تابعنا
هل ترتبط الإسلاموفوبيا بقضايا الإرهاب الحديثة العهد، أم أنّها نتاج تاريخٍ طويلٍ من الصراع بين العالمين الإسلامي والغربي؟ كيف يؤثر "العداء للإسلام" على حياة المسلمين في الغرب؟ وكيف تستفيد البلدان الغربية من الإسلاموفوبيا سياسياً؟

بالرّغم من كونه موضوعاً شائكا، لارتباطه بقضايا معقّدة كالإرهاب، إلّا أنّ الكثير من المسلمين في البُلدان الغربية يشتكون من الإسلاموفوبيا، من العنصرية، ومن الأفكار النمطية والأحكام المسبقة المُعادية للإسلام. مردُّ ذلكَ، بالنّسبة إليهم، التصوّرُ الخاطئ الذي يحمله الغربُ عن الإسلام والمسلمين.

هل الإسلاموفوبيا سببٌ للإرهاب أم نتيجةٌ له؟ سؤالٌ جوابُه معقّدٌ كذلك. لكنّ ما هو مؤكّد، بالنّسبة للمسلمين في الغرب، هو أنّها موجودة، وجعلتهم يعيشون ظروفاً صعبة وإقصاءً اجتماعياً كبيراً، بل إنّها أدّت إلى ضرب الكثير من المكتسبات الحقوقية للبلدان الغربية أيضاً.

تعني الإسلاموفوبيا، حرفياً، رهابَ الإسلام، أي الخوف المرضي وغير المبرّر من الإسلام. وهو خوفٌ قائمٌ على مجموعةٍ من الأفكار المسبقة التي تعتبر هذا الدين قائماً على العنف، وتربطُ المسلمين بالإرهاب.

وإذا كان الكثيرون يعتبرون أنّ الإسلاموفوبيا مرتبطةٌ ارتباطاً شديداً بقضايا الإرهاب الحديثة العهد، إلّا أنّ مفكّرين غربيين ومتخصّصين في الأنتروبولوجيا يرون أنّ "العداء للإسلام" أقدمُ بكثير من ذلك، وأنّ جذوره ترجعُ إلى أكثر من مائة عام، قبل أن تُستعمل في وسائل الإعلام الغربية في نهاية القرن العشرين، وتدخل مرحلةً جديدة مع أحداث 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية.

بداياتٌ بنفَسٍ استعماري...

ظهر مُصطلح "الإسلاموفوبيا" أوّل مرّة عند المفكّرين وعُلماء الاجتماع الفرنسيين خلال زمن الاستعمار الفرنسي لمجموعةٍ من البلدان المسلمة. بتعبيرٍ أدقّ، يعود هذا المصطلح إلى زمن الأنتروبولوجيا الكولونيالية الفرنسية في بداية القرن العشرين.

كان ذلك عام 1910، حين أصدر المفكّر الفرنسي آلان كيليان Alain Quellien كتابه "السّياسة المسلمة في أفريقيا الغربية الفرنسية". وبين ثنايا الكتاب، عرّفَ الإسلاموفوبيا بكونها حكماً مسبقاً ضدّ الإسلام، حكماً منتشراً عند شعوب الحضارة الغربية والمسيحية.

يقول "بالنسبة لبعض المسيحيين والأوروبيين، المُسلم هو العدوّ الطبيعي، العدوّ غير القابل للنّقاش والمساومة. أن تكون مسلماً، بالنسبة إليهم، هو أن تُنفي الحضارة، وأن تكون تابعاً لدين محمّد لا يعني شيئاً سوى الوحشية والقساوة والنية السيئة".

في نفس السّنة، استعمل الفرنسي المتخصّص في الإسلام موريس دولافوس Maurice Delafosse، نفس المصطلح في دراسته المتعلّقة بمسلمي أفريقيا جنوب الصحراء، كنوعٍ من الدّفاع عن هؤلاء. واعتبر أنّ "الحالة الرّوحية لمسلمي أفريقيا الغربية لا تتعارض مع الحضارة الأوروبية نهائياً، بالرغم من كلّ ما يُقال اليوم عن الإسلام".

ويوضّح دولافوس "ليس هناك أيّ شيءٍ تخافُ منه فرنسا عند مسلمي أفريقيا، وليس هناك أيّ سببٍ كي تكون هناك إسلاموفوبيا من ساكنة هذه الرّقعة من العالم".

في هذا السّياق، يعتبر الكاتب والمفكّر المغربي حسن أوريد أنّ "شعوراً مستتراً بالعداء للإسلام كان موجوداً في الغرب منذ فترة التوسع الاستعماري الأوروبي لعدد من البلدان الإسلامية"، موضّحا في تصريحه لـTRT عربي أنّ "هذا الشعور كان قائماً على اعتبار أنّ الثقافة الإسلامية ثقافةٌ قدَرية وقائمة على الخُرافات".

ويُرجع بعضُ علماء الاجتماع والسّياسة ازدهارَ مفهوم الإسلاموفوبيا مع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، إذ روّج له حاملو المرجعيات الدينية الشيعية المحافظة، التي اتهمت بمعاداة الإسلام كلّ من يُعارض فرض الحجاب في الأماكن العامة بالبلد.

العالم الإسلامي.. احتقار وخوف

بالنّسبة للكثير من المفكّرين وعُلماء الاجتماع، للإسلاموفوبيا جذورٌ ضاربةٌ في التاريخ. يعتبر هؤلاء أنّ العداء للإسلام وُلِد من رحم الصّراع الكبير والأزلي بين العالمين المسيحي والمُسلم. وهو صِراعٌ وُجد منذ أوّل تصادُمٍ بين المسلمين والمسيحيين خلال الفتح العربي الإسلامي لجنوب أوروبا، ثمّ خلال الحملات الصّليبية في الشّرق، وبعدها أثناء التوسّع الاستعماري الأوروبي في المجتمعات العربية والإسلامية.

في هذا السّياق، ربَطَ المفكّر الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد بين هذا التصادم بين الحضارتين المسيحية والمسلمة والخوف من الإسلام.

يقول في كتابه "الاستشراق، الشّرق الذي خلقه الغرب": "طيلة فترةٍ طويلة من تاريخ أوروبا كان الشرق العربي المسلم هو الوحيد الذي يمثّل تحدّياً كبيراً لها. وطيلة هذه الفترة، كانت فكرةُ الشرق في ذهن الغرب تتأرجحُ بين الاحتقار والخوف".

"الإسلاموفوبيا.. شرّ ممتدّ لأكثر من مائة عام" هو مقال للمؤرّخ الفرنسي آلان روسيو Alain Ruscio، نُشر عام 2016، ويتناول الجذور الحقيقية لرهاب الإسلام.

يؤكد روسيو أنّ الإسلاموفوبيا "عداء ممنهجٌ ضدّ الإسلام، موصومٌ في الفكر الغربي بنفسٍ مسيحي، ظهر جلياً في روح الحملات الصليبية، وازدهر خلال التوسّع الاستعماري الأوروبي في الشرق، قبل أن يعود ليبسط نفوذه أخيراً في مسألة "الحرب ضدّ الإرهاب".

من جهته، اختزل الفيلسوف الفرنسي إرنست رونان Ernest Renan عقليةَ جيلٍ كاملٍ كان ينظرُ إلى الإسلام بطريقةٍ عدائية، حين قال في كتابه "الإصلاح الفكري والأخلاقي" الصادر عام1871: "الإسلام هو النّفي التامّ لأوروبا، هو ازدراء العِلم، هو محو المجتمع المتحضّر، هو تضييق العقل الإنساني وتجنيبه كلّ فكرةٍ دقيقة وشعورٍ جيّد وبحثٍ عقلاني".

11 سبتمبر.. ولادة الإسلاموفوبيا

في بداية الألفية الثالثة، دخلت الإسلاموفوبيا مرحلةً جديدةً من تاريخها. فإثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر من عام2001 بالولايات المتحدة الأمريكية، روّج الكثير من المفكّرين الغربيين لفكرة "الخطر الإسلامي". بعد ذلك بفترة قصيرة، دخل المُصطلح إلى المعاجم الفرنسية، وعُرّف بكونه "شكلاً خاصّاً من الحقد الموجّه ضد المسلمين، يتجلى في أفعالٍ ومشاعر عدائية ضد المهاجرين المنحدرين من أصول مغاربية".

في هذا السياق، يرى المفكّر المغربي حسن أوريد أنّه "لا يمكن الحديث عن إسلاموفوبيا قبل أحداث11 سبتمبر، إذ بعدها مباشرةً صدرت كتاباتٌ تتهجّم مباشرةً على الإسلام، وتعتبر أنّ الإسلام هو العدو، سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة".

من هذه الكتابات "السعار والفخار" للصحفية الإيطالية أوريانا فالاشي، الذي يحذّر الغربيين من الإسلام، ويدعوهم إلى تدارك أمورهم قبل أن يعمّ الإسلام أوروبا، ويستعمرها عن طريق التزاوج والهجرة.

كان لذلك نتائجُ سلبية على المسلمين في أوروبا. ففي السّابع من ماي من عام 2002، وقعت حادثةٌ رهيبة في بروكسيل ببلجيكا، إذ اقتحم أحدُ مناصري اليمين المتطرّف البلجيكي شقة عائلةٍ مغربية ببروكسل، وقتل أصحابها قبل أن يُضرم فيها النّار ويهرب. هكذا بدأ يتمظهر الرّهاب الصّادر من مناصري اليمين المتطرّف: إبادة كلّ ما هو مسلم.

ومؤخّراً، أعادت حادثةُ مسجد نيوزيلاندا إلى الأذهان موضوع الإسلاموفوبيا، وكسّرت، في نفس الوقت، الفكرة النمطية التي تربط الإرهاب بالإسلام، باعتبار الشخصُ الذي قام بهذا الهجوم الإرهابي، الذي راح ضحيته العشراتُ من الأبرياء، كان مسيحياً.

دوافعُ هذا الهجوم الإرهابي كانت واضحة، عبّر عنها منفّذه، واختصرها في عدائه للإسلام والمسلمين.

يُفسّر حسام شاكر، متخصّص في قضايا الإسلاموفوبيا في أوروبا، ردود الأفعال العدائية هذه بكونها "تمثّل أجندة مخاوف مجتمعية لدى فئات تحمل نزعات إيديولوجية وقراءة تاريخانية معينة عن الإسلام والمسلمين".

شارلي إيبدو... الإسلام والإرهاب

ستدخل الإسلاموفوبيا مرحلةً جديدة مع الهجوم الإرهابي الذي شهدته صحيفة "شارلي إيبدو" في السّابع من يناير عام 2015 بباريس.

في هذا الإطار، يؤكد حسن أوريد أنّ "هذه الهجمات أدّت إلى تحوّلٍ في العلاقة مع الآخر، ذلك الآخر الذي لم يعُد هو المهاجر بغضّ النظر عن أصوله وعقيدته، بل هو المسلم".

ويفسّر أوريد لـTRT عربي أنّ هذا التحوّل ناتجٌ عن خطابٍ سياسي، وبالأخصّ لدى اليمين "لا يتوانى عن استعداء الإسلام، فهناك الذين يميّزون بين الإسلام والحركات الإسلامية والتطرّف، وهناك من لا يميّزون بين هذه الوحداث الثلاث، بل يعتبرون بأنّ الإسلام هو المادّة التي تغذّي الحركات الإسلامية، وأنّ هذه الأخيرة هي التي تفضي إلى الإرهاب، أو الإسلام المتشدّد".

"صناعة الإسلاموفوبيا"

يرى باحثون ومتخصصون في قضايا الإسلاموفوبيا، أنّ هذه الأخيرة هي نزعةٌ عامّة قائمة في المجتمعات الغربية، لكنّها أيضاً صناعة بحدّ ذاتها. إذ هناك جهودٌ دؤوبة تفتعل هذه النزعة وتُذكيها، لأغراضٍ سياسية.

بالنّسبة لحسام شاكر، فإنّ "صنّاع القرار في بعض الدول الأوروبية يستخدمون التخويف من الإسلام من أجل تمرير مصالح سياسية معينة".

ويشرح شاكر في تصريحه لـTRT عربي أنّ "الرئيس الفرنسي السابق هولاند استفاد من موضوع الإسلاموفوبيا، لتهميش النقاش المجتمعي حول الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالبلد، وكان واضحاً أنّ هذا التهميش أدّى إلى تراكماتٍ انفجرت مؤخراً مع حراك السترات الصفراء".

لكنْ، ما علاقةُ ملفّ السترات الصفراء بالإسلاموفوبيا؟ يُجيب شاكر "استعمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبارة "الإسلام السياسي" في تعامله مع الحراك، ومع القلق الاجتماعي في بلده، وذلك لتوجيه بلده بعيداً عن المساءلة الاقتصادية والاجتماعية وللسياسات المحلّية".

إقصاء المسلمين؟

أدّت الإسلاموفوبيا في الكثير من البلدان الغربية، بالنسبة للكثير من المتخصصين في قضاياها، إلى نتائج تتناقض تماماً مع القيم والمكتسبات الحقوقية التي حقّقتها هذه المجتمعات على مدى سنواتٍ طويلة.

حسب حسام شاكر، فإنّ الإسلاموفوبيا أدّت إلى تأجيج النزعات الطبقية التي ترفض التنوّع الثقافي والمجتمعي. يوضّح "هي نزعات تقليدية محافظة تعيد إنتاج الفجوات الطبقية القديمة في أوروبا، بحيث أصبح المسلمون في بعض البيئات الأوروبية ورثَة البروليتاريا والطبقة الكادحة التي تشعر بالتهميش والإقصاء".

من جهته، يرى حسن أوريد أنّ "الإسلاموفوبيا تتخذ أشكالاً عدّة، من أهمّها التمايز الاجتماعي، أي غياب علاقات اجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين في أوروبا. فالمسلمون يعيشون في أحياء هامشية، ويعانون من إجراءاتٍ صارمة من حيث الإدارة أو الحصول على الشغل أو غيرها... "

وبالرّغم من أنّ الكثيرين يعتبرون أنّ للمسلمين دوراً في عداء الغرب لهم ولدينهم، عداءٌ يُبرّر أحياناً بالإرهاب، وأحياناً أخرى بالتشدّد الديني، لكنّ المؤكّد أنّ الإسلاموفوبيا لن تصبّ في مصلحة الدول الغربية ولا نظيرتها المسلمة في علاقتها بالغرب. المفكّرون يحذّرون من الإجراءات الأمنية الصّرفة، ويقترحون كحلٍّ مناقشةَ مشاكل الهجرة والعلاقة مع الإسلام، ومدّ جسور المعرفة والتفهّم.

يُرجع بعضُ علماء الاجتماع والسّياسة ازدهارَ مفهوم الإسلاموفوبيا مع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.  (AP)
وقفة للتضامن مع ضحايا الهجوم على صحيفة شارلي إيبدو بباريس، 2015 (AP)
عائلات ضحايا الحادث الإرهابي بمسجد كريستشورش بنيوزيلاندا. 21 مارس 2019 (AP)
رفعت شعارات ضد الإسلاموفوبيا والعنصرية في احتجاجات السترات الصفر بباريس، فرنسا، فبراير 2019 (AP)
TRT عربي
الأكثر تداولاً