نسمع عن المنصات الجوية بشكل متكرر في الآونة الأخيرة، إلا أن مولود أوغلو يعتقد أن حاملة المُسيّرات "تي سي جي أناضولو" هي مثال جيد. ويقول: "تي سي جي أناضولو هو نوع من القاعدة العسكرية العائمة، وبالإضافة إلى الحرب والعمليات العسكرية، ستكون أيضاً قادرة على تنفيذ مهام مثل تقديم المساعدة في حالات مثل الكوارث الطبيعية، وإجلاء الجرحى أو الناجين، والعمل كمستشفى عائم".

ويضيف: "إن استخدامها كسفينة قيادة/تحكم من خلال المشاركة في عمليات متعددة الجنسيات يجري تنفيذها تحت مظلة الأمم المتحدة أو الناتو على نطاق عسكري سيكون مفيداً في زيادة فعالية تركيا ورؤيتها على الساحة الدولية. وبالمثل، فإن استخدامها في الاستجابة للكوارث وحالات الطوارئ ستكون مفيدة كأداة للدبلوماسية العامة".

ومن مثال "تي سي جي أناضولو"، يتطرق أردا مولود أوغلو إلى مسألة استخدام صناعة الدفاع كعنصر من عناصر السياسة الخارجية. ويشير إلى أن "الاستقلال التشغيلي" للقوات المسلحة التركية قد ازداد مع استخدام الأنظمة المتطورة التي طورتها صناعة الدفاع الوطني ونجاحها في مجال العمليات.

وأردف قائلاً: "زيادة الاستقلال التشغيلي هي أهم عنصر في الاستقلال الذاتي الاستراتيجي لتركيا كقوة إقليمية. لقد رأينا أهمية هذه المسألة مرات عديدة من خلال عمليات الحظر الضمنية والصريحة وشروط الاستخدام أو الانتشار في مبيعات الأسلحة.الاستقلال التشغيلي ضروري من أجل البقاء وتنفيذ سياسة خارجية متعددة الطبقات في منطقة جغرافية محاطة بالأزمات. وفي هذا الصدد، فإن صناعة الدفاع الوطني لها أهمية حيوية كأداة للسياسة الخارجية".

هل تستطيع المنصات المنتجة كسب حلفاء جدد؟

إن رغبة تركيا في إنتاج طائرات حربية بموارد محلية وطنية قيمة للغاية، وفقاً لمولود أوغلو الذي قال: "إن مقاتلة "كان" في بداية الطريق وهناك طريق طويل لنقطعه. لقد رأينا عملية مماثلة في عملية تصدير المسيّرات التركية. المركبات الجوية بدون طيار، التي أعطت اختباراً جيداً للغاية من حيث السعر والأداء، لم تعزز فقط مكانة أنقرة على طاولة الدبلوماسية، ولكنها فتحت أيضاً أبواباً جديدة في مناطق جغرافية مختلفة".

ويتابع مولود أوغلو قائلاً: "إن التكاليف والمخاطر في تطوير الجيل الجديد من المنصات الجوية القتالية باهظة للغاية. ولهذا السبب، جميع الدول التي تنفذ مشاريع في هذا المجال تقريباً تتجه الآن إلى نماذج التعاون الدولي على مختلف المستويات".

وأضاف "وجود علاقة قوية ويمكن التنبؤ بها ومستقرة بين الدول أمر ضروري لاستمرار التعاون لفترة طويلة من الزمن. لذا فإن تقاسم التكلفة وحصة العمل في المشروع ليس مجرد مسألة صناعية، فلا يمكن سوى تنفيذ المشاريع المعقدة طويلة الأجل من خلال إقامة اتصالات وتعاون وثيقين بين الدول على مستوى البيروقراطية العسكرية والمدنية والصناعة والأوساط الأكاديمية وحتى المجتمعية. من هنا نصل إلى قيمة استراتيجية أخرى في السياسة الخارجية للمشاريع الكبيرة التي تعمل عليها صناعة الدفاع التركية".

وختم مولود أوغلو قائلاً: "مع إقامة التعاون العسكري الصناعي، يمكن توسيع نطاق نفوذ السياسة الخارجية التركية وتعميقه. من أجل إدارة هذه العملية، من الضروري تقييم صناعة الدفاع ليس فقط كمجال هندسي، ولكن أيضاً ككل بأبعاد دبلوماسية واقتصادية وصناعية وثقافية".


TRT عربي