تابعنا
منذ بداية انتشار المرض والتزام الناس حول العالم بيوتهم ومنازلهم، بدأ الكثيرون يبحثون عن نشاطاتٍ وفاعليات منزلية يسدّون بها الفراغ ويعوّضون بها حاجتهم إلى التواصل الاجتماعي الذي قوّضه الفيروس.

لو تابعنا مواقع التواصل الاجتماعي لشاهدنا الكثير من الفيديوهات للألعاب الجماعية التي يمارسها أفراد العائلة أو مجموعات الأصدقاء، سواء الألعاب الجاهزة مثل ألعاب الورق والبطاقات أو الألعاب المخترعة بما يوجد في البيت من أدوات وأشياء بسيطة ومتاحة.

أحد الفيديوهات التي انتشرت في الفترة الماضية على مواقع التواصل، أم وابنها يلعبان بالكرات في الحجر المنزلي.

وفي حين أننا نتفق جميعاً على أن اللعب أمر بالغ الأهمية لنمو الطفل على المستويين الجسدي والنفسي، فإننا ننسى كثيراً أنه كذلك أيضاً للكبار والبالغين. إذ غالباً ما نعتقد أننا كبرنا على اللعب وأنه نشاط الأطفال والصغار وحدهم، أو أننا نحن الكبار لنا مسؤولياتنا وأنشطتنا وفاعلياتنا التي تليق بأعمارنا وتعبّر عنها.

لكن في الواقع، يحتاج الكبار إلى اللعب أيضاً، أو أن يفكروا فيه كنشاطٍ إنساني واجتماعي. يبدو هذا ممكناً بعد انتشار الفيروس في العالم وتغيّر الكثير من العادات والسلوكيات التي اعتدنا القيام بها وملء أوقاتنا من خلالها في السابق، وأصبحنا نُمضي وقتنا في البيت ونجتمع مع عائلاتنا أكثر من قبل، وباتت لقاءاتنا بأصدقائنا محصورة في المنازل أكثر في ظلّ الإغلاق الطويل للأماكن العامة والمطاعم والحدائق وغير ذلك.

لكثير من وجهات النظر في علم النفس تتعامل مع اللعب كواحدٍ من أهمّ علامات الصحة النفسية وأحد الإشارات المهمّة إلى القدرة على الإبداع.

اللعب من وجهة نظر علم النفس

الكثير من وجهات النظر في علم النفس تتعامل مع اللعب كواحدٍ من أهمّ علامات الصحة النفسية وأحد الإشارات المهمّة إلى القدرة على الإبداع، من دون أنْ تفرّق في دوره بين مرحلة الطفولة أو مرحلة النضج.

ربما يكون أشهرها ما توصّل إليه المحلّل النفسي البريطاني دونالد وينيكوت، الذي درس دور اللعب في الطفولة وأثره المتواصل في المراحل الحياتية اللاحقة.

تعامل وينيكوت مع اللعب بصفته الحيّز الافتراضي الذي يفصل بين الواقع والخيال. وهو فعلٌ يحدث في المقام الأول في الوسط بين عالمنا الداخلي وواقعنا الخارجي. أي أنه لا يجري في خيالنا ولا في العالم الخارجي الحقيقي، بل في تلك المساحة حيث يكون خيالُنا قادراً على تشكيل العالم الخارجي بلا شعور بسيطرته أو إذعانه، أو حتى بالقلق حياله والخوف منه. وبهذا التعريف، يسمح اللعبُ للذات بإخراج جزءٍ من عالمها الداخلي إلى العالم الخارجي لرسم أجزاء منه.

كذلك يعتبر اللعب نشاط ابتكاري يسمح باكتشاف الذات وتطوير مهارات التواصل مع الآخرين. يقول وينيكوت في كتابه "اللعب والواقع" بأن باللعب وحده يحرّر الإنسان إبداعه، سواء كان طفلاً أم بالغاً، فهو النشاط الأقدر على اكتشاف الذات والأدوار التي يمكن أنْ تلعبها بلا تعنّت لدورٍ أو تمسّكٍ به بطريقة تحجب القدرات التي يمكن أنْ تطلقها ذواتنا وتفاجئنا بها.

اللعب نشاط ابتكاري يسمح باكتشاف الذات وتطوير مهارات التواصل مع الآخرين.

من جهتها أيضاً، ركّزت المحللة النفسية ميلاني كلاين على اللعب في نشاطها العلاجي بإيمانها أنّه، أي اللعب، يمتلك محتوىً كامناً يكشف عن المشاعر والأفكار اللا واعية ويُلقي الضوء على خيالات اللا شعور بالعالم الباطني للإنسان ويجعلها نشيطة طوال الوقت.

اللعب بعد كورونا

في حديثها مع TRT عربي، تؤكد مجدية كريمة صاحبة فكرة مشروع "غمّيضة" على إنستغرام، على ضرورة التعامل مع اللعب كحاجة أساسية للنمو النفسي للإنسان. ومن هنا، ترى كريمة أنّ المحتوى العربي على الإنترنت يحتاج إلى حساباتٍ مختصة بتطوير اللعب الإبداعي الذي يساهم في دعم الأدوات التعليمية والتربوية، لا سيما في هذا الوقت حيث تحتل الأجهزة الإلكترونية حيّزاً كبيراً من حياتنا بطريقةٍ تحدُّ من قدراتنا الإدراكية والمعرفية ولا تلبّي حاجتنا إلى التواصل الاجتماعي الحقيقي.

يقدّم "غميضة" على حسابه على إنستغرام، العديد من الأفكار المتنوعة للألعاب الجماعية التي يمكن تطبيقها مع أفراد العائلة أو مع الأصدقاء، بأدوات بسيطة ومتاحة قد توجد في جميع البيوت ولا تحتاج إلى جهد كبير لتطبيقها. وتؤكد كريمة من خلال عملها وبحثها المختص حول اللعب أنّه يكسر الكثير من الحواجز النفسية بين الأشخاص، ويزيد من فاعلية التواصل الاجتماعي بينهم ويقلّل التوتر الناتج عن الروتين وأوقات الملل والفراغ.

وفي حين أن فكرة المشروع خرجت قبل انتشار فيروس كورونا، وكانت تهدف أساساً إلى إثراء المحتوى العربي فيما يتعلّق بأهمية اللعب في الطفولة. فإنّ القائمين عليه كما تقول كريمة، يرون أن الفكرة أصبحت أكثر أهميةً الآن لجميع الأعمار والبيئات، سواء في المنزل لتقوية التواصل بين أفراد العائلة أو مجموعات الأصدقاء، أو في بيئات العمل المختلفة لتحفيز الإبداع والإنتاجية وتقوية المهارات والقدرات العقلية، مثل التفكير والتركيز واتخاذ القرارات على سبيل المثال، والتي لا تقتصر على فئة عمرية محددة.

TRT عربي