تابعنا
للعام الثاني على التوالي تقرر المملكة العربية السعودية تقليص عدد الحجاج، بالإضافة إلى فرض العديد من القيود على أداء المناسك، وذلك خوفاً من التفشي السريع لجائحة كورونا وتحويراتها الجديدة التي ظهرت مؤخراً حول العالم.

في ظل ما يشهده العالم من استمرار تفشي فيروس كورونا وظهور تحويرات جديدة له، أعلنت وزارة الحج والعمرة السعودية، للسنة الثانية، إلغاء الحج للوافدين من خارج المملكة واقتصاره على المواطنين والمقيمين الذين يقدر عددهم بنحو 60 ألف حاج.

أثار الخبر حزن الملايين من المسلمين في أنحاء العالم، الذين كانوا يأملون في السنة الماضية في تخطي الأزمة بسرعة والتمكن من أداء فريضة الحج، إلا أن انتشار الوباء حال دون ذلك.

ولم تكن هي المرة الأولى التي يلغى فيها أداء الحج، فعبر التاريخ الإسلامي عطلت هذه الفريضة نحو 40 مرة، وذلك بسبب أحداث وكوارث لازمت مواسمه ومنها‏ انتشار الأمراض والأوبئة‏، والاضطرابات السياسية‏ وعدم الاستقرار الأمني، والغلاء الشديد والاضطراب الاقتصادي،‏ إلى جانب‏ فساد الطرق‏ من قبل اللصوص والقُطاع.

وفي هذا السياق صرحت السلطات السعودية بأنه "لا يجوز تعطيل الفريضة إلا لأسباب كبرى تحول دون إتمامها، كفقدان الأمن أو انتشار وباء في مكة المكرمة".

أسباب سياسية وظروف أمنية

منذ فرض الحج في العام التاسع الهجري، عُطِّلت أو عُلِّقت الفريضة لنحو 40 مرة، ففي عام 251هـ، هاجم جيش إسماعيل بن يوسف الذي اشتهر باسم "السفاك" مكة المكرمة، وأغار على الحجاج وقتل كثيراً منهم، وأُبطل الحج في ما عرف بـ"مذبحة صعيد عرفة".

ثم في عام 317هـ، أغار القرامطة على المسجد الحرام، وقتلوا الآلاف وعطّلوا الحج لسنوات، بزعم أنه "شعيرة جاهلية". فى كتابه "تاريخ الإسلام"، قال الإمام شمس الدين الذهبى إنه في أحداث ذلك العام "لم يحج أحد خوفاً من القرامطة"، لأن القرامطة كانوا يعتقدون بأن شعائر الحج من شعائر الجاهلية ومن قبيل عبادة الأصنام.

كما خلع القرامطة الحجر الأسود من مكانه وحملوه معهم إلى مدينة "هجر" بالبحرين، حيث كانت مركز دعوتهم وعاصمة دولتهم. وقد تعطل الحج فى تلك الأعوام (يقال إنها 10 أعوام)، فلم يقف أحد على صعيد عرفة ولم تُؤدَّ المناسك.

تفشي الأمراض و الأوبئة

وبعد ذلك بأعوام انتشر داء سمي الماشري، ذكره المحدث ابن كثير الدمشقي في كتابه "البداية والنهاية"، إذ أشار إلى أنه في سنة 357هـ، انتشر هذا الداء فى مكة "فمات به خلق كثير، وفيها ماتت جمال الحجيج فى الطريق من العطش ولم يصل منهم إلى مكة إلا القليل، بل مات أكثر من وصل منهم بعد الحج".

وبسبب الفرقة الداخلية وفقدان الأمن والنزاع بين السلاطين، لم يحج المسلمون في عام 492هـ، وهي الفترة التي تزامنت مع سقوط بيت المقدس بيد الصليبيين.

في عام 1814م، مات نحو ثمانية آلاف شخص جراء تفشي الطاعون في بلاد الحجاز، ما أدى إلى توقف الحج في سنة الطاعون. كذلك في عام 1831م، تفشى وباء هندي خلال موسم الحج، ومات بسببه كثير من الحجاج، وشهدت مواسم الحج حتى عام 1840م مواسم متقطعة لتفشي الوباء، وكذلك في الفترة من عام 1846 إلى عام 1850م.

وإن كانت دروب الحجيج شاقة ووعرة، فقد تناقل المؤرخون ظروفاً صعبة ماثلت المرض، حالت دون وصول المسلمين إلى مكة، ومنها تعرضهم للعطش في ظل طول المسافات، فلم يتمكنوا بذلك من إكمال طريقهم الطويلة إلى مكة.

واستناداً إلى نفس الفتاوى الشرعية، ونفس الدوافع، التي تقضي بتأجيل الحج حتى تزول المخاطر والتهديدات، يقرر هذه السنة اقتصار فريضة الحج على عدد محدود من المواطنين والمقيمين بالمملكة،

TRT عربي