الكوفية الفلسطينية رمز وطني وتراثي مرتبط بقضية تحرير فلسطين (Michele Spatari/AFP)
تابعنا

انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة استيلاء شركات عالمية في مجال الأزياء خصوصاً على موروثات شعبية. مثل "لوي فيتون" التي استولت على الكوفيَّة الفلسطينيَّة، وفي المكسيك تُتهم "زارا" بسرقة تصميمات القفطان التقليدي، كما أن كيم كاردشيان تشارك اليابان في اسم الـ"كيمونو"، والشربيل المغربي التقليدي أصبح صناعة صينيَّة.

حيث تُتهم شركات مستقوية برأسمالها وقدرتها التصنيعية ومركزها في سوق الأزياء العالمي، بالاستيلاء على الموروث الحضاري لشعوب قضت تاريخها في تطويره، تسلِّعه وتتاجرُ بذاكرة الشعوب لصالحها، ضاربة في عمق اقتصادات وطنية تقوم على تلك الصناعات.

فيما ومع صعودها كلَّ مرة يتصاعد الجدل عن مدى استفادة مصممي الأزياء من دمج التصميمات ذات الأبعاد الثقافية والعرقية دون الاعتراف بأصولها أو تعويض المجتمعات المأخوذة منها بشكل عادل وهو ما مثّل نقطة خلاف في السنوات الأخيرة. إليكم أربع حالات السرقات الثقافية في عالم الأزياء العالمي.

كوفيَّة "لوي فيتون"

كشف تقريرٌ لصحيفة الإندبندنت البريطانية، نشرته الأسبوع الماضي، عن أن انتقادات واتهامات واسعة بالسرقة الثقافية يواجهها عملاق الأزياء العالمي، شركة لوي فيتون، بعد عرضها للبيع وشاحاً استوحت تصميمه من الكوفيَّة الفلسطينيَّة.

لوي فيتون التي أطلقت على منتجها ذاك اسم: Monogram Keffieh Stole، وعرضته بسعر 750 دولار للقطعة، وتصف القطعة منه بأنها "مستوحاة من الكوفية الكلاسيكية مع توقيع أكبر مصممي دار الأزياء". ومصنوع عبر "تقنية نسج الجاكار المستخدمة لإنشاء أنماط مونوغرام معقدة على قاعدة من القطن والصوف والحرير".

ما جرَّ على الشركة المذكورة انتقادات واسعة، واتهامات بنهجها نفس سياسات الاحتلال الإسرائيلي بالاستيلاء على موروث له رمزية ثقافية خاصة لدى شعب ما زال يقاوم من أجل نيل حريَّته. هكذا احتج مغردون بالقول: "غوغل تحظر الكوفية وتعتبرها إرهاباً، ولوي فيتون قررت أن تدعم التطهير الإثني باستحواذها على زمر للثقافة الفلسطينيَّة".

كما انتقدت مدونة الموضة دايت برادا توقيت إصدار الوشاح الذي يتزامن والمواجهات الأخيرة بين الإسرائيليين والفلسطنيين التي خلفت مئات القتلى. وقال نهاد عوض المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، إن "التوقيت سيئ، إذ قتلت عائلات بأكملها، وقتل مئات الأشخاص، وأصيب الآلاف في أعمال عنف في غزة". مضيفاً أن "الاستيلاء على الكوفية أمر سيئ للغاية خلال هذا التوقيت في محاولة لكسب المال".

في الأخير رضخت الشركة المذكورة لهذا الضغط الكبير على مواقع التواصل، والإدانات التي لحقت منتجها ذاك، فسحبته نهائياً من مواقع بيعها الإلكترونيَّة.

المكسيك ترفض سرقة قفطانها

المكسيك هي الأخرى اتهمت ماركات الأزياء العالمية "Zara" و "Anthropologie" و "Patowl" بالاستيلاء الثقافي في ما يرتبط باعتماد تصميمات هذه الشركات على أنماط تطريز تخص قفاطين سكانها الأصليين، دون إخطار السلطات الثقافية في البلاد أو هذه المجتمعات الأصلية بها.

ومنه راسلت وزيرة الثقافة المكسيكيَّة، أليخاندرا فراوستو، الشركات الثلاث مطالبة بتوضيح حيال استعمال هذه التصميمات التي وصفتها بـ"الملكية الجماعية" لشعبها. والتي تعكس، حسب بيان الوزيرة، "تعكس رموز الأجداد المتعلقة بالبيئة والتاريخ والنظرة العالمية للمجتمع والذي كان جزءاً من هوية المرأة واستغرق الحرفيون المحليون شهراً على الأقل لتصنيعه في هذه الأماكن".

وشدَّدت الوزيرة على أن: "التصميم المعني لم يكن مستعاراً عن قصد أو متأثراً بفن شعب ميكستيكا في المكسيك". كما دعت إلى "رد الفوائد إلى المجتمعات الإبداعية" التي نسبت لها ابتكار تقنيات التطريز وزخارف التصميم.

كيمونو كيم كاردشيان يغضب اليابان

سنة 2019، فجَّرت ممثِّلة تلفزيون الواقع، الأمريكية كيم كارديشيان، جدلاً واسعاً عندما طرحت ماركتها للملابس الداخليَّة النسائية باسم "كيمونو". الشيء الذي أثار امتعاض اليابانيين، الذين رأوا في ذلك سرقة ثقافية للباس يدخل ضمن موروثهم الأصيل.

وتعني الكلمة باليابانية "الأشياء التي تلبس"، وتشير إلى أثواب بطول الجسم مع أحزمة يرتديها الناس في المناسبات الرسمية، مثل حفلات الزفاف والجنازات، فيما يعود تاريخ اللباس إلى أكثر من 1200 سنة. هذا ما دفع اليابانيين إلى تصعيد الاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبروا أن: "الكيمونو ليس ملابس داخلية! أوقفوا تسجيل العلامة التجارية! لا تجعلوا كلمة كيمونو ملككم". وأن ما يقع "سرقة لثقافة تقليدية". وأطلقوا عريضة حصدت أكثر من 11 ألف توقيع، مطالبين بإيقاف ما أسموه "الإهانة الثقافية الفظيعة".

قبل أن يدخل وزير التجارة والصناعة الياباني على خط الجدل، معلناً عن نيته إرسال مسؤولين رفيعي المستوى من مكتب البراءات والماركات لمناقشة الوضع مع نظرائهم الأمريكيين. وقال الوزير الياباني وقتها بأن: "الكيمونو يندرج ضمن ثقافتنا التي نعتز بها حول العالم"، وأضاف: "آمل أن تتخذ السلطات الأمريكية الإجراءات اللازمة"، من أجل وقف عمليَّة الاستحواذ الثقافي تلك.

وعلى إثر كل هذا الضغط، تخلت الممثلة الأمريكية عن اسم مجموعة ملابسها الداخليَّة الأول، قائلة عبر صفحتها على الإنستغرام: "بعد تفكير عميق سأطرح مجموعتي من الملابس الداخلية تحت اسم آخر". مؤكدة أن "نيتها كانت سليمة" عند إطلاق مجموعتها.

الشربيل المغربي "صنعَ في الصين"!

من المشاكل العسيرة التي يعانيها الصناع التقليديون المغاربة، والتي تدخل في نطاق الاستحواذ الثقافي، هي دخول الآلة الصناعية الصينية الضخمة على خط إنتاج المنتوجات التقليدية المغربية، واستفادتها من السعر المنخفض لليد العاملة والمواد الأساسية لتلك الصناعات.

وأبرز المنتجات التقليدية المغربية المهددة بذلك الخطر، هو الشربيل أو البلغة المغربية "حذاء تقليدي"، والتي حسب مهنيي القطاع تواجه "مصيراً كارثياً". فالشريبل الذي يكلف الصانع المغربي 80 درهماً (حوالي 9 دولارات) يداً عاملة وموادّ أولية، ويباع في الأسواق بـ 100درهم (حوالي 11 دولاراً)، يعبر الموانئ المغربية، قادماً من الصين، بـ 0.60 سنتيم (0.068 دولار).

وعندما تضاف إليه تكاليف الاستيراد والرسوم الجمركية تصل كلفة إنتاج الشربيل الصيني إلى 1.50 درهم (0.17 دولار)، ليباع للمستهلكين بما بين 25 و30 درهماً (3 و3.5 دولار)، مما يشكل ضربة قاضية للمنتوج المغربي واليد العاملة.

بل ويوجه ضربة قاضية لاقتصاد كامل يقوم على مداخيل هذه المنتوجات، حيث تساهم بحوالي 8% من الناتج الوطني الإجمالي للمغرب، ويصل رقم معاملاتها إلى حوالي 2.24 مليار دولار. كما توظف أكثر من مليونَي شخص، وهو ما يعادل حوالي 20% من السكان الناشطين اقتصادياً.

إزاء هذا الواقع تتخذ الحكومة المغربيَّة بشكل انتقائي إجراءات لحماية المنتج المحلي عن طريق الرسوم الجمركية المفروضة على الاستيراد.

TRT عربي