المنشأة الحرارية لتوليد الكهرباء بمنجم تورو جنوب بولندا  (David W Cerny/Reuters)
تابعنا

من الآن فصاعداً بات لزاماً على بولندا تأدية نصف مليون يورو يومياً للاتحاد الأوروبي، كغرامة إثر صدور قرار محكمة العدل الأوروبية بإدانة استمرار استغلالها لمنجم تورو للفحم الواقع على حدودها مع ألمانيا وجمهورية التشيك.

بالمقابل، ترى حكومة وارسو أن قرار محكمة بروكسيل يمثِّل تهديداً لأمن البلاد الطاقي، وبالتالي قررت عدم الامتثال للحكم والاستمرار في استغلال المنجم محل النزاع بينها وبين تشيك. بينما يرى محللون في القضية فصلاً آخر يضاف إلى الشقاقات بين الحكومة البولندية والهياكل الأوروبية، قد يعجل بمسير البلاد نحو خروج نهائي من الاتحاد القاري.

المنجم يُعطش التشيك.. وارسو تتمسَّك بفحمها!

تعود أصول القضية إلى شهر فبراير/شباط الماضي حيث قررت براغ رفع قضية ضد جارتها الشمالية في محكمة العدل الأوروبية بعد الانسداد الذي عرفته مفاوضاتهما الثنائية. فيما أصل النزاع كان استغلال وارسو لمنجم الفحم بتورو، والذي تقول التشيك إنه يسبب أضراراً لفرشتها المائية الباطنية.

وصولاً إلى يوم الاثنين، 20 سبتمبر/أيلول الجاري، حين قضت محكمة العدل الأوروبية بأن تدفع بولندا غرامة يومية قدرها 500 ألف يورو على استمرار استغلالها للمنجم المذكور. قرارٌ أثار حفيظة حكومة وارسو التي أعلنت تمسكها باستغلال المنجم، وقالت على لسان المتحدث باسمها بيوتر مول بأن "السلطات البولندية ترفض وقف العمل في منجم تورو، كون ذلك يشكل تهديداً لأمنها الطاقي".

وعلَّق مولر على قرار المحكمة الأوروبية قائلاً: "العقوبات المالية التي فرضتها محكمة العدل الأوروبية غير متناسبة مع الوضع ولا تبررها الحقائق". مشدداً على أنه "لا ينبغي للقرارات الصادرة عن المحكمة الأوروبية أن تتدخل في المجالات السيادية للدول الأعضاء، والأمن الطاقي أحد هذه المجالات". خاتماً كلامه بتأكيد أن بلاده "تحترم مصالح المجتمعات المحلية، وتسعى إلى التوصل إلى تسوية وديَّة لهذا النزاع مع جمهورية التشيك".

من جهة المعارضة، قال رئيس مجلس الشيوخ البولندي توماس غرودزكي (من حزب المنبر المدني المعارض) بأن قرار المحكمة الأوروبية جاء مقابل "تراخي وعدم كفاءة رئيس الوزراء ماتيوش مورافيتسكي وحكومته". مضيفاً أن "ظل مورافيتسكي يقنعنا بأن قضية المنجم تمت تسويتها، وها نحن الآن ندفع ثمن عدم وجود صفقة مع حكومة التشيك".

فيما رحَّبت التشيك بقرار المحكمة الأوروبية العليا، وصرّحت على لسان وزير خارجيتها جاكوب جولهانك بأن بلاده مستعدة للرجوع إلى طاولة التفاوض مع بولندا بشأن مستقبل المنجم، مشدداً على أن القضايا البيئية ستكون أولوية لهذه المفاوضات.

هذا وصعدت حدة النزاع حول منجم تورو حينما قررت الشركة المستغلة له توسيع الحفريات باتجاه الحدود التشيكية. نتاجاً لذلك تسبب المنجم والحفرة الضخمة الناتجة عنه بأضرار كبيرة لساكنة مدينة بوغاتينيا (جنوب بولندا) ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" على لسان أحد السكان المحليين بأن "الحفرة امتصت المياه على بعد أميال وتسببت في جفاف تام لعدد من الآبار".

فصل جديد في صراع وارسو وبروكسيل

ينضاف هذا التطور الأخير إلى مجموعة النزاعات التي تكتنف علاقة وارسو ببروكسيل، والتي دفعت العديد من المحللين للقول بأنها تسير بالبلاد إلى خروج من الاتحاد الأوروبي مشابه للخروج البريطاني. فيما تعود جذور الأزمة إلى تهديد الحكومة البولندية، رفقة نظيرتها المجرية، باستخدام الفيتو في وجه ميزانية الاتحاد الأوروبي البالغة 1.82 تريليون يورو (2.21 تريليون دولار) للأعوام القادمة، بما في ذلك حزمة التعافي من جائحة كورونا.

حزمة الإعانات التي ربطتها المفوضية الأوروبية باحترام الدول مبدأ سيادة القانون. بالمقابل أدّى وصول الحكومة اليمينية إلى السلطة في بولندا إلى تآكل استقلال القضاء والإعلام، ما خلق مخاوف بشأن التراجع الديمقراطي وعدم التزامها بذلك المبدأ. إضافة إلى ما تخلل الفترة من تصعيد في اللهجة الخطابية بين المسؤولين البولنديين والبولونيين.

وتعارض المعارضة البولندية توجهات حكومتها إزاء الاتحاد الأوروبي وتلويحها بمغادرته. وسبق لرئيس مجلس الشيوخ توماس جرودزكي من حزب "المنبر المدني" المعارض أن ناشد حكومة بلاده التخلّي عن موقفها المتشدد، مُفيداً أن مصير بلاده سيكون "إمّا في عائلة الحضارة الغربية وإما بين الديكتاتوريات الاستبدادية في الشرق".

هذا ويرى بيوتر بوراس، مدير مكتب وارسو التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن ارتباط بولندا العاطفي بالاتحاد الأوروبي يمنع حدوث الـ"بوليكسيت"، وأردف أن المغادرة تعني انتصار العوامل الأيديولوجية والسياسية على حساب النموذج الديمقراطي الغربي للمجتمع والسياسة، مؤكداً أن الشعب البولندي لن يتسامح قيد أنملة حال مضي حكومته في خطوات عمليّة للانفصال عن بروكسل.

TRT عربي