نحو 22 ألفاً و372 ربّة منزل انتحرن خلال عام 2020 في الهند (TRT World)
تابعنا

على ضوء الأرقام المُفزعة والحقائق الصادمة التي كشفتها العديد من التقارير الرسمية، الصادرة مؤخراً عن المكتب الوطني لسجلّات الجريمة التابع للحكومة، حذّر خبراء هنود من تفاقم مشاكل الصحّة النفسية في الهند، والتي تمثّلت أحد أبرز إرهاصاتها في ارتفاع معدلات الانتحار.

وفي وضع اجتماعي متدهور، زاد في حدّته تفشي جائحة كورونا، قرر آلاف الهنود من مختلف الفئات الاجتماعية إنهاء حياتهم. وأصبحت بذلك السلطات الهندية اليوم، أشبه بالعاجزة أمام هذه الكارثة البشرية التي لم تتمكن إلى حدود اللحظة من احتوائها وإيجاد حلول حقيقية لها.

وبينما تُعوّل في العادة الحكومات إلى جانب مؤسسات وعيادات الصحّة النفسية والعقلية، على دور العائلة والأسرة بشكل كبير في معالجة هذه الظاهرة، يصطدم الخبراء والإخصائيون بالأرقام المرتفعة لانتحار ربّات البيوت، لتُثار في الأثناء العديد من علامات الاستفهام، حول الأسباب التي تدفع اليوم ربّات البيوت الهنديات إلى قتل أنفسهن.

انتحار ربّات البيوت

أظهرت البيانات الصادرة مؤخراً عن المكتب الوطني لسجلّات الجريمة التابع للحكومة الهندية NCRB أن نحو 22 ألفاً و372 ربّة منزل انتحرن خلال عام 2020، أي بمعدل 61 حالة انتحار في اليوم تقريباً، وبالتالي حالة انتحار واحدة كل 25 دقيقة.

وبالرغم مما أثارته هذه الأرقام من مخاوف وقلق، إلا أن هذه الظاهرة لا تُعدّ جديدة في الهند، حيث إنه منذ أن انطلق المكتب الوطني لسجلات الجريمة عام 1997 في تسجيل حالات الانتحار في الهند، لوحظ ارتفاع معدلات انتحار ربّات البيوت لتناهز سنوياً حدود 20 ألف حالة تقريباً.

وقد شهدت هذه النسبة ارتفاعاً ملحوظاً عام 2009، لتبلغ أكثر من 25 ألف حالة انتحار.

وبينما سلّطت التقارير الحكومية مؤخراً الضوء على ارتفاع حالات الانتحار في الهند تزامناً مع تفشّي جائحة كورونا، تبيّن أن حالات انتحار ربّات البيوت عام 2020 تُمثّل تقريباً نحو 14.6% من إجمالي حالات الانتحار التي فاقت تقريباً 153 ألفاً و52 حالة، وتُمثّل في الوقت ذاته أكثر من 50% من إجمالي عدد النساء في الهند اللاتي أنهين حياتهن خلال السنة الماضية.

أما على الصعيد العالمي، إن كانت الهند تسجّل أعلى معدّلات الانتحار، فإنّ حالات انتحار النساء الهنديات تُمثّل نحو 36% تقريباً من إجمالي حالات انتحار النساء في العالم، بالنسبة للفئة العمرية ما بين 15 و39 عاماً.

وقد استدعت هذه الظاهرة مؤخراً انتباه الناشطين الحقوقين والخبراء وإخصائيي الصحة العقلية والنفسية، للبحث عن الأعباء والمشاكل التي تواجهها المرأة الهندية، وخاصة ربّات البيوت التي دفعت بها للاستسلام في النهاية والإقدام على الانتحار.

لمَ تنتحر ربّات البيوت؟

لا يكاد يخفى عن الجميع، انطلاقاً مما كشفت عنه العديد من التقارير، الأوضاع المأساوية والمتردية التي تكابدها المرأة الهندية، على غرار بقية الفئات الاجتماعية الهشّة في البلاد.

ووفق استطلاعات للرأي أُجريت مؤخراً على عدد من النساء، للتوصل إلى أسباب تنامي ظاهرة الانتحار خاصة في صفوف ربّات البيوت، تبين أن نحو 30% من النساء الهنديات تقريباً يعانين من العنف المنزلي.

ومع انتشار جائحة كورونا حول العالم، واستفحال ظاهرة العنف المنزلي في عدد من دول العالم، تفاقمت حدّة هذه الظاهرة في الهند، وارتفع منسوب العنف المنزلي الذي كان أحد أهم الأسباب التي دفعت الآلاف من ربّات البيوت العالقات في منازلهن مع المعتدين عليهن، إلى الانتحار.

ولا تقلّ مشكلة التزويج المبكّر والقسري لعدد من الفتيات الهنديات، أهمية عن باقي المشاكل التي دفعت بهن إلى التفكير بالانتحار، حيث أصبحت المنازل لكثير منهن عبارة عن سجن، انتهت فيه أحلامهن بإتمام الدراسة أو العمل ومواصلة حياتهن وفق اختياراتهن، وفاقمت بذلك الأعباء المنزلية والاهتمام أحياناً بأفراد كثر من العائلة وتلبية احتياجاتهم، والمساعدة في العمل المرهق خارج البيت، من استياء وحزن الكثيرات اللاتي قررن في النهاية وضع حدٍّ لهذه المعاناة بالانتحار.

وفي هذا السياق تقول الدكتورة أوشا فيرما سريفاستافا، إخصائية علم النفس الإكلينيكي في مدينة فاراناسي الشمالية: "تُزوّج معظم الفتيات بمجرد بلوغهن سنّ الزواج القانوني، 18 عاماً، وحينها تتحول الشابة إلى زوجة وكنّة وتقضي يومها بالكامل في المنزل، لتقوم بجميع الأعمال المنزلية من تنظيف وطهي وأشياء من هذا القبيل، وتخضع لجميع أنواع القيود ولا تمتلك إلا القليل جداً من الحرية الشخصية ونادراً ما تحصل على أي أموال خاصة بها".

وأضافت سريفاستافا: "تعليمها وأحلامها لا أهمية لهما ويبدأ طموحها في التلاشي ببطء، ويسيطر عليها اليأس وخيبة الأمل ويتحوّل وجودهن في الحياة إلى عذاب".

كما أشار عدد من الإخصائيين، بعد تتبع حالات انتحار ربات البيوت، إلى أنّ الكثيرات قد دخلن في حالة اكتئاب شديدة، بعد مغادرة الأبناء للبيت ودخولهن في سِنّ اليأس، ونتيجة للإحباط لم يكن أمامهن في ظلّ غياب الاحتواء والمساندة النفسية، إلا الانتحار.

وأكدت ذلك سريفاستافا قائلة: "تواجه الكثيرات متلازمة العش الفارغ بعد أن يكبر الأطفال ويغادرون المنزل، يعاني الكثير منهن أيضاً أعراض سِنّ اليأس والتي يمكن أن تؤدّي إلى نوبات اكتئاب وبكاء".

TRT عربي