تابعنا
يعاني المواطنون من حصار مفروض منذ 13 عاماً، حصار حوّل حياتهم إلى مأساة ومعاناة طويلة، وأحد أنواع هذه المعاناة هو انقطاع الكهرباء لساعاتٍ طويلة.

غزة ـــ في فصل الصيف، تتحول منازل الغزيين إلى صفيح ساخن لا يُحتمل البقاء به لساعات. ترتفع درجةُ الحرارة بالمدينة، ولا وجود لأجهزة تبريد. فيضطرّ الناس للهروب الى البحر، المتنفس الوحيد لأهالي القطاع.

أمل خالد (33 عاماً) تعودت على الخروج مع أطفالها يومياً في ساعات المساء للجلوس في كورنيش غزة أمام البحر حتى ساعات الليل، تحكي لـTRT عربي: "خروجي من المنزل يومياً شيء ضروري في فصل الصيف؛ فالحرارة داخل البيت لا تطاق، وانقطاع الكهرباء يخنقنا".

وتضيف: "الأطفال لا يتحملون الحرّ كثيراً، لهذا نأتي إلى الكورنيش ونجلس لمدّة ساعات حتى يحلّ الليل. الأصعب في هذا كلّه هو غياب الكهرباء في ساعات المساء. إنها معاناةٌ حقيقية".

أطفال يحترقون...

تعاني أمل من الأمراض التي تسببها الحرارة الشديدة لأطفالها، بسبب غياب مراوح أو أجهزة التكييف؛ فكلّ أبنائها أجسامهم مصابة بالحساسية.

الحلّ، بالنسبة لها إذن، هو الهروب نحو البحر لتخفيف الضغط النفسي على الأطفال، وتعويضهم عن انقطاع الكهرباء، وغياب أشياء مسلية لهم مثل مشاهدة التلفاز.

في حوالي الساعة السادسة مساء من كل يوم، يكون الكورنيش وشاطئ غزة مزدحمين بالمواطنين؛ إذ يغادر الجميع بيوتهم خلال هذه السّاعات، للقدوم إلى هذا المكان الذي يعتبر الأقلّ كلفةً بالنسبة للمواطنين. دولار واحد هو ثمن الجلوس إلى طاولة لساعات طويلة.

ليالي السهر الطويلة

يجلس خالد سعيد (25 عاماً) على الكورنيش مع أصحابه يتبادلون أطراف الحديث عن مواضيع مختلفة، يضحكون ويلعبون لعبة الورق على الطاولة. يستغرق ذلك ساعاتٍ طويلة قد تستمرّ حتى صباح اليوم التالي.

يحكي خالد لـTRT عربي عن هذه اللحظات قائلا: "أتصل بأصحابي يومياً لتحديد موعد الذهاب إلى مكاننا المفضل على الكورنيش، نجتمع هنا ونقضي وقتنا في الحديث. يحكي كل واحد منا عن حياته ومشاكله وهمومه".

تتمحور المواضيع التي يتحدث فيها خالد وأصدقاؤه حول البطالة ومعاناة خريجي جامعات غزة من قلة فرص شغل، إنها معاناة كبيرة يزيد من قسوتها انقطاع الكهرباء، مما يحرم الشباب من النوم أو الجلوس في المنزل لمشاهدة التلفاز. الخيار الوحيد المتاح أمامهم هو البحر. يجتمعون فيه بشكل مستمر دون ملل، قبل العودة إلى البيت عند الفجر.

وقتٌ لطيف بثمن زهيد

يعرض بلال العمري (23 عاماً) الذرة على الكورنيش للبيع، ويؤجر مجموعةً من الطاولات للمواطنين الذين يفضلون قضاء وقتهم على الشاطئ، كما يبيع مشروبات لهم بثمنٍ زهيد.

يقول لـTRT عربي: "جميع المواطنين يهربون من بيوتهم إلى منطقة الكورنيش ويتزايد عددهم أكثر في ساعات المساء، المعروفة بانقطاع الكهرباء. هذا المكان لا يكلّفهم كثيراً من أجل شراء مشروب. الوضع الاقتصادي الصعب وظروف فصل الصيف في ظلّ انقطاع الكهرباء جعلت المواطنين يجدون ملاذهم الوحيد في البحر".

الماء هو الحلّ

لجأت جيهان محسن (45 عاماً) إلى طريقة أخرى لمواجهة الحرارة وتأثيرها على أطفالها. طريقة قد تكون بدائية جداً، لكنها الحلّ الوحيد للتخفيف عنهم من وطأة الحرارة.

تقول جيهان لـTRT عربي: "الأطفال لا يتحمّلون الحرّ الشديد مثل الكبار، لهذا لا أجد طريقة سوى التبريد باستعمال الماء. أضع الماء في بانيو كبير وأدعهم يلعبون فيه، وفي كلّ لحظة ينادونني لأسكب الماء على رؤوسهم، خاصّةً خلال ساعات الظهيرة، حين تكون درجة الحرارة عالية".

وتضيف جيهان بنبرة حزينة: "لا يوجد كهرباء في أغلب أيام الأسبوع، ونحن ضعفاء. الماء إذن هو المنقذ الوحيد لهم إلى حين انتهاء فصل الصيف، في انتظار حلّ جذري لمشكلة الكهرباء التي نعاني منها منذ سنوات عديدة".

وصلٌ وقطع

شاطئ البحر مزدحم بالناس بعدد يفوق الآلاف. الأطفال والرجال يسبحون من أجل الاستجمام وتخفيف درجة حرارة أجسامهم. وعائلاتٌ عديدة مجتمعة هنا، تقضي وقتها في الحديث والضحك وتأمل البحر، وآخرون يلعبون مع أطفالهم. أما البعض الآخر، فيكتفي بوضع أقدامهم في المياه.

"البحر هو الوحيد الذي يشعر بمعاناة أهل غزة"، جملةٌ تكررت على لسان العديد من المواطنين الذين يجلسون بالقرب من الشاطئ. فقد صاروا يشعرون أنّ هذا البحر شخص يفهمهم ويدرك حالتهم النفسية.

سالم رزق، رجل خمسيني، يجلس مع عائلته على شاطئ البحر. يقول بأسى: "لا يمكن أن تجدي مكاناً فارغاً على هذا الشاطئ. الجميع يتركون منازلهم ويلوذون بالمكان هنا. لم أعد أستطيع الجلوس في منزلي دقيقة واحدة عند انقطاع الكهرباء".

البحر يجمع الأحباب

"إن هذا الوقت سيمضي"، كلماتٌ تردّدها رزان سالم (25 عاماً) وهي متكئة على كرسيها المفضل على الكورنيش. إنها كلمات للذكرى.

تجلس رزان على الكورنيش برفقة صديقاتها، يتجمعن في الأسبوع ثلاث مرات على الأقل. ويبقين لحدود ساعات المساء المتأخرة. وعند غروب الشمس تعود كل واحدة منهن الى منزلها.

تقول رزان لـTRT عربي: "ألتقي كل صديقاتي هنا. كأن كلّ منازل غزة تسكب سكانها هنا. لكلّ شخص الدافع الذي يجعله يأتي هنا؛ منا من يريد نسيان الهموم، ومنا من يقاوم الحرارة، ومن يجدها فرصة للقاء بأصدقائه. نحن لا نملك سوى البحر؛ إنه جزء كبير من حياتنا".

وتضيف: "لولا هذا المكان، لما التقيت بصديقاتي؛ إذ لا نملك إمكانيات تسمح لنا بزيارة المطاعم والمقاهي وأماكن التسلية. في هذا الكورنيش، نضرب عصفورين بحجر واحد: نهرب من الحرارة في ظل انقطاع الكهرباء، ونقضي أحلى الأوقات مع أصدقائنا".

هذا، ويعاني أكثر من 2 مليون نسمة في غزة من حصار مفروض علي القطاع منذ عام 2007 حتى الآن، حصارٌ يتمثل في إغلاق المعابر وعدم إدخال الوقود بكميات كافية لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة.

ولذلك، حينما تشتد العقوبات، ويُمنع إدخال الوقود، يتأثر عمل محطة الكهرباء، ويتم تقليص ساعات الوصل للكثير من المناطق في قطاع غزة، حيث يتم تشغيل الكهرباء لأقل من ثماني ساعات في اليوم فقط، وهو ما يسبّب معاناة كبيرة لساكنة مدينة غزّة التي تحترق في جحيم الحرارة المرتفعة، بدون مكيّفات ولا وسائل تسلية.

الخيار الوحيد المتاح أمام شباب غزة هو البحر، يجتمعون فيه بشكل مستمر دون ملل، قبل العودة إلى البيت عند الفجر. (TRT Arabi)
"البحر هو الوحيد الذي يشعر بمعاناة أهل غزة"، جملةٌتكررت على لسان العديد من المواطنين الذين يجلسون بالقرب من الشاطئ (TRT Arabi)
يتم تشغيل الكهرباء لأقل من ثماني ساعات في اليوم فقط في غزة،وهو ما يسبّب معاناة كبيرة لساكنة مدينة غزّة التي تحترق في جحيم الحرارة المرتفعة (TRT Arabi)
يلجأ الكثير من الآباء إلى التنفيس عن أطفالهم من الحرّ باستعمال الماء، حين تنقطع الكهرباء بغزة (TRT Arabi)
اعتاد الغزيون المترددون على البحر هربا من أزمة انقطاع الكهرباء على تناول الذرة، وهي لا تكلفهم الكثير (TRT Arabi)
يهرب الكثير من الآباء والأمهات الغزيين  نحو البحر لتخفيف الضغط النفسي على أطفالهم وتعويضهم عن انقطاع الكهرباء (TRT Arabi)
TRT عربي
الأكثر تداولاً