تابعنا
بعد أن كشفت مصادر رسمية ارتفاع أعداد جرائم الاغتصاب في فرنسا خلال السنوات الأخيرة الماضية، أطلقت ناشطات نسويات مؤخراً حملة واسعة للتنديد بالتعاطي السلبي للأجهزة الأمنية مع شكايات العديد من الضحايا.

بالرغم من أنّ الشهادات الصادمة التي تحدثت فيها مؤخراً العديد من الضحايا الفرنسيات عن تجارب مؤلمة تعرضن فيها للاعتداء الجنسي والاغتصاب، قد أثارت ضجة كبيرة في الأوساط الحقوقية، والدوائر الرسمية، وفجّرت حملات تنديد واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنّ الأجهزة الأمنية، لم تأخذ معاناة العديد من الفرنسيات على محمل الجد، على ما يبدو، وتعاملت بمنتهى السلبية مع شكاياتهن في أفرع الأمن، وذلك وفق ما أفصحت عنه لاحقاً العديد من الناشطات.

ففي الوقت الذي كانت تنتظر فيه ضحايا الاغتصاب، كافة أنواع الدعم، وتسليط العقوبات الردعية اللازمة على مرتكبي هذه الفظائع الإنسانية، يفاجأن بتجاهل وتقصير أمني، ويتعرضن للإساء من رجال الشرطة علاوة على ذلك، حتى أصبح الكثيرات منهن يترددن قبل التوجه إلى مركز الشرطة للتبليغ عن أي شكاية.

أرقام مفزعة

وفق تقارير رسمية نشرتها وزارة الداخلية الفرنسية، خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، فإن عدد جرائم الاغتصاب المبلغ عنها سنة 2020 قد ناهزت حدود 11%، أي ما يعادل تقريباً تعرّض ثلاث سيدات للاغتصاب كل ساعة، أو امرأة كل سبع دقائق، وذلك حسب مجلة "مادوموازال" الفرنسية.

فبينما كان عدد جرائم العنف الجنسي يقارب على 18800 جريمة عام 2018، فقد سجل ارتفاعاً مخيفاً سنة 2020 ليبلغ نحو 24800 حالة اغتصاب، أي ما يعادل زيادة بمقدار الثلث تقريباً خلال سنتين.

وفي السياق ذاته فقد نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، في وقت سابق تقريراً استقصائياً، كشفت فيه، أنه بناءً على سجلات الشرطة الفرنسية، فقد بلغ عدد جرائم الاغتصاب سنة 2015 نحو 13881 جريمة، ليرتفع العدد بعد ذلك بشكل مفزع عام 2016 ويقارب الـ15848 جريمة، فيما بلغ عدد النساء اللاتي يتعرضن إلى شتى أنواع المضايقات الجنسية نحو 200 ألف امرأة سنوياً.

ورغم أن هذه الأرقام صادمة، إلا أنّها لا تمثل سوى جزء بسيط من الحقيقة، حيث أنّ المرصد الوطني للجريمة والعقاب أكد في وقت سابق، أن 10% فقط من الضحايا يتشجعون في النهاية للتقدم بالشكاية إلى الشرطة. وبالتالي فإنّ العدد الحقيقي لجرائم الاغتصاب ومحاولات الاعتداء الجنسي في فرنسا أكبر من ذلك بكثير.

وعلى ضوء هذه الأرقام، صرّحت وزارة الداخلية الفرنسية بأنه "يمكن تفسير الزيادة الكبيرة في العنف الجنسي المسجلة في السنوات الأخيرة بشكل خاص من خلال التغيير في سلوك الضحايا لتقديم الشكاوى، إذ أصبح المناخ ملائماً للكلام والحديث عن الاعتداءات".

وبناء على هذا التصريح، يؤكد حقوقيون أنّ الاعتداءات الجنسية وجرائم الاغتصاب مستمرة وبنسق كبير منذ سنوات طويلة، إلا أنّ الكثير من الضحايا يترددن غالباً في الإدلاء بشهادته، وخاصة إذا تعلّق ذلك بمرتكب جريمة من العائلة نفسها، أو من الطبقة السياسية أو أصحاب السلطة والنفوذ في البلاد.

ضحية مرتين

مع بداية توفّر المناخ الحقوقي والمجتمعي الملائم نوعاً ما، بدأت تتدفق العديد من شهادات الضحايا اللاتي كسرن حائط الجليد وبدأن في رواية تجاربهن المؤلمة والمأساوية التي تعرّضت فيها الكثيرات للاغتصاب والاعتداء الجنسي.

وكانت نقطة الانطلاقة عام 2017 مع إحدى الممثلات المسرحيات التي تحدثت عن تجربتها، فتشجعت الكثيرات ممن عايشن تجارب مماثلة وتحفزن لفضح هذه الجرائم، لتنطلق على إثرها حملة واسعة تحمل شعار "أنا أيضاً Me Too " وهي امتداد لحملة عالمية أطلقتها ناشطات نسويات لفضح المضايقات وشتى أنواع العنف والاعتداء الجنسي الذي يتعرض له الكثيرات حول العالم بشكل مستمر دون أن ينال الجناة العقاب.

وبالرغم من أن هذه الشهادات الصادمة قد أماطت اللثام على كثير من القصص المروعة وكشف تورط العديد من الشخصيات، إلا أنها تواجه نوعاً من التجاهل الأمني والسلبية في التعاطي مع هذه القضية.

وتحت شعار ضحية مرتين "ألم مضاعف DoublePeine#"، أكدت ناشطات حقوقيات بأنّ ضحايا الاغتصاب قد تعرضن للعنف مرتين، مرة على أيدي مغتصبيهم ومرة من عناصر الشرطة الذين تجاهلوا شكاياتهم وأساء بعضهم إليهن.

وفي سياق متصل، قالت إحدى الناشطات، إن النساء اللاتي توجهن على سبيل المثال إلى مركز الأمن في مدينة مونبولييه الفرنسية، تعرضن للإهانة من عناصر الشرطة أثناء الإدلاء بشهادتهن، حتى بتن يشعرن بالذنب ووصمة العار بمجرد أن عايشن جريمة اغتصاب.

ورغم أنّ السلطات الفرنسية، قد أطلقت سنة 2019 برنامجاً لتأهيل الأمنيين في التعامل مع قضايا العنف الجنسي، إلا أنّ التحسّن في الأداء لا يزال ضعيفاً. وبناء على ذلك دعا أكثر من 100 محامٍ الحكومة الفرنسية لتوفير محامٍ أو السماح للنساء باصطحاب محامٍ إلى فروع الشرطة أثناء التبليغ عن حوادث الاغتصاب، تجنيباً لهن من الاضطهاد والإساءة المعنوية.

TRT عربي