تابعنا
بعد أن كان من المتوقع انعقادها في تونس خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تقرر مؤخراً تأجيل القمة الفرنكوفونية للمرة الثانية على التوالي، إلى عام 2022، وسط جدل واسع عن أسباب الفشل الحقيقية في تنظيم القمة.

في ظل ما تمر به تونس من أزمة سياسية منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد يوم 25 يوليو/تموز الماضي إجراءاته الاستثنائية بحل الحكومة وتعليق أعمال البرلمان، وما صحب ذلك من انتقادات ومعارضة داخلية امتد صداها إلى عدة دول أجنبية، قررت المنظمة الدولية للناطقين باللغة الفرنسية "الفرنكوفونية" مؤخراً، تأجيل عقد القمة إلى السنة المقبلة، بعد أن كان من المقرَّر انعقادها خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في جزيرة جربة التونسية.

ولم تكن هذه المرة الأول التي يؤجَّل فيها موعد القمة، لأنه كان من المتوقع أن تستضيف تونس لأول مرة في تاريخها، القمة الفرنكوفونية في ديسمبر/كانون الأول 2020، إلا أنه بسبب الظروف التي أملاها انتشار جائحة كورونا حول العالم أُجّلت القمة إلى عام 2021، ليتقرر تأجيل موعدها من جديد إلى عام 2022.

وإن كان القرار يمثل ضربة قوية للرئيس التونسي قيس سعيد ومحاولات تسويق إجراءاته التي وصفها معارضوه بالانقلاب، فهو في الوقت ذاته انتكاسة لفرنسا، التي تعوّل بشكل كبير في ظل ما تمر به من أزمات خارجية متتابعة، على القمة لتوفّر لها حيّزاً كبيراً من التعاون في المجال الثقافي والسياسي والاقتصادي، مع عدة دول حول العالم.

ما "القمة الفرنكوفونية"؟

تتمثل القمة الفرنكوفونية في لقاء بين رؤساء الدول والحكومات الناطقة باللغة الفرنسية والمنضوين في المنظمة الدولية للفرنكوفونية OIF، وتُعقد القمة منذ عام 1986 بمعدَّل لقاء كل سنتين.

ويعود إنشاء هذه المنظمة إلى تاريخ 20 مارس/آذار 1970 حين وقّعت 21 دولة في نيامي بالنيجر، على اتفاقية إنشاء وكالة للتعاون الثقافي والتقني، لتعزيز التعاون في مجالات الثقافة والتربية والبحث العلمي، بمبادرة من الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، والرئيس السينغالي ليوبولد سيدار سنغور، والرئيس النيجري حماني ديوري، إضافة إلى الأمير الكمبودي نورودوم سيهانوك.

وفي سنة 1998 أطلق على تلك الوكالة اسم الوكالة الحكومية الدولية للفرنكوفونية، ثم أصبحت ابتداء من عام 2007 تُدعى المنظمة الدولية للفرنكوفونية.

وإلى حدود عام 2014 كانت المنظمة تضمّ 80 بلداً وحكومة، بينهم 57 عضواً و23 مراقباً، ثم بدأت تتوسع بعد ذلك قليلاً، لتشمل مجالات التعاون السلمي، والديمقراطية، والتنمية المستدامة، والاقتصاد، والتقنيات الجديدة، فأصبحت تضم اليوم 88 دولة، بينها 54 عضواً و7 منتسبين و27 مراقباً.

وتتّخذ المنظمة الدولية للفرنكوفونية من باريس مقراً لها، إضافة إلى 6 مكاتب إقليمية تابعة لها في بور-أو-برانس، وبوخارست، ولومي، وليبرفيل، وأنتاناناريفو، وهانوي، إلى جانب 4 ممثليات دائمة في جنيف وبروكسل وأديس أبابا ونيويورك، تحت إشراف الأمين العامّ.

وحسب الموقع الرسمي للمنظمة، فإن أهدافها ومهامها الرئيسية تتمثل أساسا في الترويج للغة الفرنسية وتسهيل استخدامها في المنتديات الدبلوماسية ذات النفوذ وفي المجال الرقمي ومؤسسات البحث العملي والتعليم العالي، إضافة إلى تطوير التعاون بين الدول الأعضاء في المجال الاقتصادي، خدمةً للتنمية المستدامة.

وباعتبارها تتبوّأ المرتبة الأولى في قائمة المساهمين في المنظمة الدولية للفرنكوفونية والجهات التنفيذية للفرنكوفونية، تُولي باريس القمة التي تعقدها هذه المنظمة أولوية كبرى، وتعوّل عليها في مزيد الانفتاح وتعزيز النفوذ ولعب دور إقليمي هامّ على الساحة الدولية.

لِمَ تأجل عقد القمة؟

بينما كان مختلف الأطراف يتطلع إلى نجاح القمة الفرنكوفونية وما سيترتب عنها من مخرجات تعزّز فرص التعاون والتنسيق المشترك في عدة مجالات، يتقرر تأجيل تنظيمها في تونس للمرة الثانية على التوالي.

وإن كان الرئيس التونسي قيس سعيد وجّه أصابع الاتهام قبل أيام من صدور القرار، إلى عدة أطراف معارضة تعمل على ترويج فكرة عدم الاستقرار السياسي في تونس لإلغاء عقد القمة الفرنكوفونية، فإن خبراء ومحللين يرون أن تقصير الطرف التونسي في الإعداد اللوجستي للقمة في ظلّ ما تمرّ به من أزمة على الأصعدة كافة هي السبب الحقيقي وراء هذا التأجيل.

من جانبه أقرّ الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي بأنه أحد الذين عملوا على إحباط عقد القمة الفرانكفونية في تونس، بل قال إنه "يفتخر بذلك".

وفسّر المروزقي موقفه بالقول إنه يتمنى أن تنظَّم القمة الفرنكوفونية في تونس كدولة ديمقراطية لا كدولة تعيش انقلاباً.

فيما يعتقد سياسيون وناقدون، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يريد زيادة متاعبه الانتخابية قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، بالتورط الأخلاقي، على حد تعبيرهم، في تأييد إجراءات وتوجهات الرئيس التونسي، التي وسمها كثيرون بالانقلاب على الديمقراطية ومقتضيات الدستور وتهديد مكتسبات الحرية في تونس.

وفي الوقت الذي أثار فيه القرار جدلاً محموماً في تونس وفي بقية الدول المنضوية تحت المنظمة الدولية للفرنكوفونية، فإن تداعياته ستُلقِي بظلالها على فرنسا التي تحتاج إلى تقوية شراكاتها وعلاقاتها الدبلوماسية، بعد أزماتها المتتالية وخسارتها عدداً كبيراً من الحلفاء الإستراتيجيين، كما أن تونس فوّتَت من جانبها فرصة ذهبية قد تخفف حدة الأزمة، إلى جانب تطلعات بقية الدول إلى تعزيز شراكاتها وصفقاتها التي أُجّلَت إلى وقت لاحق.

TRT عربي