تابعنا
لا تزال حلقات مسلسل الكشف عن جرائم العنف والاغتصاب المروعة التي تتعرض لها الفرنسيات مستمرة إلى اليوم، وكان آخرها ما فجّرته حملة التنديد الواسعة لناشطات نسويات من حقائق عن العنف خلف أبواب عيادات النساء.

بعد أن تمكن العديد من الضحايا في نهاية الأمر من كسر حاجز الصمت، فُتحت عدة تحقيقات في الدوائر القضائية الفرنسية مؤخراً، وذلك بناء على عدد كبير من الشكايات، للكشف عن ملابسات جرائم العنف المتكررة، داخل العيادات النسائية.

وقد أثارت قضية اتهام رئيس قسم أمراض النساء والتوليد في المستشفى الجامعي تينون بالعاصمة الفرنسية باريس، خلال شهر سبتمبر/أيلول المنقضي، باغتصاب قاصرات وممارسة العنف الجسدي والنفسي واللفظي تجاه المريضات أثناء المعاينة والاستشارة الطبية، ضجة كبيرة في الأوساط الطبية والحقوقية في فرنسا.

وتدفّقت منذ ذلك الحين الكثير من الشهادات التي كشفت شكلاً من أشكال العنف المسكوت عنه خلف أبواب عيادات النساء والتوليد. وتعالت بذلك الأصوات الحقوقية، منادية بمعاقبة الجناة والمتورطين في هذه الجرائم، ومراقبة ظروف المعاينة والاستشارة الطبية داخل هذه الأقسام، وتقييدها بقوانين مشددة، تقطع الطريق أمام مزيد الانتهاكات في المستقبل.

"أوقفوا عنف النساء والتوليد"

تحت وسم "أوقفوا عنف النساء والتوليد VOG"، تحدثت العديد من الفرنسيات عن تجاربهن المؤلمة التي تعرضن فيها لمختلف أشكال العنف والاعتداء من أطباء النساء والتوليد خلال حصص المعاينة أو الاستشارة الطبية.

وكشفت العديد من الشهادات تعرّض نساء للتصوير بالمنظار دون استشاراتهن، ولعلّ أكثر الشهادات التي صدمت الرأي العام، إجبار رئيس قسم أمراض النساء والتوليد في المستشفى الجامعي تينون، العشرات من المريضات على المعاينة والتصوير بالمنظار بطريقة وحشية، مع الصراخ والاعتداء اللفظي، في موقف يُحاكي جرائم الاغتصاب، والذي تسبب لهن بأضرار معنوية لاحقاً علاوة على الأضرار الجسدية المترتبة على ذلك.

ويبدو أنّ حادثة دكتور تينون ليست الوحيدة في فرنسا، إذ صرّحت مجموعة مكافحة العنف في عيادات أمراض النساء والتوليد، بتلقيها العشرات من الشكايات التي تفضح تورط عدد كبير من الأطباء في حوادث العنف والاغتصاب خلال المعاينة.

ومن جانبه أكد مجلس نقابة الأطباء في باريس، أنه تلقى منذ عام 2014، عدة تقارير تفضح السلوكات المريبة لأطباء النساء والتوليد في مختلف المستشفيات الفرنسية، ولا يزال ذلك قيد التحقيق إلى حدود اللحظة.

وفي السياق ذاته، فقد كشفت بعض الضحايا تعرضهن إلى الإذلال والإساءة خلال عمليات الولادة، ما ضاعف ألمهن ومعانتهن في لحظة دقيقة وحساسة بالنسبة لهن.

فيما أشارت بعض الإفادات، التي عرضتها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي، إلى ممارسة أطباء النساء والتوليد العنف اللفظي والإهانات المعنوية أثناء المعاينة، إلى جانب بعض الإيحاءات اللفظية الجنسية. وتتعدد في ذلك الشهادات والشكاوى التي لا تزال تكشف فظاعة ما يُمارس خلف أبواب عيادات النساء والتوليد، ويتجاهله كثيرون، وتواصل بعض الجهات التعتيم عليه.

وبينما يتفق الأطباء والإخصائيون حول العالم، على أن اختصاص أمراض النساء والتوليد، يُعتبر من أكثر الاختصاصات حساسية، نظراً للوضع والظروف التي تكون عليها المريضة أثناء المعاينة الطبية، فإنهم يشددون في الوقت ذاته، على تعريف وتحديد أشكال العنف في هذا المجال، لكشفه والتصدي له.

ويقول في ذلك أهل الاختصاص، إنه يتمثل في أي سلوك أو تعليق، يرتكبه الأطباء أو موظفو القطاع الصحي، دون أن يكون ذلك مبرراً طبياً، ويُنفّذ دون الموافقة الحرة والإرادية للمرأة.

تقصير قانوني وإجرائي

أمام تدفق سيل الشكايات، نشرت الكلية الوطنية لأطباء النساء يوم الخميس 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ميثاق الاستشارات، وذلك لأول مرة في تاريخها، تذكّر فيه أصحاب المعاطف البيضاء بالقواعد والأخلاقيات التي يجب التحلّي بها واتباعها مع المريضات أثناء المعاينة، وذلك للقطع مع التاريخ المخزي لكثير من الأطر الطبية التي تواصل إلى اليوم ارتكاب المزيد من الانتهاكات والاعتداءات اللاإنسانية على كثير من المريضات.

فيما تشدد الناشطات النسويات والمنظمات الحقوقية، بدورهن على حقّ المريضة في قول "لا" واستحضار فكرة أنها ليست مجبرة على أي فحص ويمكنها الرفض أو القبول لأي ممارسة تتعرض إليها من طرف أصحاب الرعاية الطبية في أقسام النساء والتوليد.

إلا أن التوعية والحملات التوعوية، يبدو أنها لا تفي بالغرض في ظلّ غياب المنظومة القانونية التي تتصدى لهذا العنف الذي أصبح متفشياً بشكل فظيع. حيث تعتبر اللجنة العليا لرعاية الطفولة والأمومة بأنه لا توجد في الحقيقة من وجهة نظر جزائية جريمة محددة تتعلق بالعنف أثناء الولادة والمعاينة الطبية للأمراض النسائية، وإنما يتضمن القانون الجنائي فقط جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب والاعتداء الجسدي فقط.

TRT عربي