تظاهرات مناهضة للعصابات الإجرامية ببورت برينس (Ralph Tedy Erol/Reuters)
تابعنا

أعلنت السلطات الأمريكية يوم الاثنين، 18 أكتوبر/تشرين الثاني، اختطاف 17 مبشّراً، منهم 16 أمريكياً وكندي واحد، بهايتي. ونفى مسؤول أمريكي رفيع المستوى علم الحكومة الأمريكية بأية معلومات تفيد بمكان وجود رعاياها المختطفين، مشدداً على أن مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الخارجية الأمريكيين "يعملان على مدار الساعة من أجل تحرير المواطنين المختطفين".

فيما تعتقد السلطات المحلية بالجزيرة الكاريبية أنّ من يقف خلف عملية الاختطاف تلك عصابة مسلحة تُسمّى "400 ماووزو"، التي طالبت بفدية قدرها 17 مليون دولار مقابل إطلاق سراح الرهائن. الأمر الذي يُعيد إلى الواجهة إِحكام هذه العصابات قبضتها على البلاد، وسط شدّة الفقر والمجاعة بها، مستغلّين حالة الفراغ السياسي والأمني للتغلغل، واضعين الشعب الهايتي في خدمة نشاطاتهم الإجرامية.

اختطافات متكررة

ليست واقعة الاختطاف هذه الأولى التي تستهدف البعثات الدينية بهايتي. ففي أبريل/نيسان الماضي أعلنت وسائل إعلام اختطاف 5 قساوسة وراهبتَين من بينهم اثنان يحملان الجنسية الفرنسية. وقبلها بأسبوعين في عمليَّة حصلت على الهواء مباشرة أثناء نقل مراسيم القداس على "فيسبوك"، وتناقل وقتها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي لقطات منها مرفقة بتعليقات الحزن والهلع.

بالمقابل، يتحدَّث "مركز التحاليل والأبحاث في حقوق الإنسان" ببورت برينس عن 600 عملية اختطاف مسلح خلال التسعة شهور الأولى فقط من سنة 2021. محققة ارتفاعاً ملحوظاً مقارنة بالسنة الماضية، حيث بلغت حدود 231 عملية.

فيما تُرجع الكاتبة والباحثة الهايتية، إيميلي بروفيت، تفاقم هذه الوقائع إلى ما تسميه "صناعة الجريمة" التي تعرفها البلاد، حيث "تنتشر الأسلحة بين يدي شباب الأحياء الفقيرة، ما يدفعهم للبحث عن المال عبر اختطاف الناس في وضح النهار بين أزقة العاصمة بورت برينس". كل هذا، تضيف الكاتبة، أنّ ما يحدث يجري في مناخ يطبعه "إفلاس الدولة وفقدان الحكومة الهايتية أية سيطرة على أراضيها".

"400 ماووزو" وعصابات أخرى

وتُسلّط بروفيت الضوء على ظاهرة تسلّط العصابات الإجرامية بهايتي كونها بدأت مع انتخابات سنة 2011، حيث "عمد السياسيون إلى الاستقواء بهذه العصابات المسلحة" لبسط نفوذهم على الأرض، لكن سرعان ما "خرجت الأمور عن السيطرة وأصبحت العصابات هي من تتحكم بالقرار في البلاد".

الواقع الذي أكدته الخارجية الأمريكية في وصفها واقعة اختطاف رعاياها الاثنين الماضي، حيث قال الوزير أنتوني بلينيكن، إنها "تعكس مشكلة أكبر، وهي وضع أمني غير مستدام، حيث تتحكم عصابات بأجزاء من هايتي، ولا يُتاح للشرطة الوطنية تنفيذ مهامها في تلك المناطق، وترتبط هذه العصابات بمجموعات وأفراد وأحزاب، أي بوصف آخر، تسيطر على الدولة".

أمراء حرب

فيما أورد الباحث في جامعة فلوريدا الدولية الذي يدرس دول الكاريبي، إدواردو جامارا، في تصريح له لجريدة "وول ستريت جورنال": "يسيطر على هذه العصابات من هم أشبه بأمراء الحرب. إنهم أفضل تسليحاً من الشرطة ويفوق عددهم عدد أفراد الشرطة". حيث يقومون بكل أنواع الإجرام، من إتجار بالبشر إلى الخطف والسرقات المسلحة، إضافة إلى تجارة المخدرات والأسلحة. بل يفرضون على المواطنين إتاوات إزاء الخدمات العامة في ظل غياب السلطة بالبلاد.

كما ويجبون ضرائب خاصة من أصحاب المحال التجارية والورشات الصناعية الصغيرة المنتشرة في مناطق نفوذهم. ويقدّمون خدمات حماية للشخصيات السياسية ورجال الأعمال أثناء وجودهم بها مقابل المال. حسب ما يوضح "المركز الهايتي للتحليلات والأبحاث في حقوق الإنسان".

أحد أبرز تك الجماعت هي "400 ماووزو"، عصابة الـ400 محترف، التي يقودها شخص اسمه جوزيف ويلسون المطلوب لدى العدالة الدولية بتهم القتل والتعذيب والاغتصاب، إضافة إلى الاختطاف والسرقة المسلَّحة. ويُعدّ ويلسون وعصابته الأكثر إثارة للرعب في هايتي، والمسؤولين عن الجزء الأكبر من عمليات الاختطاف الحاصلة بالبلد، من ضمنها الواقعة الأخيرة، وواقعة اختطاف القسّيسيْن الفرنسيين اللذين دفعت من أجل تحريرهما الحكومة الفرنسية فدية قدرها مليون دولار.

وبلغ تحدي هذه العصابات السلطات الهايتية، بحسب تقرير الـ"وول ستريت جورنال"، لدرجة أنه كان من المفترض أن يحضر رئيس الوزراء، أرييل هنري، الأحد، حفل تكريم بطل استقلال هايتي الجنرال، جان جاك ديسالين، في ذكرى وفاته. غير أنّ إطلاق نار كثيف دفع هنري والوفد المرافق له إلى الفرار وإلغاء المراسم. قبل أن يظهر بعد فترة وجيزة من ذلك جيمي شيريزير، أحد أهم زعماء العصابات في هايتي، في موقع الحفل مرتدياً بدلة بيضاء وربطة عنق سوداء، ويضع ثلاثة أكاليل من الزهور.

بحسب محللين، فإن الفقر المتفشي في هايتي والمجاعة التي تعرفها البلاد عاملان رئيسيان في تضاعف عدد العصابات الإجرامية وإحكام قبضتها على البلاد، يُضاف إلى ذلك غياب الرادع الأمني وضعف السلطات. هذا ويعيش 80% من سكان هايتي تحت خط الفقر، ويعاني أكثر من 4.4 ملايين منهم المجاعة، وفقاً لإحصائيات البرنامج العالمي للغذاء.

TRT عربي