تابعنا
يأخذ العنف الجنسي ضد الأطفال في العالم العربي أشكالاً مختلفة، ويمكن أن يحدث في المنازل والمدارس والشوارع وغيرها، فلا مكان آمن للأطفال ولا رادع يردع المتربصين بهم.

صُدم المغاربة قبل أسبوعين بجريمة بشعة راح ضحيتها طفل في الحادية عشرة من عمره، وكان عدنان اختفى من منزله لمدة أسبوع، قبل أن تكشف التحقيقات أن شابّاً استدرجه إلى بيته واعتدى عليه جنسياً قبل أن يقتله ويعمد إلى دفنه في محيط سكنه.

وفي السودان اخترقت صرخات والد الطفلة زينب جدران الصمت وهو يعلن أمام الكاميرات في وقفة احتجاجية أن طفلته "نظيفة"، كانت الصرخة ممزوجة بحرقة وغضب لتعرض ابنته ذات السنوات العشر لاغتصاب متكرر من 14 فرداً في واقعة تجاوز صداها حدود السودان إلى باقي الآفاق.

يأخذ العنف الجنسي ضد الأطفال في العالم العربي أشكالاً مختلفة، ويمكن أن يحدث في المنازل والمدارس والشوارع وغيرها، فلا مكان آمن للأطفال ولا رادع يردع المتربصين بهم.

وتختلف العقوبات التي تُصدِرها المحاكم في مختلف الدول العربية بحق المعتدين جنسياً على الأطفال، وتتراوح بين السجن سنة، والمؤبد، وأحياناً تصل العقوبة إلى الإعدام.

جبل الجليد

لا تكشف أرقام معلنة حجم انتشار الظاهرة في العالم العربي، غير أن إحصاءات محلية في عدد من الدول تعطي لمحة عن حجمها، ففي المغرب نقلت وسائل إعلام محلية عن رئاسة النيابة العامة تسجيل أزيد من 2800 حالة اعتداء جنسي على الأطفال العام الماضي أغلبها مصحوب بالعنف، وفي تونس كشف تقرير رسمي حديث تعرض 1149 طفلاً للعنف الجنسي بأنواعه سنة 2019، أما في البحرين فتشير الإحصائيات إلى وقوع 333 حالة تحرش جنسي بالأطفال عام 2017...

هذه الأرقام ليست سوى الجزء البارز من جبل الجليد حسب المدافعة السورية عن حقوق الإنسان علياء المصطفى، فكثير من الأهالي أو الضحايا لا يُبلِغون لأسباب مختلفة ويُتكتَّم على هذه القضايا وتُقبَر داخل المحيط الأسري.

وتقول علياء لـTRT عربي، إن الدولة مسؤولة إلى حد كبير عما يقع للأطفال، مضيفة أن القوانين الحمائية في الدول العربية ليست واضحة أو قوية بما فيه الكفاية، كما أن الثغرات القانونية التي يستفيد منها المتحرشون ومنتهكو الأطفال كثيرة.

ولفتت المتحدثة إلى أن الأحكام القضائية الصادرة في قضايا الانتهاكات الجنسية للأطفال لا تعكس جدية في تناول الظاهرة، إضافةً إلى الميل الجماعي لإنكارها، وإخفاء الحقائق لتعزيز صورة غير حقيقية حول مجتمعاتنا الأخلاقية والمتدينة.

عقاب بديل

تحذّر الجمعيات الحقوقية بالمغرب من تنامي حوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال، وتستنكر ما تسميه تساهل القضاء بأحكامه المخففة في حق المتورطين في هذه الجرائم مما يساعد، حسب هذه الجمعيات، في انتشارها.

اقرأ أيضاً:

غير أن المحامي خالد الإدريسي يرى من واقع ممارسته المهنية أن القضاء المغربي لا يتسامح حينما يكون ضحية الاغتصاب وهتك العرض قاصراً، وتكون العقوبات مشددة ومغلظة في هذه القضايا.

ويعاقب القانون الجنائي المغربي بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات في حق منتهكي عرض الأطفال أقل من 18 سنة، ومن عشر سنوات إلى عشرين سنة إذا كان هتك عرض أو اغتصاب القاصر مقروناً بالعنف أو بوجود ظروف تشديد أخرى كأن يكون المتهم من أصول أو أقارب الضحية.

بيد أن الإدريسي يؤكد لـTRT عربي ضرورة إقرار آليات أخرى للعقاب تكون بديلاً من العقوبات السجنية لردع المعتدين جنسياً على الأطفال، كتطبيق آلية الإخصاء التي أظهرت حسب قوله نتائج واعدة في بعض الدول.

مقاربات أخرى

"كثير من الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال لا يصل إلى المحاكم" يقول المحامي خالد الإدريسي، ففي نظره يختار بعض الأسر الصمت تفادياً للفضيحة وللوصم الاجتماعي، لا سيما إذا كان الفاعل من الأصول أو أقارب الضحية، فيما يستغل الجناة فقر الضحايا ويقدّمون أموالاً مقابل عدم التبليغ أو التنازل عن الشكوى.

وفي بعض الدول العربية ما زالت القوانين تبرّئ المعتدي إذا تزوج بضحيته القاصر، وهو الخيار الذي يلجأ إليه عدد من الأسر كرهاً للحفاظ على سمعتها و"شرفها".

وتضيف علياء المصطفى أن كثيراً من الأهالي لا يثق بالأحكام القضائية وبالإجراءات القانونية، فيسعون للانتقام وأخذ حقهم "بشرع اليد".

لذلك لن تعالَج الظاهرة بالمقاربة القانونية فقط وفق الإدريسي، بل ينبغي التركيز أيضاً على المقاربة الوقائية وخلق آليات لدعم الأسر المشتكية وحمايتها من الابتزاز والضغوط ومواكبتها نفسياً واجتماعياً.

أما علياء فتؤكد الحاجة إلى مؤسسات مدنية وحقوقية تنشر الوعي بحقوق الطفل وطبيعة الانتهاكات التي قد يتعرض لها، والمسار الذي ينبغي اتباعه في حال الوقوع ضحية اعتداء جنسي، إلى جانب إطلاق حملات واسعة إعلامية وثقافية وحقوقية واتخاذ إجراءات قانونية وقضائية أكثر شدة بحق المتحرشين.

التربية والتدريب أولاً

تعرضت الطفلة السودانية زينب ياسر لاغتصاب جماعي وصمتت لأنها، كما قال والدها، تعرضت للتهديد والتخويف من عائلة مغتصبها، لذلك تدعو علياء المصطفى المؤسسات التربوية للعمل على تربية الطفل وتدريبه على حماية نفسه قبل أي اعتداء أو انتهاك وبعده.

تقول إن الطفل في الثقافة العربية يُنظر إليه على أنه ملك للأسرة والمجتمع، ويكبر غالباً في بيئة لا تعزّز شخصيته المستقلة وثقته بنفسه، لذلك يكون فريسة سهلة للمعتدين جنسياً من الكبار سواء أقاربه والغرباء عنه، فيخاف من تهديداتهم ويمتثل لنزواتهم، وقد يعتبر نفسه في كثير من الحالات مذنباً.

ودعت الباحثة إلى تغيير المناهج والأساليب التربوية في المدارس وداخل الأسر بما يجعل الطفل قادراً على قول "لا" ومعرفة حدود الاقتراب من جسده والتبليغ عن أي مس بحميميته، كما أكدت أهمية التربية الجنسية في المجتمعات العربية ووضعها في إطارها القانوني والعلمي للإجابة عن أسئلة الطفل حول جسده.

لا تكشف أرقام معلنة حجم انتشار ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال في العالم العربي، غير أن إحصاءات محلية في عدد من الدول تعطي لمحة عن حجمها (Getty Images)
TRT عربي