العدوان في الملاعب (AA)
تابعنا

وسعت تل أبيب جاهدة لشلّ الحياة الرياضية الفلسطينية والعمل بكل ما أوتيَت لإحباط أي تقدُّم لها على مختلف المستويات، عربياً وإقليمياً ودولياً، متذرعة بحجج أمنية واهية، تُطلقها كلما وجدت نفسها في الزاوية.

العدوان الإسرائيلي الأخير في قطاع غزة والضفة المحتلة لم يكُن استثناءً في عقلية الدولة العبرية، إذ لم تسلم الحركة الرياضية الفلسطينية وفق مراقبين، من "آلة الحرب والدمار الإسرائيلية"، التي طالت اللاعبين والأندية والعاملين في القطاع الرياضي، فضلاً عن تدمير ممنهج للمنشآت الرياضية.

جرائم بالجملة

خلال الأيام القليلة الماضية أسفرت الاعتداءات الإسرائيلية عن ارتقاء شهداء في صفوف الحركة الرياضية كانت بدايتها مع اغتيال قوات الاحتلال لاعب كرة القدم بنادي مركز بلاطة الشابّ سعيد يوسف عودة صاحب الـ16 عاماً، الذي تأهل مؤخراً مع فريقه لدور الثمانية من بطولة طوكيو الرابعة للشباب.

وفي 5 مايو/أيار 2021 أنهى رصاص الاحتلال حياة عودة في قرية أودلا جنوبي مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، فيما نعاه رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم جبريل الرجوب، وقال إن تصفيته تشكل "جريمة لا يمكن للمؤسسة الرياضية الدولية السكوت عنها، بل تفرض ضرورة التحرك لحماية عناصر اللعبة في فلسطين من بطش الاحتلال".

وتلقت الأسرة الكروية الفلسطينية صدمة ثانية عندما استُشهد لاعب فريق بيت حانون بدوري الدرجة الأولى معاذ نبيل الزعانين (23 عاماً)، نتيجة الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على الحي الذي يقيم فيه بمحافظة شمال غزة.

ونعى رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم سلمان بن إبراهيم آل خليفة، الزعانين، واصفاً إياه بأنه "كان يمتلك حماساً كبيراً للعبة"، مبدياً حزن الأسرة الكروية القارية لـ"فقدان موهبة شابة أخرى رحلت في سن مبكرة".

كما نعى الاتحاد القطري للعبة اللاعب الراحل، مقدّماً خالص تعازيه لأسرته وذويه، فيما قال الإعلامي الرياضي القطري خالد جاسم إن "مجازر الجيش الإسرائيلي لم تتوقف عن قتل الصغار والكبار، نساءً ورجالاً، إلا بوقفة دولية حازمة".

وكان لاعب الناشئين في صفوف نادي نماء محمد صابر سليمان، استُشهد في أول أيام العدوان الإسرائيلي على غزة، فيما اعتُقل شاهر الطويل مهاجم شباب الخليل، بطل دوري المحترفين، على يد قوات الاحتلال "في أثناء توجهه للتدريب مع الفريق الأول"، إذ اقتيدَ إلى جهة مجهولة.

لم يكتفِ الاحتلال بذلك، بل شن هجمات مكثفة على ملعبَي فلسطين واليرموك وسط مدينة غزة، إضافة إلى الملاعب الخماسية لنادي نماء الرياضي شرقي جباليا، كما كان للعاملين في القطاع الرياضي نصيب من الاعتداءات الإسرائيلية إثر قصف منزل الصحفي الرياضي علاء شمالي وتدميره بالكامل في غزة للمرة الثانية بعد عدوان 2014.

"حقد أسود"

الإعلامي الرياضي الفلسطيني محمد ترتير، يقول إن "آلة الحرب والدمار الإسرائيلية صبّت حقدها الأسود على كل ما هو فلسطيني، والرياضة نالت نصيبها وتكبدت خسائر فادحة".

ويوضح ترتير في حديثه لـTRT عربي، أن "إسرائيل استغلت كل حروبها وعدوانها على غزة لتدمير كل ما له علاقة بالرياضة الفلسطينية وإعادتها عشرات السنين إلى الوراء".

ويرجع تصرف إسرائيل إلى كونها "تدرك قيمة الرياضة في إيصال الرسائل إلى العالم، وتعرف أن الرياضة عموماً وكرة القدم خصوصاً في غزة هي تقريباً المتنفس الوحيد للغزيين في ظلّ الحصار، وبالتالي تريد القضاء عليه"، لافتاً إلى أنها "ترى في حروبها ضد غزة فرصة لتدمير المنشآت والبنى التحتية الرياضية وقتل اللاعبين".

ويشدّد على أن الدولة العبرية "لا تريد للرياضة أن تتطور في غزة، وهذا ما نلحظه حتى قبل الحروب باعتقالها اللاعبين، وعدم السماح للفرق الغزية بالتنقل بحرية مع الضفة الغربية، فضلاً عن منعها دخول المستلزمات الرياضية إلى القطاع المحاصر".

وحول المطلوب من الجهات الرسمية الفلسطينية يقول الإعلامي بقناة "فلسطين الرياضية"، إن دورها يكمن في "إيصال صوت الرياضي الفلسطيني المقهور إلى كل المؤسسات الدولية الرسمية بشتى الطرق"، مشيداً بتجارب سابقة، إضافة إلى "تمتُّع رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم جبريل الرجوب بشبكة علاقات دولية نجحت سابقاً في تعرية إسرائيل أمام الوسط الرياضي العالمي لانتهاكاتها بحقّ الرياضة والرياضيين الفلسطينيين".

وشدّد على أن هذا الأمر لا يتعلق بالفلسطينيين فحسب، بل يمتدّ إلى شخصيات رياضية عربية وازنة كرئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ورئيس المجلس الأوليمبي الآسيوي الشيخ أحمد الفهد الصباح، وغيره.

لكنه في الوقت نفسه أشار إلى أنه "لا يعوّل كثيراً على الجهات الدولية في إنصاف رئيس الفيفا جياني إنفانتينو -الذي يميل لمصلحة إسرائيل أكثر من فلسطين بخلاف سلفه جوزيف بلاتر- للرياضيين المظلومين في غزة".

وخلص إلى "ضرورة عدم اكتفاء المؤسسات الدولية بالاستنكار والإدانة، وإنما خطوات عملية على الأرض، وإمكانية تقديم الدعم لإعادة إعمار المنشآت الرياضية، وتنظيم مباريات خيرية لنجوم عالميين دعماً لرياضيي فلسطين، أو زيارتهم للأراضي الفلسطينية على غرار الفرنسي بول بوغبا والألماني مسعود أوزيل والمصري محمد صلاح وغيرهم".

استهداف الشباب

من جانبه يصف الإعلامي الرياضي الفلسطيني وائل عويضة ما يدور في الأراضي الفلسطينية، بخاصة قطاع غزة، بأنه "جريمة حرب وإبادة"، مستدلاً بتقرير حقوقي صادر عن مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية "بيتسليم".

وأكّد التقرير الحقوقي أن "قطاع غزة يشهد دماراً وقتلاً على يد إسرائيل لم يُرَ مثله منذ عام 2014"، ومن هذا المنطلق يوضح عويضة في حديثه لـTRT عربي، أن "الرياضة والرياضيين لكونهم جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي الفلسطيني، طالتهم هذه الجرائم".

وبيّن أن "الحركة الرياضية مستهدَفة أساساً من إسرائيل"، وقال إنها "لا تتوقف عن وضع العراقيل في طريق تطوُّر الرياضة كمنع حرية الحركة والتنقل بين قطاع غزة والضفة، ومنع لاعبي غزة من الالتحاق بزملائهم في الضفة والانضمام إلى المعسكرات الرياضية، إضافة إلى اقتحاماتها المتكررة للملاعب وتدمير المنشآت".

ويُعتقد أن "إسرائيل تستهدف فئة الشباب، وهي شريحة هامة في المجتمع الفلسطيني، لقتل الروح المعنوية وهدم المستقبل"، لافتاً إلى أن "تل أبيب لا تحتاج إلى مبررات من أجل استهداف أحد الرياضيين أو تدمير منشأة، فكل هذا مباح من أجل الحفاظ على صورتها أمام مجتمعها".

وشدّد على أن المطلوب يتمثل في "الوقف الفوري للانتهاكات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، بما فيها الرياضة، وفرض رقابة دولية على ممارسات الاحتلال"، مستدركاً بقوله إنه يجب قبل ذلك "محاسبة إسرائيل قانونياً وأخلاقياً على جرائم الحرب والإبادة التي ارتكبتها ولا تزال".

معاناة الرياضة الفلسطينية

وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) نشرت قبل أشهر تقريراً موسَّعاً حول معاناة الرياضة الفلسطينية من ممارسات قمعية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، بعدما سجّلَت حضوراً محلِّياً وقارِّياً ودولياً ترافق مع رفع العلم الفلسطيني وعزف النشيد الوطني الفلسطيني بمختلف المحافل الرياضية.

وتَضمَّن التقرير الرسمي تَعمُّد إسرائيل منع وعرقلة تشييد البنية التحتية للمنشآت الرياضية، وتدمير المنشآت القائمة، واقتحامها وتدمير ممتلكاتها، وإغلاق بعضها، ومنعها من ممارسة نشاطاتها.

واستهدفت تل أبيب حياة اللاعبين والإداريين للأندية الفلسطينية، وارتقى عدد منهم شهداء، كما عملت على تقييد حرية انتقالهم وسفرهم، وزجّت بأعداد كبيرة منهم في السجون والمعتقلات، فضلاً عن احتجاز الأدوات والمعدات في المواني، وفرض الرسوم الجمركية الباهظة عليها.

وأنشأت إسرائيل ما يُسمَّى"أندية المستوطنات" في إطار سياستها لابتلاع مزيد من الأرض الفلسطينية، وذلك على الأراضي المحتلة عام 1967، والأندية هي: مكابي أرائيل، وأرائيل البلدي، وبيتار جفعات زئيف، وبيتار معاليه أدوميم، وهبوعل أورانيت، وهبوعيل بقعات هيردين، وهبوعيل قطمون أورشليم، واليصور يهودا، وهبوعيل أورشليم.

TRT عربي