تابعنا
يتعلّم الأطفال في غزة فنّ الدبكة، كطريقة للترويح عن النفس، الحفاظ على هذا النوع من الرقص الذي توارثوه عن أجدادهم، وأيضاً لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

غزة ــــ حركات منظمة على إيقاع فلسطيني تأخذ العقل والقلب معها، إنها الدبكة الفلسطينية التي تعتبر تراثاً تبدع فيه الأجيال بمختلف أعمارهم من هواة هذا الفن، العديد من الأطفال ينضمون إلى فرق الدبكة الموجودة في قطاع غزة من أجل تعلمها وتقديم العروض للجمهور، والفرحة تملأ قلوبهم بأداء حركات الدبكة وتقديم العروض أمام الجمهور، والكثير منهم يعتبر أن الدبكة هي التي تساعده بالترويح عن النفس في ظل الظروف الصعبة المتتالية التي يمرّ بها القطاع.

الدبكة تشغل وقت الفراغ

فيديوهات الدبكة الموجودةعلى يوتيوب جذبت فرح عبيد (12 عاماً) لكي تنضم إلى نادٍ لتعلّم الدبكة، وبداخلها شغفٌ كبير لتطوير نفسها بعيداً عن القيود التي قد تُفرض عليها بعدم مواصلة تدريباتها وتطوير مهاراتها.

تقول فرح لـTRT عربي: "أحب حركات الدبكة وجاذبيتها، وأحب تعاون الفريق خلال أداء الحركات والتنقل بسلاسة مع الموسيقى، تشجيع عائلتي جعلني أحقق حلمي بتعلمها".

وتضيف: "أقضي وقت فراغي في تعلم الدبكة إما وحدي في البيت أو مع صديقاتي، وعندما أرتكب خطأ في حركة ما يصححون لي ويحفزوننيعلى الاستمرار، والدبكة علمتني التعاون والروح الجميلة والانضباط وأصبحت لديّ علاقات اجتماعية كثيرة كسرت شعوري بالوحدة".

تتمنى فرح أن تستمر في تعلم الدبكة والمشاركة في عروض المهرجانات من دون أن يوقفها المجتمع عن ذلك، بخاصة تقاليده وعاداته التي تقيد الفتاة في ما يتعلّق بالدبكة، وتمنعها من المشاركة في عروض أمام الجمهور عند سنّ البلوغ.

المجتمع يحرم الفتاة من الدبكة عند البلوغ

هذا القلق يراود رهف حسين (14 عاماً) التي تعلمت الدبكة منذ خمسسنوات ولا تزال تمارسها. على الرغم من الانتقاد الذي تتعرض له من قِبل بعض الأشخاص المحيطين بها.

تقول لـTRT عربي: "الدبكة جزء كبير من حياتي بالإضافة إلى كونها موروثنا الفلسطيني الذي حمله أجدادنا قبلنا، إذ كانوا يرقصون الدبكة في الأفراح والمناسبات. نحن نريد الحفاظ على هذا الفن عبر تعلُّمه باستمرار، إنه فن يغير حياتنا بشكل كبير، كما يؤثر على حالاتنا النفسية".

وتشرح فرح: "كنت في السابق عصبية جداً، ومع هذا الفن تعلمت التحكم بنفسي. أحلم الآن أن أشارك في مهرجانات خارج غزة، إذ أتابع الفرق في الضفة الغربية وأتمنى المشاركة معها قريباً".

الدبكة موروث تراثي تتناقله الأجيال

الدبكة الشعبية تراث ينتقل بين الأجيال، التي ترى أن عليها حمايتهمن الاندثار، وهذا ما فعله خالد أبو سيدو (10 أعوام) عندما رأى صديقه في عرض دبكة فأحب أداءه كثيراً وأراد البحث عن نادٍ لكي يتعلم مثله.

يحكي لـTRT عربي: "رافقت صديقي لكي أتعلم الدبكة، وعلى الرغم من أننا نرقص الدبكة في المدرسة، فإن ذلك لا يشفي غليلي،لذلك بحثت عن نادٍ لتعلم فنون الدبكة والتحقت به، وهناك أصبح لديّ أصدقاء تربطنا علاقة حب وتعاون من أجل تقديم عروض جميلة أمام الجمهور، الذي يسعد كثيراً بأدائنا وينتظرنا في كل حفل جديد".

بالنسبة لوليد طافش، الذي كان يعيش في السعودية وعاد إلى غزة. لم يكن يعرف عن الدبكة الشعبية أي شيء، بل حضر حفلاً للدبكة في مخيم صيفي وأعجبته كثيراً وشعر بأنها شغفه الوحيد.

فالدبكة الشعبية بالنسبة إلى وليد، هي وسيلة مقاومة، من خلال توصيل رسائل للاحتلال الإسرائيلي بتقديم عروض تحمل أغاني ثورية ونضالية.

يقول لـTRT عربي: "كلّ منا يقاوم بطريقته، وأنا أقاوم بالدبكة التي تعلمتها قبل اثنتيعشر عاماً ولا أزال أتعلّمها إلى اليوم، وعندما أشاهدأطفالاًمن مختلف الأعمار يتعلمون الدبكة أشعر بالسعادة، ولديّ ثقة بأن الدبكة لن تندثر طالما يوجد أطفال يبحثون عنهاويتدربون على حركاتها لكي تُنقل إلى للأجيال القادمة".

ظهور الدبكة

ظهرت الدبكة الشعبية الفلسطينية عندما كان الفلاحون يحضّرون الطين لبناء بيوتهم، فكانوا يضربون الأرض بأقدامهم وهم يقومون بهذه العملية. ثم تطورت هذه الحركات بإضافة آلات موسيقية مثل الناي والطبلة والمجوز المصنوعة من الخشب، وأضيفت إليها بعد ذلك الأغاني الشعبية الفلسطينية التي تُسمع في الأفراح والمناسبات، ثم صارت الدبكة رسالة مقاومة ضد إسرائيل في السنوات السابقة.

محمد عبيد (30 عاماً) منسق فرقة العنقاء للدبكة الشعبية التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى طائر العنقاء الذي يخلق نفسه من رماده في كل مرة يموت.

يحكي عبيد لـTRT عربي، عن العقبات التي تواجه هذا الفن في غزة قائلاً: "يحاول الإسرائيليون طمسها ونسبها إليهم من خلال سرقة الزي والموسيقى، ونحن نحاول الحفاظ عليها من خلال تعليمها للأجيال، وقد سبق أن استهدف الاحتلال العام الماضي مكان عملنا في مركز سعيد المسحال الثقافي الذي فقدنا بداخله جميع أدواتنا وأزياء الأطفال والشباب، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء الذي يؤدي إلى تقليص ساعات التدريب اليومية وتأخير عملنا".

بسبب مشكلة المعابر وعدم إعطاء الحرية للمواطن في غزة للتنقل، حُرمت الفرق من المشاركة في عدة مهرجانات ومعارض دولية لتقديم عروض الدبكة، على الرغم من استلامها دعواتٍ من عدة دول.

الدبكة علاج نفسي للأطفال

تعتبر الدبكة علاجاً نفسياً لهؤلاء الأطفال، وحرمانهم منها يؤثر بشكل سلبي على حياتهم، وهذا كان واضحاً عندما تعرّض نادي تعلم فنون الدبكة للقصف قبل حوالي سنة، إذ ذهبوا إلى المكان الذي دُمّر فيه النادي يبكون لفقدانهم زي الدبكة الخاص بهم، وبعضهم احتفظ بكومة من حجارة المكان واستمر لمدة طويلة يشاهد فيديو القصف.

المدرب خليل طافش يعمل في مجال تعليم فنون الدبكة منذ 22 عاماً، إذ التحق بها كنوع من العمل الوطني، ويعمل طافش على تحسين حالة الأطفال النفسية وتعديل سلوكهم من خلال الدبكة. يقول لـTRT عربي: "الأطفال يأتون لتعلم الدبكة ولدى كل واحد منهم فكرة مختلفة عنها، فالبعض منهم يرى نفسه وطنياً والبعض الآخر يرى نفسه فناناً، بل منهم أيضاً من يأتون لتحسين حالتهم النفسية وتعديل سلوكهم".

وتبقى الدبكة العرض التراثي الجميل الذي ينتظره الجمهور خلال الحفلات والمهرجانات التي تشعل بداخلهِ الحس الوطني الفلسطيني. إن العديد من هواة الدبكة يحاربون المعوقات بما فيها العادات والتقاليد، لنشر ثقافة فن الدبكة وحمايتها من الاندثار.

تعرّض نادي تعلم فنون الدبكة للقصف قبل حوالي سنة، وذهب الأطفال إلى المكان الذي دُمّر فيه النادي يبكون لفقدانهم زي الدبكة الخاص بهم (TRT Arabi)
سميت فرقةالعنقاء للدبكة الشعبية بهذا الاسم نسبة إلى طائر العنقاء الذي يخلق نفسه من رماده في كل مرة يموت (TRT Arabi)
ظهرت الدبكة الشعبية الفلسطينية عندما كان الفلاحون يحضّرون الطين لبناء بيوتهم، فكانوا يضربون الأرض بأقدامهم وهم يقومون بهذه العملية (TRT Arabi)
الدبكة جزء كبير من حياة رهف حسين بالإضافة إلى كونها موروث بلدها الذي حمله أجدادها قبلها (TRT Arabi)
فيديوهات الدبكة الموجودة على يوتيوب جذبت فرح عبيد (12 عاماً) لكي تنضم إلى نادٍ لتعلّم الدبكة (TRT Arabi)
TRT عربي