دخول الجيش التركي بقيادة أتاتورك مدينة إزمير منتصراً بعد إلحاقه هزيمة مذلّة بالقوات اليونانية الغازية.  (Others)
تابعنا

شكّلَت معارك "الهجوم الكبير" نقطة تحول في تاريخ الأمة التركية وحرب الاستقلال بين عامي 1919 و1923، بفضل جهود القائد المؤسس للجمهورية مصطفى كمال أتاتورك ورفقاء السلاح.

وتُحيِي تركيا الثلاثاء الذكرى المئوية الأولى ليوم النصر والانتصارات التي حقّقَتها قواتها ضد الغزاة في معارك "الهجوم الكبير" ومنطقة دوملوبينار، في الفترة بين 26 و30 أغسطس/آب 1922.

وتشير المراجع التاريخية، إلى أن دول الحلفاء بدأت عام 1919 بعد الحرب العالمية الأولى، احتلال الأناضول تحت ذرائع مختلفة بناءً على أحكام اتفاقية هدنة مودروس، فيما عاشت الأمة التركية لحظات عصيبة بعد أن وضع الحلفاء يدهم على ذخائر الجيش العثماني.

وبعد دخول قوات الحلفاء مدينة إسطنبول، احتلّت فرنسا أضنة، وبريطانيا أورفة ومرعش وصامسون ومرزيفون، فيما احتلت إيطاليا ولاية أنطاليا والجنوب الغربي للأناضول، كما سمح الحلفاء لجيش اليونان بدخول إزمير عام 1919.

وعلى الرغم من مرور مئة عام على تلك الأحداث، لا تزال اليونان على وجه التحديد تسعى للتوسُّع وتعويض تلك الخسائر التاريخية الفادحة، فيما يستمرّ زعماؤها بإصدار التصريحات المناوئة لتركيا، كما لم تتوقف محاولات استفزاز القوات التركية كما جرى الأحد الماضي، حين تعرضت مقاتلات تركية للتحرش من منظومة دفاع جوي من طراز S-300 لليونان في أثناء تأديتها مهامّ في بحر إيجة وشرق المتوسط.

وبينما تستمرّ اليونان في استفزازاتها، تواصل تركيا تذكيرها بالهزائم التاريخية، إذ تَطرَّق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الموضوع في رسالة نشرها الاثنين بمناسبة ذكرى عيد النصر، وقال إن "عيد النصر" 30 أغسطس هو "أوضح دليل على ما يمكن للأمة التركية أن تحقّقه وتتخلى عنه عندما تُجبَر على الاختيار بين الأسر والحرية".

وفي يونيو/حزيران الماضي أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أن مناورات "أفس 22" العسكرية التي اختتمت فاعلياتها في إزمير بمشاركة 37 دولة، أرسلت رسالة واضحة إلى اليونانيين، وأجبرتهم على عقد اجتماعات تَمخَّض عنها قرار بعدم الإدلاء بأي تصريحات ضد تركيا من الآن فصاعداً.

وحول القواعد الأمريكية في اليونان قال أردوغان: "عندما نسأل لماذا بنوا القواعد، يقولون ضد الروس"، وأضاف: " لا تنطلي علينا هذه الحيل يا ميتسوتاكيس. أجدادك يعرفون جيداً أن الفاتورة ستكون ثقيلة"، مذكّراً إيّاه بهزيمة اليونانيين على يد الأتراك إبّان حرب الاستقلال التركية قبل قرن من الزمن.

وكان الرئيس التركي أعلن في 23 مايو/أيار الماضي إلغاء بلاده عقد اجتماع المجلس الاستراتيجي مع اليونان، بعد زيارة رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس للولايات المتحدة وإلقائه خطاباً أمام الكونغرس تَضمَّن تصريحات ضد أنقرة، وتحريضاً للأمريكيين على عدم تزويد تركيا بطائرات F-16.

أصل الحكاية

في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وما نتج عنها من هزيمة لـ"قوات المحور" التي كانت الدولة العثمانية تشكّل جزءاً منها، اعتقدت "قوات الحلفاء" ومعهم اليونان أنّ الفرصة حانت لتحقيق أحلامهم في تقاسم التّرِكة العثمانية. وعلى الفور باشرت اليونان التي أقنعها الحلفاء بإطلاق حملة استكشافية في الأناضول واحتلال إزمير، فنزل الجيش اليوناني في إزمير في 15 مايو/أيار 1919 بذريعة توحيد جميع الأراضي "الناطقة باليونانية"، وهو الحدث الذي أشعل حرب الاستقلال التركية.

وعقب الإنزال اليوناني في الأناضول واحتلالهم أزمير، انتفضت مدن الأناضول وبدأت تحارب تحت قيادة أتاتورك على مختلف الجبهات: اليونان على الجبهة الغربية، وأرمينيا على الجبهة الشرقية، وفرنسا على الجبهة الجنوبية، وبريطانيا وإيطاليا في إسطنبول.

ولم تكتفِ اليونان بالاستيلاء على إزمير ومناطقها، بل تحرّكت بدعم من فرنسا وبريطانيا لاحتلال أنقرة التي كان أعلنها أتاتورك عاصمةً للمقاومة التركية وأقام بها البرلمان التركي عام 1920، بغرض السيطرة عليها وإغلاق البرلمان التركي بعد إلحاق الهزيمة بالمقاومة التركية، وإجبارها على القبول بشروط معاهدة "سيفر" التي تقرّ بالاحتلال الغربي وتمنع جميع أشكال المقاومة.

19 مايو 1919.. أتاتورك يشعل حرب الاستقلال

يُعَدّ يوم 19 مايو/أيار 1919 إحدى أبرز نقاط التحول في تاريخ تركيا الحديث، ونقطة البداية لحرب التحرير والاستقلال التركية التي قادها مؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.

فما إن وطئت قدم أتاتورك ميناء مدينة سامسون، حتى أعلن بدء الكفاح الوطني لمجابهة قوى الاستعمار الغربي المتمثلة في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان وروسيا.

ومثّلت عبارة أتاتورك الشهيرة "الاستقلال أو الموت" شعلة البداية لحرب التحرير والاستقلال التركية التي استمرت لقرابة 4 سنوات حارب خلالها أفراد الشعب والجيش كتفاً بكتف، رافضين الوصاية الغربية على بلادهم، مقدّمين الغالي والنفيس من أجل نيل الحرية والاستقلال.

وفي منتصف سبتمبر/أيلول 1921 تحوّلت موازين القوى لصالح المقاومة التركية بعد الهزيمة المذلّة التي ألحقتها بالقوات اليونانية في معركة سقاريا التي وقعت بالقرب من العاصمة أنقرة بين 23 أغسطس و13 سبتمبر 1921.

30 أغسطس 1922.. يوم النصر العظيم

وردّاً على المحاولات اليونانية لإسقاط عاصمة المقاومة أنقرة، أعلن أتاتورك في صباح 26 أغسطس 1922 بدء الهجوم الكبير الذي حُضّر وخُطّط له بدقة لمدة عام كامل بعد الانتصار في معركة سقاريا. واستطاعت القوات التركية المهاجِمة بقيادة أتاتورك تحقيق انتصار كبير بمعركة دوملوبينار في 30 أغسطس 1922، إذ فقد الجيش اليوناني نحو نصف جنوده بين أسير وقتيل.

وتُعتبر معركة دوملوبينار التي وقعت بالقرب من مدينة كوتاهيا، أهمّ ملاحم حرب الاستقلال والتحرير التركية التي دارت رحاها بين عامَي 1919 و1922، وكانت نهاية لحقبة الاحتلال اليوناني للأراضي التركية في هضبة الأناضول، كما مهّدت الطريق أمام تأسيس الجمهورية التركية الحديثة على يد أتاتورك ورفاقه بعد نحو عام على وقوعها.

عقب الانتصار أمر أتاتورك، الذي رفض عقد هدنة مع اليونانيين، قواته بمطاردة الفلول اليونانية باتجاه إزمير غرباً، مطالباً إياهم بعدم التوقف إلا إذا رأوا البحر. وبعد المطاردة الحثيثة دخلت القوات التركية مدينة أوشاك في 2 سبتمبر، وأُسِر القائد العامّ للجيش اليوناني الجنرال تريكوبس.

وعلى الرغم من تحرير إزمير في 9 سبتمبر 1922 فإن 30 أغسطس (ذكرى وقوع معركة دوملوبينار) بات عيداً للنصر لكونه يمثّل رمزياً اليوم الذي استُعيدت فيه أراضي البلاد بعد النصر.

9 سبتمبر 1922.. يوم تحرير إزمير

في أعقاب النصر العظيم الذي حقّقَته قوى المقاومة التركية بمعركة دوملوبينار، المعروفة أيضاً بمعركة القائد العظيم لأنها جرت تحت قيادة أتاتورك نفسه، دُفعت الجيوش اليونانية إلى إزمير غربيّ الأناضول، آخر معاقلهم، استعداداً لتحرير البلاد من الاحتلال اليوناني.

وأصبح الانتصار الذي حققه الأتراك ضد القوات اليونانية المحتلة في إزمير بتاريخ 9 سبتمبر 1922 علامة فارقة في تاريخ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة لاحقاً، إذ استطاع الأتراك تطهير الأراضي التركية من فلول الاحتلال اليوناني وأعوانه، وخوض مفاوضات السلام بمدينة لوزان السويسرية بصفة المنتصر صاحب اليد العليا.

وتحتفل تركيا في التاسع من سبتمبر كل عام بالذكرى السنوية لانتصار المقاومة التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك ورفاقه على الجيش اليوناني المحتلّ وتحرير مدينة إزمير، آخر معقل لليونانيين بعد الهزائم التي لحقت بهم خلال الهجوم الكبير الذي بدأه الأتراك من عمق الأناضول نهاية أغسطس 1922.

أحرقوا إزمير انتقاماً

حريق إزمير الكبير 1922 (Others)

استكمالاً لسياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها القوات اليونانية المنهزمة في العام الأخير من الحرب، وبشكل منظّم، أحرقت القوات المنهزمة جميع القرى التي مرّت عليها خلال تقهقرها إلى إزمير، لإلحاق أكبر قدر من الخسائر المادية والمعنوية بالمدن والقرى التركية إضافة إلى ساكنيها الذين بقوا أحياءً.

وفور تحرير إزمير أضرمت بقايا فلول الجيش اليوناني ومنظمة أرمنية إرهابية النيران بالحي الأرمني "باسمانة"، أرض معرض إزمير اليوم. ولمدة 5 أيام (من 13 سبتمبر إلى 18 سبتمبر 1922) أتت النيران على ثلث المدينة التاريخية بمساعدة رياح إزمير التي تهبّ من البحر.

يُذكَر أنه حالما بدأ الهجوم العظيم في 26 أغسطس 1922، سمع مدير فرقة إطفاء إزمير بول جريسكوفيتش الضباط والجنود اليونانيين يقولون: "سنحرقها إذا اضطُررنا إلى ترك إزمير للأتراك".

TRT عربي