متعاطو الـ"كراك" يصطفون على رصيف بالقرب من ساحة ستالينغراد / صورة: AFP (Joel Saget/AFP)
تابعنا

ما إن يتسحب غطاء الليل على سماء باريس الرمادية تتغير طبيعة رواد ساحة ستالينغراد الشهيرة، تحتلها وجوه جديدة تعتلي سحنتها آثار تعب مرير، يتشممون الأزقة الجانية بحثاً عن ضالتهم: تجار مخدر الـ"الكراك". وما إن يحصلوا عليه حتى يهرعون إلى أركان الساحة، فيتحلقون في جماعات يتعاطون ذلك السم القاتل في نشوة مخدرة.

هي ذي المشاهد التي تطبع ليل الساحة المتربعة على ضفة نهر السين، والتي كانت لأمس قريب أيقونة من أيقونات العمارة بعاصمة الأنوار. وما يتلو تلك المشاهد أكثر فظاعة، فغالباً ما تنشب اشتباكات بين المدمنين، وبينهم وبين التجار، كما تنتشر الجرائم والتحرش الجنسي.

وليست ستالينغراد سوى نموذج واحد ضمن عشرات الأماكن المماثلة لها في شتى أنحاء البلاد، إذ أصبح إدمان الـ"كراك" ظاهرة تقض مضجع الفرنسيين، مع تزايد أعداد المتعاطين في كل سنة. بالمقابل تفشل الحكومة الفرنسية في إيجاد حل ناجع لهذه المعضلة.

ستالين "كراك"!

في حديثها لصحيفة "لوفيغارو" تشتكي إيزابيل، وهي قاطنة برفقة عائلتها في أحد البيوت المجاورة لساحة ستالينغراد، الضجيج والصراخ الذي يطلقه متعاطو الـ"كراك". قائلة: "لم يعد بإمكاننا تحمل كل هذا (الإزعاج). كل ساعتين توقظنا صرخات مرعبة. أطفالي خائفون!".

لم يكن الحال في هذه الساحة على ما هو عليه الآن، قبل دخول مخدر الـ"كراك إلى فرنسا أول التسعينيات، حيث لقي ويلقى رواجاً كبيراً، مشكلاً ظاهرة تقض مضجع الفرنسيين. وحسب إحصائيات المعهد الفرنسي لمحاربة الإدمان "CSAPA" تضاعف عدد المتعاطين لهذا المخدر سنة 2017 ليبلغ 44.7 ألف شخص، قبل أن كان في حدود 20 ألف شخص سنة 2010.

تتسع الشريحة العمرية لهؤلاء المدمنين من 15 إلى 64 سنة، بينما ينتشر تعاطي الـ"كراك" غالباً بالأوساط الفقيرة التي تشهد هشاشة اقتصادية واجتماعية. وهو ما يجعل الظاهرة قابلة للاتساع أكثر مع اتساع هذه الفئة من المجتمع، بعد سنوات الأزمة الصحية والمشكلات الاقتصادية التي تعرفها البلاد، ويؤشر على هذا ارتفاع كمية المحجوزات من الـ"كراك"، التي بلغت سنة 2021 سقف 26.5 طن، بعد أن عادلت 11 طناً في 2010.

وفي الأماكن الذي ينتشر فيها تعاطي الـ"كراك" مثل ساحة ستالينغراد أو حديقة "إيول" الباريسية ينتشر العنف والجريمة التي قد تصل إلى القتل. ففي يونيو/حزيران 2021 تعرض طفل يبلغ عامين لاعتداء أحد المتعاطين على مقربة من حديقة "إيول" كاد يفقأ عينه. وبعدها بأيام لقي شاب مصاب بالتوحد مصرعه على يد مجموعة من المتعاطين.

هذا وغالباً ما تشهد هذه الأماكن كذلك اشتباكات بين المتعاطين والسكان الذين انتظموا في مجموعات لـ"تطهير أحيائهم" من تلك الظاهرة، تستخدم بها الأسلحة البيضاء والهراوات والشماريخ والألعاب النارية.

حرب الحكومة الفاشلة!

لمحاربة الظاهرة تعاطي الـ"كراك" تقوم سياسة الداخلية الفرنسية الحالية بقيادة جيرالد دارمانان على: ملاحقة مروجي هذا المخدر، وترحيل المتعاطين من أماكن تجمعهم، الذي ينتهي غالباً بانتقالهم إلى أماكن أخرى.

وحسب مدير مركز استقبال لمتعاطي الـ"كراك" بباريس جمال لازيك في حديثه لـ"ميديابارت" فإنه "طالما لا يوجد اهتمام بالظاهرة، وتعبئة للسكان المحيطين بتجمعات التعاطي، فإننا نترك مجالاً لهذه الظاهرة كي تتطور. وعندما تسبب الكثير من الإزعاج يجري اللجوء إلى العنف الذي لا يحل المعضلة بشكل عضوي، وبالتالي دائماً ما ينتهي الأمر بإعادة تشكيل نفس المشاهد، بل وأكبر من ذي قبل".

يدلل تقرير موقع "ميديابارت" على فشل سياسة دارمانان بلغة الأرقام، إذ تضاعف عدد مرتادي حديقة "إيول" ليصل 700 شخص بعد تفكيك تجمع سابق من نحو 300 شخص، كان يحتل ميدان "فورسوفال" غير بعيد عن الحديقة. بالمقابل يقترح أخصائيو الإدمان والمحللون الاجتماعيون استراتيجية بديلة تجمع بين الرعاية ومتابعة المتعاطين للإقلاع، وتوفير مراكز لإيوائهم وإدماجهم في الحياة الاجتماعية، وهو ما يبدو بعيداً عن سياسة الداخلية الفرنسية.

TRT عربي