لماذا يغادر ملايين الأمريكيين وظائفهم وإلى ماذا يسعون؟ (Others)
تابعنا

ذكرت وزارة العمل الأمريكية أن 4.3 مليون أمريكي، أي حوالي 2.9% من القوى العاملة في الولايات المتحدة، تركوا وظائفهم خلال أغسطس/آب الماضي، والذي كان شهراً لتحطيم الأرقام القياسية في البلاد، لتعود وتنخفض الأعداد قليلاً في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد أن وصلت إلى نحو 4.2 مليون شخص.

ووفقاً لبيانات وزارة العمل الصادرة في منتصف أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، ترك ما لا يقل عن 30 مليون أمريكي وظائفهم بين شهري يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب من هذا العام.

فمن الشائع أن تُرى زيادة في ترك الوظائف عندما يكون سوق العمل ضيقاً وتوجد وفرة من الوظائف المتاحة، لكن ما يحدث الآن لا يشبه أي شيء رأيناه من قبل، إذ لا يزال الاقتصاديون وخبراء استطلاعات الرأي يسعون لمعرفة الدوافع والأسباب الحقيقية لظاهرة الاستقالة الكبرى التي عصفت بجميع الصناعات تقريباً.

فهل المساعدات والمنح الحكومية السخية هي من شجعت الأمريكيين على ترك وظائفهم؟ ربما، لكن بعض الأدلة تشير إلى عكس ذلك. أم هل يسعى الأمريكيون للحصول على زيادة رواتبهم بعد عقود من ركود الأجور؟ على الأرجح، نعم.

هل الدافع هو الحرية أم البحث عن فرص أفضل؟

أدت هزة سوق العمل التي أحدثها الوباء إلى إعادة الكثيرين، وبخاصة العمالة الشابة، تقييم حياتهم العملية. ففي حين ترك ملايين الأمريكيين وظائفهم بشكل كامل بحثاً عن الحرية والاستقلالية، فإن الأمن الوظيفي والأجور الأفضل من أبرز اهتمامات ملايين آخرين.

ففي سبتمبر/أيلول الماضي، انخفض معدل البطالة في أمريكا إلى مستوى منخفض بلغ 4.8%، لكن الانخفاض كان مدفوعاً إلى حد كبير بترك الأشخاص للوظائف. علاوة على ذلك، تظهر بيانات مؤسسة غالوب أن ما يقرب من نصف العاملين الأمريكيين يبحثون بنشاط عن فرص جديدة، مدعومين برافعة مالية مختلفة.

في السياق ذاته، قال عالم النفس في جامعة "تكساس إيه آند إم" انتوني كلوتز: "العام الماضي تمكنا جميعاً من التراجع وقضاء المزيد من الوقت في القيام بأشياء أخرى والتشكيك حقاً في قيمة ما نقوم به في العمل". وأشار كلوتز إلى أن عدداً من الأشخاص اتخذ القرار لإجراء تغيير في حياتهم خصوصاً وأن خبراتهم الوظيفية خلال فترة الوباء قد دفعتهم إلى التعرف على أولوياتهم الحقيقية في الحياة.

فيما قال كبير الاقتصاديين الأميركيين في "أكسفورد إيكونوميكس" غريغوري داكو: "الأمر لا يتعلق فقط بالاستقالة من أجل الاستقالة، بل ترك العمل للعثور على عمل أفضل".

رواج العمل عن بُعد

مما لا شك فيه أن ترك الأمريكيين لوظائهم بأعداد كبيرة يُعزى إلى الضغوط العائلية التي فرضتها المدارس المغلقة، وإغلاق الشركات وإعادة فتحها، بالإضافة لإعادة توزيع السكان في مواقع وصناعات مختلفة، والخوف من الفيروس في الأماكن التي تجري بها الأعمال وجهاً لوجه. لكن يبدو أن الارتفاع التاريخي في ترك الوظائف يدور أيضاً حول أكثر من كل هذا.

ففي ورقة عمل جديدة، تشير الخبيرة الاقتصادية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، أولريك مالميندير، إلى أن هناك شيئاً وجودياً وراء الاستقالة الكبرى: "لقد غيّر الوباء وظهور العمل عن بُعد الطريقة التي ننظر بها إلى حياتنا والعالم".

وبينما يصر بعض المديرين على ضرورة العمل من المكتب رغم إمكانية إنجاز العمل عن بُعد، قال 56% من العمال الأمريكيين الذين شملهم استطلاع Bankrate للباحثين عن عمل في أغسطس/آب الماضي، إنهم يخططون للبحث عن وظيفة جديدة في العام المقبل، وأن تعديل ساعات العمل والعمل عن بُعد يمثلان أولوية كبيرة بالنسبة لهم.

ما تأثير ذلك على التضخم؟

سواء كنت تسميها "الاستقالة الكبرى" أو "إعادة تقييم العمل على الصعيد الوطني"، فإن هزة سوق العمل للوباء يمكن أن تكون لها توابع غير متوقعة على الاقتصاد الأمريكي لسنوات قادمة، خصوصاً وأن قلة الرغبة في العمل ستقلل من الطلب على الوظائف، مما سيدفع المُشغلين لزيادة الأجور لجذب الموظفين، الأمر الذي سيزيد من تكلفة الإنتاج وبالتالي زيادة الأسعار بشكل حاد من شأنها أن تقود البلاد إلى نسب تضخم مرتفعة.

وخلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ارتفعت الأجور بشكل حاد، لا سيما في الوظائف ذات الأجور المنخفضة بعدما كانت راكدة لسنوات طويلة من قبل، حيث ارتفع متوسط ساعة العمل في الوظائف الإشرافية بنسبة 4.8% عن العام الماضي، ليصل لأكثر من 31 دولاراً في الساعة، وفقاً لمكتب إحصاءات العمل الأميركي.

وفي ظل ارتفاع الأجور بشكل حاد، إلى جانب الارتفاع الكبير في الأسعار جراء عدة عوامل أهمها زيادة الطلب على المواد الخام وارتفاع أسعار النفط فضلاً عن المشاكل التي طالت سلاسل التوريد العالمية، ينظر البعض إلى التضخم على أنه تهديد محتمل، في حين لا يزال صناع القرار السياسي، بمن فيهم رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، يؤكدون أن الزيادات في الأسعار ترتبط بشكل رئيسي بالانحرافات الاقتصادية التي سببها الوباء والتي سوف تتبدد قريباً.

TRT عربي