يسعى الكثير من الشبان في غزة للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر قوارب غير آمنة تصل إلى اليونان (Ali Jadallah/AA)
تابعنا

هرباً من الأوضاع الاقتصادية الصعبة في قطاع غزة وانعدام الأمل في الحصول على فرصة عمل في ظل ارتفاع نسبة البطالة، فضّل الشاب الفلسطيني يحيى بربخ (26 عاماً) الهجرة غير الشرعية عبر البحر، وصولاً إلى اليونان ومنها إلى دول أوروبية أخرى.

لكنّ الرياح لم تأتِ كما يشتهى القارب الذي كان يستقله "بربخ" وعشرة فلسطينيين آخرين من سكان القطاع كانوا برفقته، إذ غرق في عرض البحر قبل وصولهم إلى اليونان مساء الجمعة الماضي (5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري).

وحسب "بربخ" فإن الفلسطينيين المهاجرين قضوا ساعتين يصارعون أمواج البحر، يحيطهم الضباب والخوف والمصير المجهول حتّى أنقذت الشرطة التركية ثمانية منهم، في حين فُقدت آثار الثلاثة الباقين.

ولاحقاً أعلن السفير الفلسطيني في أنقرة فايد مصطفى الأحد أن السلطات التركية عثرت على جثمان أحد المفقودين الثلاثة، إذ قضى غريقاً، ويدعى نصر الله الفرّا.

ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا" عن مستشار وزير الخارجية أحمد الديك قوله إن "الجهود متواصلة للعثور على المفقودَين الآخرَين".

ويضيف بربخ: "نحن الآن لدى خفر السواحل التركي وبصحة جيدة بعد أن أنقذونا". وتابع: "المركب انقلب بفعل ارتفاع الموج في البحر، ومكثنا نحو ساعتين حتى جرى إنقاذنا".

ويسعى الكثير من الشبان للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر قوارب غير آمنة تنطلق من بعض الدول الشرق-أوسطية المطلة على البحر المتوسط، وتحاول الوصول إلى اليونان. وفي حالات عديدة تغرق تلك القوارب، ما يؤدي إلى وفاة وفقدان للكثير من المهاجرين.

بعد حادثة الغرق ومن شدة وقع الصدمة على الشاب بربخ أرسل رسالة صوتية عبر تطبيق محادثة من خلال الهاتف إلى والدته يصرخ فيها ويستنجد باكياً.

وقال في الرسالة الصوتية: "يا أمي، معك يحيى، نحن ميتون في البحر. أنا والشباب نغرق ونموت منذ ساعتين. أخذتنا الشرطة، ومن كانوا معي ماتوا".

وصلت هذه الرسالة إلى والدة يحيى وانتشرت بعد ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، ولاقت حالة من التعاطف الشعبي مع ضحايا الحادثة، بخاصة أنهم هربوا من الوضع الصعب داخل قطاع غزة.

وتقول محاسن بربخ والدة يحيى إنها استقبلت التسجيل الصوتي الذي وصل إليها من نجلها، "بصدمة كبيرة".

وتضيف: "لم أستطع أن أتمالك نفسي وفقدت الوعي والسيطرة على نفسي آنذاك"، وفق حديثها إلى وكالة الأناضول.

وتوضح أن نجلها يحيى اضطر إلى الهجرة من قطاع غزة منذ عدة أسابيع مع عدد من أقربائه بحثاً عن لقمة العيش.

واستكملت قائلة: "لو كان سعيداً في بلاده لما ترك زوجته وطفليه وعائلته وغادر، يحيى يجيد عدة مهن، لكن لا يوجد له عمل أو دخل ثابت، يحيى فضَّل الهجرة عبر رحلة محفوفة بالموت، هرباً من هذا الواقع".

أما سوسن بربخ (57 عاماً)، وهي والدة شاب آخر يدعى محمود، كان برفقة يحيى بربخ في رحلة الهجرة عبر البحر، فقد عبرت عن قلقها وخوفها الكبيرين على نجلها البالغ من العمر 23 عاماً، والذي نجا من الحادث.

وأشارت إلى أن ابنها محمود تزوج منذ 5 أشهر فقط وترك زوجته وهي حامل في غزة، وتابعت قائلة: "محمود غادر مُجبراً بحثاً عن لقمة العيش، بعدما تعذّر عليه توفيرها في غزة، وذلك في ظل عدم وجود فرص العمل".

ويعاني ما يزيد على مليوني نسمة في قطاع غزة أوضاعاً اقتصادية متردية للغاية جرّاء الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 2006، ما تسبب بارتفاع نسب الفقر والبطالة.

من جانبه يقول ماهر الطبّاع مدير العلاقات العامة والإعلام بغرفة التجارة والصناعة بغزة إن القطاع المُحاصر من إسرائيل للعام الـ15 على التوالي يعاني أسوأ مؤشرات اقتصادية، ما يتسبب بوجود ضغوط كبيرة على المواطنين.

ويضيف: "معدلات البطالة تتجاوز 50%، بينما تصنف التقارير الدولية نصف سكان قطاع غزة بالفقراء، ويعتمد أكثر من 80% منهم على المساعدات الغذائية العاجلة".

ويوضح الطبّاع أن هذا الواقع الذي أنشأه الاحتلال الإسرائيلي أدى إلى "انسداد الأفق للشباب الفلسطيني"، ما يدفعهم إلى الهجرة.

وذكر أن الاعتداءات العسكرية التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة بشكل متكرر منذ بداية حصارها أدى إلى "تدمير المنشآت الاقتصادية والشركات"، فضلاً عن القيود على حركة الواردات والصادرات، ما أدى إلى انهيار القطاع الخاص.

كما أشار إلى الندرة الشديدة في الوظائف التي يوفرها القطاع العام (الحكومة) نظراً إلى الانقسام السياسي الفلسطيني بين غزة والضفة.

بدوره يحمّل الكاتب والحقوقي الفلسطيني مصطفى إبراهيم إسرائيل المسؤولية الكاملة عن الأوضاع "البائسة بغزة التي تسببت بتدهور كل مجالات الحياة ودفعت الشبان إلى الهجرة من القطاع إلى الخارج، وصولاً إلى الدول الأوروبية بطرق غير شرعية، يتعرضون خلالها للموت".

وقال: "الاحتلال الإسرائيلي والانقسام السياسي، كلها عوامل تدفع إلى زيادة معدلات البطالة والفقر وغياب الأمل لدى الشباب، ما يؤدي إلى عزوفهم عن البقاء بغزة والهرب بأعداد كبيرة إلى الخارج والهجرة".

ويضيف: "يحاول الشبان من خلال الهجرة البحث عن أي بارقة أمل في حصولهم على عمل وتغيير مستقبلهم في ظل غموض سياسي واقتصادي فلسطيني".

TRT عربي - وكالات