"الأسلحة وحدها لا تكسب الحرب".. هل تعاني أمريكا مشكلات تجنيد؟/الصورة: U.S. ARMY (Others)
تابعنا

على الرغم من كونه واحداً من أقوى الجيوش وأكثرها تمويلاً في العالم، فإن الجيش الأمريكي يواجه أكبر تحدٍّ في التجنيد منذ بدء الخدمة التطوعية قبل ما يقرب من نصف قرن. خلال السنوات الأخيرة كافح الجيش الأمريكي لتحقيق أهداف التجنيد في مواجهة المواقف المتغيرة تجاه الخدمة العسكرية والمنافسة المتزايدة من الصناعات الأخرى.

وفي الوقت الذي لم تتأثر فيه مستويات التجنيد خلال زمن الحرب الأخيرة في أفغانستان والعراق كما توقع عديد من الخبراء العسكريين حينها، فتح الانسحاب الأمريكي المفاجئ من أفغانستان الصيف الماضي الباب على مصراعيه على أزمة التجنيد في الولايات المتحدة، التي يبدو أنها لن تُظهِر أي بوادر للتراجع في أي وقت قريب، كما أورد تقرير نشره موقع وور أون ذا روكس.

نتيجة لذلك يتقلص الجيش الأمريكي، ليس بسبب أي خيارات استراتيجية، ولكن ببساطة بسبب عدم وجود عدد كافٍ من المتطوعين المؤهلين، وقد يكون لذلك آثار هائلة على الموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة في عالم يتزايد فيه الخطورة وعدم اليقين.

ما مدى سوء أزمة التجنيد؟

خلال السنة المالية الماضية فشل الجيش الأمريكي في تحقيق هدف التجنيد الخاص بعجز قدره 15,000 جندي في الخدمة الفعلية، أو ما يعادل 25% من هدفه. أجبر هذا النقص الجيش على خفض قوته النهائية للخدمة الفعلية المخطط لها من 476,000 إلى 466,000، ومن المرجح أن تكون السنة المالية الحالية أسوأ.

فيما يتوقع مسؤولو الجيش أن القوة النهائية النشطة يمكن أن تتقلص بما يصل إلى 20,000 جندي بحلول سبتمبر/أيلول المقبل لتصل إلى 445,000 جندي، وهذا يعني أن القوة البرية الأساسية في البلاد يمكن أن تنخفض بنسبة تصل إلى 7% في عامين فقط، في وقت تتزايد فيه مهامّها في أوروبا وحتى في المحيط الهادئ.

كما تناول مايكل بلومبرغ عمدة مدينة نيويورك السابق والمرشح الرئاسي، أزمة التجنيد هذه في مقال رأي نُشر في أغسطس/آب على موقع شركته الإعلامية تحت عنوان "ويلات التجنيد العسكري تهدد الأمن القومي". في المقال قدم بلومبرغ اقتراحات حول كيفية تحسين التجنيد، فيما جادل بأن "القضاء على التهديدات للنظام العالمي يتطلب جيشاً أمريكياً لا يُعلى عليه".

أسباب الأزمة

تُظهِر الاستطلاعات أن ثقة الجمهور بالجيش، إلى جانب الثقة بمعظم المؤسسات الكبرى، منخفضة. الأسباب المذكورة لذلك هي الصدمة في كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الانسحاب من أفغانستان، والتقارير عن الاعتداءات الجنسية في القواعد العسكرية، فضلاً انضمام المتعصبين للبيض إلى الرتب العسكرية العليا.

لا شك أن جزءاً من الأسباب يكمن في أن نهاية الحرب في أفغانستان جعل الخدمة العسكرية تبدو أقلّ إلحاحاً. لأول مرة منذ ما يقرب من 20 عاماً، لم تعُد القوات الأمريكية تقاتل في الخارج لإبقاء المتمردين والإرهابيين بعيداً عن المصالح الأمريكية.

بالإضافة إلى أن الاقتصاد القوي وما يرافقه من معدلات بطالة منخفضة، مما يجعل التجنيد دائماً أكثر صعوبة، كما أن سوق العمل الضيق أجبرت عديداً من الشركات على زيادة الأجور وتقديم حوافز مقنعة لجذب أفضل المواهب لشغل وظائف مدنية مستقرة وأكثر جاذبية من الخدمة العسكرية بعيداً عن المنزل والعائلة، وفقاً لصحيفة نيوزويك.

إلى جانب كل الأسباب السابقة، يرى البعض أن المشكلة الكبرى تتمثل في قلة أعداد الشباب المؤهلين للخدمة العسكرية بسبب ارتفاع معدلات السمنة وتعاطي المخدرات. فقد انخفضت نسبة الأمريكيين الذين تتراوح سنّهم بين 17 و24 عاماً المؤهلين للخدمة إلى 23%. وعند خصم من التحقوا بالفعل بالجامعات والكليات، فإن النسبة المتبقية هي 12% فقط.

فيما يقدّر الجيش أنه من بين الـ12% المؤهلين، فإن 9% فقط لديهم "ميل" إلى الخدمة، وهو أدنى مستوى منذ عام 2007، خلال ذروة حرب العراق.

هل من مساعٍ لسد فجوة التجنيد؟

لسد الفجوة، يقدم الجيش مكافآت 35,000 دولار للمجندين الراغبين في بدء التدريب الأساسي والسماح لهم باختيار المكان الذي يتمركزون فيه. وقد وسعت الخدمة أيضاً خيارات التجنيد قصيرة المدى، مما أعطى بعض الجنود الجدد خيار الخدمة الفعلية لمدة عامين بدلاً من الأربعة المعتادة.

وإلى جانب تعزيز الحوافز لجذب مجندين ذوي جودة عالية، تطالب مقترحات أخرى بتخفيف معايير اللياقة البدنية أو تسهيل حصول المجندين على إعفاءات من تعاطي المخدرات أو قبول الحالات الطبية العقلية التي بدأت تتجاوب مع العلاج، وهي المطالب التي قد تخاطر بتقويض الاستعداد والانضباط وفقاً للخبراء.

على الرغم من هذه الجهود، قد يتعين على الولايات المتحدة فعل مزيد بموارد أقلّ في السنوات المقبلة من خلال الاستثمارات في أنظمة الأسلحة غير المأهولة والذكاء الصناعي والذخائر عالية الدقة القادرة على تقليل متطلبات القوى العاملة.

كما أن من شأن زيادة التعاون مع القطاع الخاصّ والاستخدام الأكثر ذكاءً للتقنيات التجارية أن يسمح للبنتاغون بتسليم مزيد من المهامّ التقنية، مثل خدمات تكنولوجيا المعلومات، للموظفين المدنيين والمقاولين. فيما طالب مايكل بلومبرغ بضغط الولايات المتحدة على الحلفاء الإقليميين، ولا سيما شركاؤها في الناتو في أوروبا، للمساهمة بشكل أكبر في الدفاع الجماعي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً