تابعنا
العمل وإثبات الذات أم الأمومة والأطفال والعائلة؟ هذه المعادلة الصعبة التي تعيش كل امرأة عاملة تحدياتها، كانت وستبقى أحد أبرز المسائل الحساسة في بلداننا العربية.

كيف سأوفّق بين عملي والأمومة؟ سؤال لم يغب يوماً عن بال الشابة المصرية أسماء، سواء قبل زواجها أو بعده منذ أشهر. تعيد طرحه على نفسها ومع زوجها وصديقاتها، في كل دردشة تتناول شؤون المستقبل القريب أو البعيد. تتحدث وهي تعي تماماً صعوبة الأمر.

"على كل امرأة أن تحبّ نفسها"

المدوّنة أسماء إسماعيل ترى أن كل امرأة تعيش في حياتها مراحل مختلفة، مرحلة الدراسة، مرحلة العمل، مرحلة الزواج، مرحلة الأمومة. "كل مرحلة من هذه لنا الحق في أن نعيشها كما ينبغي".

وتتابع في حديثها لـTRT عربي، بأنها لا تجد مشكلة في التخلي عن طموحها المهني الآن وخوض تجربة الأمومة ما دام القرار ستتخذه بكامل إرادتها، على اعتبار أنها مرحلة جديدة ستعيشها كما تحب حسب قولها.

"لن أنهي طموحي وعملي تماماً وللأبد، لكن ستكون مرحلة أمومة، وهذا يعني أني سأعطي هذه المرحلة حقّها مثلما أعطيت مرحلة الدراسة والعمل والطموح حقّها في السابق".

وتؤكد أسماء أنه في العصر الحالي الصعب الذي نعيشه "فكرة وجود عائلة أمر مهم جداً، لأنه مهما كان الإنسان ناجحاً، فإن عدم وجود أسرة له صعب للغاية".

وعن رأيها في المرأة التي تتخلى عن طموحها وحياتها المهنية وتكرّس حياتها للأمومة، تقول أسماء بأنها ضد تكريس المرأة لأمر واحد فقط "يجب أن يكون في حياتها توازن، أحترم قرار أي امرأة، ولكن لا أرى أن إنجابها يعني إنهاء حياتها المهنية بشكل كامل ولا العكس أيضاً، فلا أرى أن إزالة فكرة الإنجاب من حسبانها أمراً صحيحاً".

"على كل امرأة أن تحب نفسها وتقوم بما يُشعرها بنفسها، وبتقديرها لذاتها وشخصيتها. وإذا فعلت غير ذلك فستندم على ذلك، لا سيما بعدما يكبر الأطفال ويبدأون مشوار حياتهم".

"أترك كل شيء.. إلا ابني"

أما الشابة اللبنانية المتزوجة آية شهاب، فتتحدث عن صعوبة التوفيق بين الأمومة والعمل، وكيف أنها اضطرت إلى التخلي عن عملها وحريتها وحياتها حتى قبل ولادة طفلها "حمزة".

"كانت فترة الحمل صعبة جداً، وخطرة أيضاً في الوقت نفسه. أُجبرتُ لأشهر طويلة على البقاء نائمة في السرير حتى فترة الإنجاب".

"لم يكن قرار الإنجاب وارداً في بالي أو بال زوجي بتاتاً بعد زواجنا، وكنا قد أجّلنا الفكرة، لكن ومع ذلك حملْت وكان علينا مواجهة هذا الواقع".

وتوضح آية كيف حاولت الإبقاء جاهدة على عملها مع شركة المبيعات من المنزل طوال فترة الحمل. أما بعد الولادة، ولأنها كانت ترفض أن تترك طفلها وتذهب للعمل، قررت أن تأخذه معها إلى الشركة.

لكن مع الوقت القليل، اكتشفت أن القرار لم يكن مناسباً لكليهما، فتركت العمل مجدداً وقررت تأسيس عملها الخاص أونلاين.

وتتابع شهاب في حديثها لـTRT عربي، أنه بعد سفرها من لبنان وانتقالها مع زوجها للعمل في الخارج، لم تتخلَّ عن حلمها في العمل مجدداً.

"بعد السفر، بقي حلم العمل برأسي، أنا إنسانة أترك كل شيء من أجل العمل، لكن لا أترك ابني".

اليوم، نجحت آية في البدء بمشروع Baby AZ، وهو متجر إلكتروني، يُعنى بكل حاجيات الأطفال، تُصدّر منه البضاعة إلى الخارج.

"حلمي أن أترك أثراً في مجال مبيعات حاجيات الأطفال، ما هو مهم وغير مهم للأطفال، وأن أساعد الأمهات اللواتي لا يعلمن ما عليهنّ أن يشترين وكيف يمكنهن أن يوفّرن ويحصلن على الأفضل والأرخص لأطفالهن".

على الرغم من أن قرار الإنجاب لم يكن في حسبان آية، لكنها لا تندم اليوم أبداً على شعور الأمومة الذي تعيشه مع طفلها.

"الزواج لا يعني الإنجاب"

الشابة السورية سناء سلام لا تفكّر في الإنجاب بتاتاً. وتوضح في حديثها لـTRT عربي أنها اتخذت القرار مع زوجها قبل زواجهما قبل سنة.

حلمها أن تصبح مذيعة كان ولا يزال الهدف الرئيسي الذي تسعى لتحقيقه، "أعمل جاهدة على تطوير نفسي، والإلمام بكل القضايا المحيطة في عالمنا العربي حتى لو لم تكن الفرص كبيرة الآن".

وتتابع: "كان إثباتي لذاتي هو ما أطمح إليه، لذا حاولت قبل الزواج إقناع زوجي بالأمر، فاقتنع معي بصعوبة، مشترطاً أن نعيد التفكير به بعد مضيّ 5 سنوات".

وتقول سناء بأن الزواج لا يعني الإنجاب. "لا أؤمن بمقولة أن ما يديم الزواج هو الأطفال، فبوجود الأطفال أو عدمهم، يستمر الزواج إن كان الطرفان سعيدين ومتفاهميْن".

"كيف أحقق طموح طفلي إن لم أحقق حلمي اليوم؟"

أما الشابة المغربية شيرين الحبنوني، بالنسبة إليها مسألة الطموح وتحقيق الذات هي خط أحمر.

الحبنوني، الصحافية والإعلامية الناجحة، تقول في حديثها لـTRT عربي: "من الصعب حتى أن أتخيل نفسي أتخلى عن حلم اشتغلت عليه سنوات من عمري، درست، وتعبت، لأكون ما أريد أن أكون".

وتتابع: "موضوع الأمومة جميل وترغب في خوض التجربة أي أنثى، لكن بعد تحقيق ذاتها فهذه المرحلة تتطلب مجهوداً كبيراً ووقتاً طويلاً لبناء جيل حقيقي يُعتمد عليه".

وترى شيرين أن المسألة ليست في الحمل والإنجاب أبداً، فتوجد مرحلة أخرى تتطلب مجهوداً مضاعفاً وتركيزاً قوياً، وهي مرحلة ما بعد الإنجاب، أي التربية.

"مسألة الإنجاب بالنسبة إليّ موضوع مؤجل، شخصياً لست مؤمنة بمقولة: ''الطفل يأتي برزقه''؛ نحن في مجتمع صعب، كل شيء موجود فيه يجب أن يكون محسوباً لضمان مستقبل وأمن لكليكما".

وتتابع: "لا أظن أني أستطيع تحقيق طموح طفلي يوماً إن لم أحقق طموحي اليوم".

أما بالنسبة إلى من تتخلى عن طموحها وحلمها لتعيش مرحلة الأمومة، فتقول شيرين: "هي مسألة اختيار وأولويات. توجد من ترى في الزواج والإنجاب حلماً يراودها منذ الطفولة وأعرف منهن الكثير، وتوجد العكس".

"لا تشعر المرأة بالاستقرار ولا بالأمان"

إن دخول المرأة مجالات العمل ساعد على استقلاليتها من الناحية الاقتصادية، لكن هذه الاستقلالية بقيت تواجه صعوبات ضخمة أهمها التصور العام لدى غالبية أفراد المجتمع بعدم ضرورة عمل المرأة خارج حدود أسرتها.

إلا أن الازدهار الاقتصادي الهائل بعد الحرب العالمية الثانية ساعد المرأة على التحرر أكثر فأكثر. وهذا الازدهار مكّن المرأة من تعزيز استقلاليتها الاقتصادية ومن رفع ثقتها بنفسها.

لكن على الرغم من هذا النجاح الذي حققته المرأة بقدرتها على ممارسة مهنتها وبتحقيق بعض أهدافها الشخصية، لا تزال مصاعب كثيرة تواجهها داخل الأسرة وداخل سوق العمل أيضاً، لأن الأجور لا تزال حتى الآن غير متساوية بينها وبين الرجل في كثير من القطاعات، على الرغم من أن الوظائف التي يقوم بها الرجل والمرأة هي ذاتها.

من هنا بدأت المشكلة، وفق ما تشرح دكتورة علم النفس في جامعة القدّيس يوسف في العاصمة اللبنانية بيروت سعاد السيد.

وتوضح في حديثها لـTRT عربي أن هذا التمييز هو ما يدفع المرأة للتفكير أكثر في المعادلة الصعبة: الأمومة أم العمل؟

"لا تشعر المرأة بالاستقرار ولا بالأمان. لأننا اليوم في زمن تعيش فيه المرأة كل أنواع العنف. ولا تجد إلا عملها سلاحاً وحيداً يبقيها مستقلة قوية حتى لو كانت متزوجة".

وتتابع: "التوفيق بين الأمومة والعمل ليس بالأمر السهل، لا سيما أن معظم الرجال في دولنا العربية لا يرون في تقاسم الأدوار مع المرأة داخل المنزل أمراً مقبولاً. وإن حدث فهو نادر للغاية".

"كيف لا يرون أن تفكيرها في إثبات نفسها والحفاظ على وظيفتها ومهنتها أمراً ضرورياً، في الوقت الذي نشهد فيه جرائم وحالات عنف وطلاق كثيرة".

وتؤكد أن اختيار المرأة خوض تجربة الأمومة لا يعني تخلّيها عن مهنتها إلا كان ذلك محض قرارها الشخصي.

ترى شيرين أن المسألة ليست في الحمل والإنجاب أبدا، فهناك مرحلة أخرى تتطلب مجهوداً مضاعفاً وتركيزاً قوياً (TRT Arabi)
المدوّنة أسماء إسماعيل، ترى أن كل امرأة تعيش في حياتها مراحل مختلفة، مرحلة الدراسة، مرحلة العمل، مرحلة الزواج، مرحلة الأمومة (TRT Arabi)
اضطرت الشابة اللبنانية آية شهاب للتخلي عن عملها وحريتها وحياتها حتى ما قبل ولادة طفلها حمزة (TRT Arabi)
الشابة المغربية شيرين الحبنوني، بالنسبة لها مسألة الطموح وتحقيق الذات هي خط أحمر (TRT Arabi)
نجحت آية في البدء بمشروع Baby AZ، وهو متجر إلكتروني، يُعنى بكل حاجيات الأطفال (TRT Arabi)
TRT عربي