مظاهرة للانفصاليين في كورسيكا.  (AFP)
تابعنا

تهزّ جزيرة كورسيكا منذ 2 مارس/آذار الجاري، اضطرابات اجتماعية عنيفة، تتخللها صدامات بين المدنيين ورجال الشرطة، ذلك احتجاجاً على الاعتداء الذي طال الناشط الانفصالي إيفان كولونا داخل أحد السجون الفرنسية.

فيما تسعى الحكومة الفرنسية منذ ذلك الوقت إلى إخماد الأحداث المشتعلة في الجزيرة المتوسطية. وأعلن وزير الداخلية الفرنسي، جيرار دارمانان، حسب بيان نشرته وكالة فرانس برس، أنه سيتوجه إلى كورسيكا يومي الأربعاء والخميس لبدء محادثات مع "جميع المسؤولين المنتخبين والقوى الناشطة في الجزيرة"، مؤكداً أن "عودة الهدوء ضرورية لبدء الحوار".

وأصبح إيفان كولونا منذ اعتقاله عام 2003، مُداناً في قضية اغتيال المسؤول الإقليمي في كورسيكا كلود إيرينياك عام 1998، وجهاً قومية للنزعة الانفصالية الكورسيكية، والتي يعود تاريخ بروزها إلى بدايات القرن الـ 20. وهذا الحادث الذي أدين فيها منفرداً، هو أحد أطوار الأعمال المسلحة والاغتيالات السياسية التي قادتها الحركة ضد السلطات الفرنسية.

جذور النزعة الانفصالية بكورسيكا

تتميز جزيرة كورسيكا الفرنسية، الواقعة في عرض السواحل المتوسطية للبلاد، بخصوصية تاريخية تجعلها مختلفة عن باقي مناطق البر الفرنسي. إذ تناوب على حكمها الإيطاليون والإنجليز، وعاشت سنوات من الاستقلال باسم "جمهورية كورسيكا" في أواسط القرن 18. لم تصبح تحت السيادة الفرنسية إلا في بداية القرن 19.

إضافة إلى هذه الخصوصية التاريخية لها خصوصية لغوية وثقافية، حيث لأهالي الجزيرة لغتهم الخاصة، وهي من عائلة اللغات اللاتينية الرومانية. كما أن لهم عاداتهم وثقافتهم الخاصتين، اللتان تميزانهم عن اللغة والثقافات المشتركة بين المناطق الفرنسية.

من هذا المنطلق يعتبر الكورسيكيون نفسهم شعباً لا ينتمي إلى فرنسا، وعلى هذا الأساس يبنون نزعتهم القومية. غير أن أولى بوادر المطالبة بالانفصال تعود إلى سنة 1914، إذ نشرت إحدى مجلات الجزيرة بياناً تقول فيه: "كورسيكا ليست مقاطعة فرنسية، هي أمة جرى غزوها وعليها أن تخلق نفسها من جديد". وبعدها بست سنوات أنشئ أول حزب يطالب بالحكم الذاتي في الجزيرة.

نهاية سنوات الخمسينات ستعرف الجزيرة أولى الاضطرابات الاجتماعية، احتجاجاً على السياسات الضريبية لباريس. لكن التحول الجذري في النزعة الانفصالية فيها سيكون بعد نهاية حرب الجزائر، إذ أسس مجموعة مناضلين انفصاليين في عام 1976 "الجبهة الوطنية لتحرير كورسيكا"، التي ستقود بعد ذلك العمل على الانفصال.

"ليالٍ زرقاء" وهجمات مسلحة

تمثل عمل "الجبهة الوطنية لتحرير كورسيكا" على مستويين، أحدهما سياسي سلمي، والآخر مسلح وهو الذي كانت تستخدمه للضغط على باريس من أجل قبول مطالبها. ونفذت الجبهة عدداً كبيراً من التفجيرات التي استهدفت المصالح الفرنسية، مثل الاغتيالات بحق رجال الشرطة والسياسيين.

ودأبت الجبهة على تنفيذ ما سمي وقتها بـ"الليالي الزرقاء"، وهي هجمات تفجيرية كثيرة تستهدف أماكن متفرقة من المدن الفرنسية في ليلة واحدة. وشهدت ليلة 5 مايو/أيار 1976 تنفيذ 22 تفجيراً في مدينتي نيس ومارسيليا. وفي ليلة 31 مايو/أيار من نفس السنة نفذوا 31 تفجيراً. لكن أكثرها عنفاً كانت ليلة 19 أغسطس/آب التي تخللها 91 تفجيراً دموياً.

ومن أبرز العمليات التي نفذتها "الجبهة الوطنية لتحرير كورسيكا" تفجير برج رادار في قاعدة سولينزارا التابعة للناتو، في يناير/كانون الثاني 1978. إذ يقول مخطط تلك العملية، بانتاليون أليساندري، في مذكراته: "كنت أنا من اقترح تفجير سولينزارا، كنا قادرين على تفجير أربعين من طائرات "ميراج" فرنسية كانت هناك، لكننا فضلنا أن نبعث رسالة سياسية قوية".

كما خططت الجبهة ونفذت عدداً من عمليات الاغتيال، أبرزها تلك العملية الفاشلة التي استهدفت الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان، بتفجير مطار أجاكسيو بعد دقيقتين من هبوط الطائرة الرئاسية فيه. وكان الناشط الانفصالي إيفان كولونا، المدان في اغتيال المسؤول الإقليمي في كورسيكا كلود إيرينياك عام 1998، مقرباً من خلايا "الجبهة الوطنية لتحرير كورسيكا".

ما بين سنوات 1990 و1996 ستعرف الجبهة تفككيْن لخطيْن متباينيْن داخلها، ما سيخلق حالة حرب دموية بينهما. وأودت أنشطة الحركة الانفصالية الكورسيكية منذ عام 1976 بحياة أزيد من 1000 قتيل. وفي سنة 2018 متعت باريس الجزيرة بوضع خاص، يسمح لها بصلحيات إدارة ذاتية أوسع.

TRT عربي