مجزرة تريبولي وقعت عام 1821 على أيدي متمردين يونانيين (Others)
تابعنا

في ذكرى مجزرة تريبولي التي وقعت أحداثها المؤلمة يوم 23 سبتمبر/أيلول من عام 1821 في شبه جزيرة بيلوبونيز اليونانية، تستذكر تركيا كل عام المذبحة التي قُتل فيها عشرات آلاف من المسلمين الأتراك على يد المتمردين اليونانيين وسط بيلوبونيز اليونانية عام 1821.

السنة الماضية، تزامناً مع الذكرى المئوية الثانية، وصفت وزارة الخارجية التركية المجزرة بـ"وصمة عار على جبين التاريخ"، ووصف بيان للخارجية، آنذاك، الحادثة "بأنها مجزرة غير إنسانية كانت تهدف إلى القضاء على الوجود التركي في شبه جزيرة بيلوبونيز". وأكدت أن "من يحاولون دوماً تلقين الآخرين الدروس عبر تزوير الحقائق التاريخية، عليهم أن يدركوا أنهم لن يستطيعوا فرض نسيان المظالم التي ارتكبوها".

الطريق إلى المجزرة

وقعت معظم الأراضي اليونانية تحت الحكم العثماني قبل عدة عقود من فتح العثمانيين مدينة إسطنبول عام 1453، وعلى مدار قرون تلت حكم الدولة العثمانية للأراضي اليونانية تمرد اليونانيون عدة مرات بدعم من الإمبراطورية الروسية والكنيسة الغربية ونفذوا ثورات داخلية أخمدتها الدولة العثمانية بسرعة، ونجحت في فرض النظام والأمن مجدداً.

لكن الأمور بدأت في التغيير أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر الميلادي، فبالتزامن مع التطور الصناعي السريع الذي شهده الغرب كانت الدولة العثمانية غارقة بمشكلات مالية وإدارية كثيرة فضلاً عن محاربتها على أكثر من جبهة. ونتيجة لذلك وإلى جانب الحروب اندلعت تمردات داخلية بأكثر من منطقة أدت إلى انفصال مصر عن الدولة العثمانية، بالإضافة إلى التمردات التي اشتعلت في البلقان وتمرد الصرب الذين استغلوا الحرب العثمانية الروسية، وآخرها تمرد تبدليني علي باشا.

مستغلين الاضطرابات في البلقان أنشأ اليونانيون منظمة سرية تسمى "فيليكي إيتيرا" بهدف انفصال اليونان، التي بدورها استغلت هزيمة الجيش العثماني لتبدليني علي باشا الذي كان قوة مهمة للغاية في المنطقة، إذ نشأ فراغ في السلطة بمنطقة واسعة تمتد من ألبانيا اليوم إلى اليونان كانت خاضعة لسيطرته، وكان بمثابة فرصة عظيمة لأنصار المنظمة اليونانية.

شبه جزيرة بيلوبونيز

ضم محمد الفاتح شبه جزيرة بيلوبونيز "موريا" إلى الأراضي العثمانية عام 1460، ومنذ ذلك الحين ولأكثر من 360 عاماً عاش الناس من مختلف الأطياف والديانات معاً في سلام، ولم يعش الأتراك واليونانيون واليهود في أحياء مختلفة، ناهيك بالصراع العرقي، إذ كان الجميع جيراناً.

ومدينة تريبولي كانت بمثابة موقع استراتيجي مهم في شبه جزيرة بيلوبونيز الواقعة أقصى جنوب اليونان اليوم.

وأثناء التمردات في البلقان ودول أخرى توافد المدنيون الفارون من الثورات التي جرى إخمادها في الشمال إلى بيلوبونيز التي اعتبروها آمنة نسبياً في تلك الفترة.

وفي أعقاب موجات النزوح التي شهدتها شبه الجزيرة وما رافقها من غياب للقوة العسكرية العثمانية الرادعة في المنطقة سنحت الفرصة للمنظمة اليونانية في إشعال التمرد بشبه الجزيرة في 22 فبراير/شباط 1821، وبدؤوا مهاجمة المسلمين واليهود الذين يعيشون هناك منذ أكثر من 3 قرون ونصف، الذين لم يعتقدوا أبداً أنهم سيقتلون على يد جيرانهم. لذلك لم يكونوا مستعدين لمواجهة الجماعات المتمردة التي تلاحقهم وتقتلهم، ناهيك بالمجزرة التي ستشهدها تريبولي بعد 7 شهور.

مجزرة تريبولي

نمت موجات التمرد في شبه الجزيرة وازداد عدد اليونانيين المشاركين في التعذيب والقتل بشبه الجزيرة واستمرت أعمال التدمير والتخريب إلى جانب القتل بوحشية لعدة شهور. وفي يوم 23 سبتمبر/أيلول من عام 1821 دخل الموت بوابة مدينة تريبولي.

وخلال الـ3 أيام التي تلت الاستيلاء على المدينة جرت إبادة المسلمين إلى جانب اليهود والمسيحيين من أنصار النظام العثماني في المدينة المنكوبة، وضُرب باتفاقية خروج المدنيين بأمان من المدينة التي وقعها المتمردون مع ممثلي المسلمين عرض الحائط، وبدأ الموت يجتاح كل ركن في تريبولي.

وتوجد شهادات من قبل العديد من الجنود الأوروبيين والمؤرخين والقادة اليونانيين حول مذبحة تريبولي، أهمها شهادة الكاتب الأمريكي مكارثي الذي وصف ما حدث وقتها بالتالي: "لمدة ثلاثة أيام، استسلم المدنيون الأتراك الفقراء لشهوة حشد من المتوحشين وقسوتهم. لم يفرقوا بين الجنس ولا العمر. حتى النساء والأطفال تعرضوا للتعذيب قبل قتلهم. كانت المذبحة على نطاق واسع لدرجة أن أحد قادة التمرد ويدعى كولوكوتوريس قال إنه عندما دخلت المدينة بدءاً من بوابة الحصن العليا، لم تلمس قدم حصاني الأرض أبداً، إذ كان مسار موكب النصر الذي كان يتقدمه ممهداً بأكوام من الجثث".

وتشير التقديرات إلى مقتل ما يصل إلى 25000 مسلم تركي، فلم يبقَ بالمدينة أحد باستثناء اليونانيين. قُتل الأتراك بوحشية ونجح بعض اليهود في الهروب من المدينة في البداية، لكنهم واجهوا نفس المصير عندما استولى اليونانيون على آخر قلعة عثمانية لجؤوا إليها.

TRT عربي