ما قضية الفساد التي تهز إمبراطورية الجزائر الاقتصادية؟ وأي دور تلعبه شركة سوناطراك داخل الاقتصاد الجزائري؟ (Ramzi Boudina/Reuters)
تابعنا

مُرحَّلًا من الإمارات، تسلمت السلطات الجزائرية في 4 آب/أغسطس الجاري المدير التنفيذي الأسبق لشركة النفط "سوناطراك" عبد المؤمن ولد قدور, المتابَع لدى العدالة بتهم فساد وتبديد المال العامّ في قضية شراء الشركة، المملوكة من الحكومة الجزائرية، لمصفاة نفط بمدينة أوغوستا الإيطالية.

ومنذ الثلاثاء يتداول نشطاء عبر مواقع التواصل في البلاد أنباء عن أن طائرة رئاسية انطلقت من مطار "بوفاريك" العسكري جنوبي العاصمة الجزائر، متوجهة إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي، حسب مواقع متخصصة في رصد حركة الملاحة الجوية، بما يدفع إلى السؤال عن قضية هذا المعتقل الذي تحركت طائرة رئاسية لترحيله، وأي دور تلعبه شركة سوناطراك داخل الاقتصاد الجزائري.

فضيحة أوغوستا

بمناسبة الذكرى 50 لتأميم المحروقات بالجزائر، فبراير/شباط 2020، أعلن الوزير الأول الجزائري السابق عبد العزيز جراد عن فتح تحقيق في قضية مصفاة "أوغوستا" التي اشترتها شركة سوناطراك المملوكة للحكومة، من "إيكسون موبيل" الأمريكية، موضحاً أن قاضي التحقيق أمر بالقبض الدولي ضد المتهم الرئيسي في الوقائع.

بدأت أطوار فضيحة الفساد التي تحوم حول صفقة شراء المصفاة الإيطالية سنة 2018، حين أعلنت سوناطراك الاستحواذ عليها بكلفة قاربت 800 مليون دولار، حسبما أورد مجالات متخصصة في الاقتصاد النفطي، اعتبرت أن هذا السعر مبالغ فيه نظراً إلى الحالة الكارثية التي عليها المصفاة التي شُيّدت في خمسينيات القرن الماضي ولم يجد لها مالكها الأمريكي مشترياً منذ عرضها للبيع سنة 2015.

في حين دافع الرئيس التنفيذي لسوناطراك آنذاك عبد المؤمن ولد قدور، بأنه "سعر رائع"، وأن طاقة المصفاة الإنتاجية التي تبلغ 10 ملايين طن سنوياً، ستجعلها ثاني أكبر مصفاة يملكها المجمع النفطي، وستخفف حجم كلفة واردات الجزائر من المحروقات. وبرر مسؤول سابق في سوناطراك بأن "الشركة الجزائرية لم تعُد تتحمل كلفة مليارَي دولار واردات سنوية من البترول المكرر، بخاصة مع الانخفاض الكبير الذي عرفته أسعار النفط (...)، وفي المقابل سيستغرق بناء مصفاة 5-10 سنوات بتكلفة تبلغ في حدها الأدنى 5 مليارات دولار، ومصفاة أوغوستا كلَّفتنا أقلّ من خُمس ذلك المبلغ".

وبعد عام من شرائها، اقترضت سوناطراك 250 مليون دولار من الشركة العربية للاستثمارات البترولية "أبيكورب" لتمويل عمليات صيانتها، بيد أن المصفاة لم تكن في الواقع بحاجة إلى صيانة، بل إلى إعادة بناء، لكون تجهيزاتها القديمة تكرّر الخام السعودي الثقيل الذي تشتريه "إكسون موبايل" من أرامكو السعودية، ولا تصلح لتكرير الخام الجزائري الخفيف، مما عطَّل دخول المصفاة الإيطالية بعد سنتين إلى الخدمة، ورفع تكلفة المنشأة إلى مليار دولار، الأمر الذي أثار عليه الرأي العامّ الجزائري ضجة، ودفع المحكمة إلى أن تفتح فيه تحقيقاً قضائياً.

سوناطراك.. إمبراطورية الفساد

تلعب شركة سوناطراك الدور المركزي داخل الاقتصاد الجزائري، بوصف الجزائر دولة يعتمد اقتصادها في جزئه الأكبر على النفط، وسوناطراك وحدها تساهم بـ30% من الناتج الداخلي الخام للبلاد، كما تشغل أكثر من 120 ألف عامل (حسب إحصائيات 2010) وتحقّق أرباحاً سنوية تتعدى 76 مليار دولار، كما تحضر في عدد كبير من دول العالم وفي كل قاراته، وبالتالي يليق نعتها بـ"الإمبراطورية الاقتصادية للجزائر".

لكن هذه الإمبراطورية لطالما كانت موعودة بشبهات الفساد التي تحوم حول أعمالها، وبالتزامن مع قضية مصفاة أوغوستا، تتابع سوناطراك أمام المحكمة اللبنانية في تهم توريد وقود ملوَّث، إذ حملت الشحنة التي ورّدتها الشركة الجزائرية إلى بيروت في مارس/آذار 2020، بنزيناً "رديء الجودة" حسب ما أثبتته تحاليل المختبرات الحكومية اللبنانية، في تناقض مع التحاليل التي أُرفقَت بها عندما شحنها الجزائريون.

إثر ذاك اتخذت السلطات اللبنانية إجراء توقيف ممثّل شركة سوناطراك الجزائرية في البلاد طارق الفوال، و16 شخصاً آخر، وتوبعوا في قضايا الغش في نوعية الوقود الموجهة لصالح شركة كهرباء لبنان، فيما تربط الحكومةَ اللبنانية والشركةَ الجزائرية عقودٌ منذ سنة 2005، بموجبها تُورَّد شحنات وقود بقيمة مليارَي دولار سنوياً إلى الدولة الشرق أوسطية.

بالعودة إلى سنة 2010، كشفت وسائل الإعلام الجزائرية ارتباط شركة النفط الحكومية بشبكة فساد مالي واسعة ومعقدة، ضمّت عدداً من شخصيات البلاد. وفضحت القضية التي أتت في نسخ متتابعة ما استجدّ من أسماء المتورطين فيها، وضلوع سياسيين جزائريين ومسؤوليين في تلقي رشوة وعمولات بملايين الدولارات مقابل صفقات ضخمة بين سوناطراك وشركات عالمية. وكان وزير الطاقة الجزائري السابق شكيب خليل، أبرز المتهمين في القضية، إلى جانب المدير العامّ السابق لسوناطراك محمد مزيان.

وأدانت المحكمة الجزائرية في فبراير/شباط 2016 المتهمين بأحكام متفاوتة تراوحت بين البراءة والسجن ست سنوات مع غرامات مالية على البعض، فيما أسقطت التهمة عن وزير الطاقة لما قيل إنه خطأ في الإجراءات.

TRT عربي