الانتصار أحيا بضاعتهم.. كيف وفّر إنجاز المنتخب مصدر رزق لعدد من المغاربة؟ / صورة: TRT Arabi (TRT Arabi)
تابعنا

منذ انتصاره على المنتخب البلجيكي، برسم الجولة الثانية من دور مجموعات مونديال قطر، دأب أسود الأطلس على إخراج المغاربة إلى الشوارع بعد كل مباراة، احتفالاً باانجاز التاريخي وغير المسبوق لمنتخبهم، بتخطيه عقبات أدوار الثُّمن والربع وبلوغه الدور نصف النهائي الذي سيقابل فيه نظيره الفرنسي.

تزامناً مع هذا، سادت حمى ابتياع وسائل التشجيع الأسواق المغربية، وأصبحت تمثل تجارة خاصة أصبح يشتغل بها الباعة المتجولون والتجار البسطاء، الذين ضجَّت فرشاتهم وحوانيتهم الصغيرة برايات وطنية للبيع، كما بألبسة المنتخب وقبعات حمراء تتوسطها نجمة خماسية.

ويعتبر هؤلاء الباعة المناسبة شرط لموسم يبدأ رائجاً، كما يراهنون على أن تغطي مداخيلها مصاريفهم أيام الركود. وهكذا أصبحت انتصارات أسود الأطلس في قطر، لا فقط مبعث فرح لعموم الشعب المغربي، بل مصدر رزق لشريحة معتبرة منهم.

حمى تشجيع المنتخب

الزمن: ساعات قليلة قبل انطلاق مباراة المغرب ضد فرنسا. المكان: مدينة وجدة المغربية. الزحام خانق داخل ممرات المركب التجاري "سوق طنجة"، وفي مداخله، حيث صُفَّت فرشات مملوءة بالرايات الوطنية المغربية، ألبسة المنتخب وأكسسوارات أخرى تستخدم في التشجيع، أشبه بكرنفال تيمته الرئيسية اللون الأحمر والنجوم الخضراء المرافقة له.

الإقبال على اقتناء هذه المنتجات جنوني، بحسب مشاهدات TRT عربي، تزامناً مع كل انتصار يحققه أسود الأطلس في مونديال قطر. ونقلاً عن عدد من التجار فإن السلع ما تلبث يومين اثنين بعد عرضها، حتى يتوجب على التاجر اقتناء شحنة جديدة، من مصانع النسيج في الدار البيضاء وطنجة.

في أحد المحلات التي عاينتها TRT عربي، نفذت المقاسات المتوسطة والكبيرة من جل ألبسة المنتخب، قبل أن يعد صاحبه بوصول شحنة جديدة منها في الغد. وحسب ما ذكره التاجر، فإن الطلب فاق العرض للإقبال الذي الكبير على هذه المنتوجات، "حتى في المصدر، فنظراً للضغط، أصبح باعة الجملة بالدار البيضاء لا يعيرونك أي اهتمام إذا طلبت منهم شحنات أقل من 100 أو 200 قطعة".

وفي المتجر ذاته، كانت أم ومعها ابنها الصغير، في عمر الست أو السبع سنوات، يقيس بفرح كنزة حمراء على ظهرها كُتب اسم اللاعب حكيم زياش ورقم 7. تقول الأم متحدثة عن ابنها: "لقد أزعجني بطلباته المتكررة كي أبتاع له لباس المنتخب المغربي، أنت تعرف الأطفال، كل أقرانه في المدرسة ابتاعوا كسوة المنتخب فعليه هو أيضاً أن يحظى بواحدة".

في خارج المركز التجاري، ترج أصداء وسط المدينة المغربية الحدودية صيحات الباعة: "لعْلامات.. لعْلامات!". باعة شبه متجولين ينتشرون في محيط المركب، يبيعون رايات وطنية بكل الأشكال والأحجام، أغلبهم يحمل لفائف قماش أحمر طبعت عليها النجوم الخماسية، يقطعون بحجم الراية ويبيعون. هذا إضافة إلى قبعات ومزامير "فوفوزيلا"، ومعدات أخرى للتشجيع.

لا يختلف الإقبال على هؤلاء الباعة عن نظيره على المتاجر، حيث يتحلق حولهم المارة ولا يغادرون إلا وهم حاملين راية وطنية. وهو ما أكده أحد هؤلاء الباعة قائلاً: "هناك رواج والحمد لله، الناس فرحون ويشترون، والبركة الحمد لله موجودة".

ووفقاً لمريم راشدي، مديرة "القطب التنافسي للأزياء والموضة"، وهي هيئة مغربية مشتركة بين القطاع الخاص والعام، في حديثها لـTRT عربي، فإن: "لعب المنتخب لأي نهائيات يخلق رواجاً كبيراً في الأسواق لبيع الزي الرسمي، ولكن هذه المرة كانت استثنائية، المرور إلى أدوار متقدمة (من المونديال) زاد من الإقبال على اقتناء هذه الأزياء إضافة إلى الأعلام الوطنية".

الرواج طال المصانع

فيما لا ينحصر هذا الرواج الحاصل في سوق الألبسة ومعدات تشجيع المنتخب، بل يطال ذلك صناعة النسيج التي انتعشت بدورها بارتفاع الطلب على تلك المنتجات. وهو ما أكدته مديرة "القطب التنافسي للأزياء والموضة"، بقولها: إن "هذا الإقبال كان منتظراً، وتجار الجملة والمصنعين المحليين يعلمون جيداً أن مباريات المنتخب في النهائيات عادة ما تكون مهمة وتشهد إقبالاً كبيراً على اقتناء الأزياء والأعلام، لكن هذه المرة كانت استثنائية بالنظر الى الإنجاز الكبير الذي حققه المنتخب".

وتضيف المسؤولة المغربية بأن: "هذا الإقبال أدى إلى نفاد المخزون من الأقمشة التي تستعمل في تصنيع المنتجات، مما يجعلنا نلاحظ عرض بعض المنتجات المصنعة من أقمشة غير مناسبة، وفي بعض الأحيان بدون أي معيار للجودة، فحينما يفوق الطلب العرض يصبح المستهلك متعطشاً لشراء أي شيء" .

هذا وتقدر الراشدي أن رقم معاملات بيع ألبسة المنتخب والأعلام، قد يفوق الـ30 أو 40 مليون درهم (2.8 أو 3.8 مليون دولار، بسعر الصرف الحالي)، ذلك خلال الأسابيع الثلاثة الماضية فقط.

غير أن "عدداً كبيراً من هذه المنتجات للأسف لا تفيد الاقتصاد الوطني بشكل مباشر، إذ تنشط أغلب الشركات المصنعة في السوق السوداء، لكن الحالة العامة للاستهلاك بسبب الفرحة الوطنية تؤدي بطبيعة الحال إلى دورة اقتصادية إيجابية جداً، سواء بالنسبة للنسيج أو المنتجات الاستهلاكية الأخرى" وفقاً لما ذكرته المديرة.

كيف وفّر إنجاز المنتخب مصدر رزق لعدد من المغاربة؟

مصطلح "البركة"، الذي أشار إليه البائع في حديثه، هو مصطلح دارج اعتاد المغاربة أن يشيروا به إلى مداخيل تجارتهم. هذه المداخيل التي رفض كل من حدثناه تحديدها، وتمنع أغلبهم مازحاً بأن "الحديث عنها قد يُذهب البركة". وهو ما دفعنا مجبرين إلى أن نسأل باعة الجملة عن الأسعار، ونقارنها بأسعار سوق التقسيط.

سبيلنا إلى معرفة أسعار الجملة مرَّ عبر محمد، وهو تاجر من أبناء المدينة، الذي اتصل بمصادر سلَعِه في الدار البيضاء. وحسب أرقام هذا المصدر، فإن سعر كنزة المنتخب المغربي يتراوح بين 5 و8 دولارات، وقد يصل إلى 14 دولاراً في حال الألبسة الكاملة للمنتخب وغيرها من الألبسة الرياضية الخاصة. بينما يتراوح سعر هذه المنتجات بالتقسيط بين 7 و10 دولارات للكنزة، و25 دولاراً للألبسة الخاصة.

فيما تتراوح أسعار الرايات بالجملة بين نصف دولار و4 دولارات، وتباع تقسيطاً ما بين دولار واحد و10 دولارات. أما أسعار القبعات فما بين دولار ونصف ودولارين، وتباع بالتقسيط ما بين 3 إلى 5 دولارات. وتختلف أسعار هذه السلع حسب جودة المواد الخام المصنعة بها، وحسب التصميم بالنسبة للألبسة الخاصة.

هذا ووفق تقدير مديرة "القطب التنافسي للأزياء والموضة" المغربي، مريم راشدي، فقد "جرت صناعة وتوزيع ما لا يقل عن 2 مليون قميص رياضي مصنوعة محلياً"، أما بالنسبة للأعلام "فمن الصعب إعطاء رقم معين، ولكن شركات الطباعة اشتغلت بإمكانياتها الكاملة في آخر أسبوعين".

TRT عربي