أرسلت الدولة العثمانية إماماً يُدعى محمد علي أفندي إلى الولايات المتحدة لأول مرة في عام 1910 (Others)
تابعنا

خلافاً للاعتقاد السائد، لم يأتِ المسلمون إلى أمريكا في القرن العشرين، بل يعيشون على أراضي هذه القارة منذ رَسَت السفن الاستعمارية القادمة من أوروبا في أمريكا الشمالية لأول مرة. فيما يعتقد المؤرخون أن المسلمين كانوا حاضرين أيضاً على متن السفن في الرحلة البحرية التي اكتشف فيها كريستوفر كولومبوس أمريكا، بالإضافة إلى العبيد المسلمين الذين جلبوا للعمل في المزارع منذ القرن السادس عشر.

ووفقاً للإحصائيات، يشكّل المسلمون نحو 1% من تعداد سكان الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا لم تُعتبر المورمونية ديناً منفصلاً، فإن الإسلام هو ثالث أكبر ديانة في أمريكا بعد المسيحية واليهودية. وحسب دراسة أجراها مركز PEW للأبحاث عام 2017، يعيش 3 ملايين و450 ألف مسلم في الولايات المتحدة.

ولكن في بداية القرن العشرين عاش ما يقرب من 10 آلاف مسلم فقط في الولايات المتحدة، معظمهم هاجروا من الأراضي العثمانية. لذلك أرسلت الدولة العثمانية إماماً يُدعى محمد علي أفندي إلى الولايات المتحدة لأول مرة عام 1910 في عهد السلطان رشاد، وفقاً لتقرير TRT Haber.

وصول المسلمين إلى أمريكا

عندما استوطن الأوروبيون الأراضي الأمريكية جلبوا معهم آلاف العبيد الأفارقة، بخاصة من منطقة سيني غامبيا في غرب إفريقيا، للعمل في المستعمرات التي أنشؤوها في أجزاء مختلفة من أمريكا الشمالية منذ القرن السادس عشر.

فيما يقدّر المؤرخون أن ما بين 15% و30% من العبيد في أمريكا كانوا مسلمين، إذ كان ما لا يقل عن 15% من سكان المناطق التي جرت فيها تجارة الرقيق من المسلمين. وهذا يدلّ على أن عشرات آلاف المسلمين جاؤوا إلى القارة الأمريكية وماتوا فيها.

بعد استعباد المسلمين الأفارقة، جاء أول عدد كبير من السكان المسلمين إلى أمريكا مع موجة المهاجرين التي بدأت بعد الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865). يقدر المؤرخون أن 26 مليون مهاجر قدموا إلى أمريكا بين عامي 1870 و1920. مع ذلك حدّت قوانين الهجرة والحصص الخاصة بالدولة الأمريكية التي تعطي الأولوية للبيض والمسيحيين، من عدد المهاجرين من الدول الإسلامية. اختير غالبية المهاجرين القلائل القادمين من الأراضي العثمانية من بين مسيحيي المنطقة، لهذا كان عدد الذين قدموا إلى أمريكا واستقروا في الفترة المذكورة آنفاً قليلاً نسبياً.

قصة أول مسجد في الولايات المتحدة

بعد قدوم محمد علي أفندي إلى نيويورك أقام علاقات ودية مع المسلمين وقاد الشباب الذين أرسلتهم الدولة للتعليم الجامعي. وكان الإمام علي أفندي الذي دأبت الدولة العثمانية على إرساله بمهام دينية إلى إفريقيا والشرق الأقصى، شخصاً مثقفاً للغاية يتحدث 6 لغات، فضلاً عن الإنجليزية التي كان يتكلمها بطلاقة.

عمل الإمام علي أفندي مع المسلمين هناك وتَعلَّم ثقافة ذلك المكان بوقت قصير، الأمر الذي مكّنه في النهاية من إنشاء أول مسجد في نيويورك، أو بالأحرى في الولايات المتحدة، بعد تداعيات كبيرة في الصحافة الأمريكية.

وقع اختيار مكان المسجد في مبنى يقع في منطقة وول ستريت بنيويورك، القلب النابض للاقتصاد العالمي. وكان بمثابة نقطة البداية في تلك المرحلة بالذات، منذ نحو 113 سنة، على الطريق الذي سلكه مسلمو الولايات المتحدة خلال العقود التالية. وعقب إنشائه أضيف آلاف المساجد والجوامع إلى أول مسجد تُقام فيه صلاة الجمعة والعيد معاً قبل أكثر من قرن.

بعد فترة قصيرة اعتقد الإمام محمد علي أفندي أن هذا المسجد لا يكفي، وبدأ يجمع التبرعات من ولايات مختلفة لشراء أرض وبناء مسجد كبير في نيويورك، حيث كان يعيش كثير من المسلمين.

لكن لسوء الحظّ ذهبت كل جهود الإمام سدى بعد اشتعال الحرب العالمية الأولى، التي كانت الدولة العثمانية طرفاً فيها، فأرسل محمد علي أفندي كل الأموال التي جمعها إلى إسطنبول لمساعدة الحكومة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.

وبعد تَكلُّل حرب التحرير والاستقلال التركية بالنجاح وإعلان إنشاء الجمهورية التركية عام 1923، عاد محمد علي أفندي وجمع المساعدات من ولايات مختلفة في أمريكا، وأرسلها مجدداً إلى تركيا من أجل إنشاء أول دار للأيتام في العاصمة أنقرة.

TRT عربي