من واشنطن إلى بكين وكانبيرا.. كيف تحولت جزر سليمان إلى ملعب للتنافس الدولي؟ / صورة: China Police (China Police)
تابعنا

مع ازدياد التوترات في المحيط الهادي ولا سيما تلك التي بين الصين والولايات المتحدة بشأن جزيرة تايوان تُضاعِف واشنطن وكانبيرا جهودهما لجذب دول المحيط الهادئ منذ أبريل/نيسان، وذلك بعدما وقَّعت الصين وجزر سليمان اتفاقية أمنية لاقت رفضاً واستنكاراً أمريكياً وأسترالياً.

وعلى الرغم من سرية بنود الاتفاقية وتأكيد الصين وجزر سليمان عدم وجود مساعٍ صينية لإنشاء قاعدة عسكرية قد تشكل أي خطر على الولايات المتحدة وحلفائها فإن واشنطن قالت إنها سترد بشكل حاسم في حال أقامت الصين قاعدة عسكرية في جزر سليمان ذات الموقع الاستراتيجي.

وضمن المنافسة المحتدمة بينهما لكسب جزر سليمان لمعسكريهما صعَّدت الصين وأستراليا المنافسة في المحيط الهادئ من خلال تقديم هدايا لجزر سليمان. فحسب بلومبيرغ تعهدت الصين بتسليم خراطيم المياه لجزر سليمان بعد أيام فقط من تقديم أستراليا البنادق، مما يؤكد المنافسة المتزايدة على النفوذ في دول المحيط الهادئ.

جزر سليمان

تقع جزر سليمان إلى الشرق من بابوا غينيا الجديدة في جنوب المحيط الهادئ وتتألف من 6 جزر رئيسية وأكثر من 900 جزيرة صغيرة. فيما تبلغ مساحتها 28400 كيلومتر مربع ويسكنها نحو 653 ألف نسمة. وتقع عاصمتها هونيارا في جزيرة جوادالكانال، أكبر جزر الأرخبيل. أما اللغة الرسمية فهي الإنجليزية، وتوجد أيضاً نحو 74 لغة محلية.

في نهاية القرن التاسع عشر قُسمت الجزر بين بريطانيا وألمانيا قبل أن تفرض بريطانيا سيطرتها الكاملة عليها بداية القرن العشرين وتُحوِّل أغلب السكان إلى المسيحية. وفي عام 1978 حصلت جزر سليمان على استقلالها وأصبحت ملكية دستورية تابعة للتاج البريطاني ويمثلها الحاكم.

ورغم امتلاك البلد اقتصاداً ريفياً صغيراً قوامه الموارد الطبيعية الثرية، وبالأخص الذهب سهل الاستخراج لقربة من الطبقة السطحية، عجزت هذه الموارد عن تمكين غالبية السكان الريفيين من زيادة دخلهم، إذ يعيش أكثر من ثلاثة أرباع سكان الجزر في المناطق الريفية ويعتمدون اعتماداً كبيراً على الزراعة شبه الكفافية ومصايد الأسماك والحراجة والأنشطة الاقتصادية الصغيرة وغير الرسمية.

ما أهمية جزر سليمان للصين؟

منذ اندلاع الحرب الأوكرانية أواخر فبراير/شباط، أبدت الصين اهتماماً شديداً بدراسة الإخفاقات العسكرية الروسية والتعلم منها. ويقول الخبراء إن الزعيم شي جين بينغ سيحلل بعناية نقاط الضعف التي كشف عنها الهجوم على أوكرانيا لأنها قد تنطبق على جيش التحرير الشعبي الخاص به ومخططاته للهجوم على جزيرة تايوان، وفقاً لما نقلته وكالة أسوشيتيد بريس.

وكما في أوكرانيا فإن غزو الصين لتايوان لن يكون سهلاً، خصوصاً أن تايوان جزيرة واجتياحها يحتاج إلى عمليات لوجستية معقدة جداً، فضلاً عن أن الجزيرة تربطها اتفاقيات دفاع مع الولايات المتحدة والدول الغربية، كما أن جيشها أكثر تجهيزاً وقوة من الجيش الأوكراني، لذلك فإن الصين قد تحتاج إلى جزر سليمان لإنشاء قاعدة عسكرية لاستخدامها في اجتياح تايوان من عدة جبهات. ناهيك باستخدامها قاعدةً عسكرية في وجه أستراليا حال اندلاع حرب عالمية واسعة.

وعلى الرغم من الاهتمام الصيني المتزايد بجزر المحيط الهادئ تصر بكين على أن الاتفاقية الأمنية مع جزر سليمان ما هي إلا مساعٍ صينية لضمان بيئة استثمارية مستقرة في جزر سليمان بعد أن استُهدفت المصالح والشركات الصينية خلال احتجاجات شعبية في أغسطس/آب 2021.

وقال رئيس الوزراء ماناسيه سوغافاري لاحقاً إن الاتفاقية ستسمح لبكين بإرسال أفراد من الشرطة والجيش إلى جزر سليمان "للمساعدة في الحفاظ على النظام الاجتماعي" وإن السفن الحربية الصينية يمكنها التوقف. وأكد مجدداً أنه لن يُسمح للصين ببناء قاعدة عسكرية، وهو احتمال أثار قلق المسؤولين في واشنطن وكانبيرا.

كيف تحولت إلى ملعب للتنافس الدولي؟

يُنظر إلى الاتفاقية الأمنية التي وقَّعتها الصين مع جزر سليمان على أنها تقدم كبير للصين في المحيط الهادئ الغني بالموارد، إذ كانت الولايات المتحدة هي صاحبة النفوذ المهيمن إلى جانب الحليفين أستراليا ونيوزيلندا. فيما وصف منتقدو رئيس الوزراء الأسترالي الأسبق سكوت موريسون الاتفاقية بأنها أكبر فشل دبلوماسي لأستراليا في المحيط الهادئ منذ الحرب العالمية الثانية.

وحسب بلومبيرغ انضمت جزر سليمان في سبتمبر/أيلول الماضي إلى 13 دولة أخرى في المحيط الهادئ في توقيع شراكة بقيادة الولايات المتحدة تتضمن التزامات بزيادة العمل بشأن تغير المناخ والتنمية الاقتصادية والتعاون الأمني، وذلك بعد تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن في وقت سابق بأكثر من 810 مليون دولار لمبادرة جديدة في المحيط الهادئ.

كان هذا الاتفاق شبيهاً بصفقة حاولت الحكومة الصينية إبرامها مع دول المحيط الهادئ في مايو/أيار ورفضها زعماء المنطقة. وكانت الصين زادت مساعدتها المالية لجزر سليمان وكيريباتي حتى مع قطع الدعم الشامل للمنطقة في عام 2020. فوفقاً لمركز الأبحاث الأسترالي قدمت الصين 14.4 مليون دولار إلى جزر سليمان و21.1 مليون دولار إلى كيريباتي في ذلك العام بالإضافة إلى 53.5 مليون دولار أخرى في المجموع عام 2021.

من جهته أعرب النائب المعارض في جزر سليمان ماثيو ويل عن مخاوفه من أن تصبح بلاده "ملعباً تلعب فيه القوى الكبرى" عقب هدية أستراليا. وقال في بيان على فيسبوك يوم الأربعاء: "من الواضح أن أستراليا قلقة من أنها إذا لم تزود الأسلحة فإن الصين ستفعل ذلك"، بينما اتهم الصين بالانخراط في "دبلوماسية الأسلحة".

TRT عربي