المُدمّرة إيلات كانت تُجري استعراض "سيادة" قرب حدود مصر البحرية (وزارة الدفاع الإسرائيلية)
تابعنا

بعد نكسة عام 1967 احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء المصرية، والضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، إضافة إلى مرتفعات الجولان السوري المحتل، وهو ما جعل المنطقة على صفيح ساخن سنوات طوال بعد ذلك، ظلّت فيها طبول الحرب تُقرع وتكاد لا تهدأ.

تلك المرحلة، شهدت الكثير من الصولات والجولات، معارك فردية وأخرى رسمية ضد الاحتلال الإسرائيلي أدت إلى خسائر فادحة، لكنّ أكثرها إيلاماً للاحتلال كانت حادثة إغراق المُدمرة "إيلات"، وهي العملية التي وُصفت بالتاريخية على صعيد عمليات القتال في البحر، وكان لها صدى دولياً، واعتُبرت في حينها من أكثر العمليات فتكاً بالجيش الإسرائيلي الذي كان وقتها يعتريه زهو الانتصار ونشوته.

وتُحيي إسرائيل في 21 أكتوبر/تشرين الأوّل من كل عام ذكرى قتلى عملية إغراق المُدمّرة، بل وأقامت تخليداً لهم أنصاباً تذكارية عدة، لعل أبرزها النّصب التذكاري في ميناء مدينة حيفا.

وتعود وسائل الإعلام العبرية كل عام، لتروي حكاية المُدمّرة التي أُغرقت على يد القوات البحرية المصرية في 21 أكتوبر/تشرين الثاني عام 1967 مقابل سواحل مدينة بور سعيد المصرية.

نصب تذكاري لقتلى مُدمّرة إيلات في حيفا (izkor.gov.il)

أصل الحكاية

يصف موقع "هايبو" الإسرائيلي ذلك اليوم بأنه كارثة، ويقول: "بعد احتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء، أردات القوات البحرية أن تثبت انتصارها وسيادتها في تلك المناطق، يومها قررت إجراء استعراض سيادة مقابل بور سعيد، وشاركت فيها سفن عدة منها سفينة "نيغا" و "يافا" و"إيلات"، وكان على متن "إيلات" يومها 199 شخصاً، قُتل منهم عدد كبير وجرح آخرون لمّا قررت مصر استهدافها".

يقول موقع "يزخور" التابع لوزارة الدفاع الإسرائيلية إنّ "المُدمّرة إيلات التابعة لسلاح البحرية دخلت الخدمة عام 1956".

وأشار إلى أنّ المدمرة الإسرائيلية شاركت في إغراق سفينتين تابعتين لسلاح البحرية المصرية مقابل شواطئ سيناء بعد شهر واحد من انتهاء حرب عام 1967.

ويلفت إلى أنّ المدمرة استُهدفت على بُعد 20 كيلومتراً من شواطئ بورسعيد في مصر، إذ أطلقت عليها القوات المصرية صاروخين من الشاطئ، وبعد ساعة ونصف أطلقت صاروخين إضافيين، وقد أصابت ثلاثة صواريخ المُدمّرة، ما أدى إلى تعطّل منظومتها واندلاع حريق هائل فيها.

وحسب الموقع، فقد اتخذ قبطان السفينة بعد ذلك قراراً حاسماً بالتخلي عنها وإخراج الطاقم، فغرقت في مياه البحر، ما أدى إلى مقتل 47 شخصاً من طاقمها وجرح العشرات.

ويوضح موقع "هايبو" أنّ سفينة تابعة لسلاح البحرية المصري اكتشفت المدمرة الإسرائيلية "إيلات" على مقربة من المياه الإقليمية المصرية ومباشرة أخبرت الجهات المعنية في القاهرة، وهو ما دفع الرئيس جمال عبد الناصر إلى إعطاء ضوء أخضر لإغراقها.

وحسب الموقع، أرسلت مصر لهذه المهمة سفناً حربية من طراز "كومار" وأطلقت إحداها صاروخاً بينما لا تزال على الشاطئ، في حين أكملت الثانية المهمة بعد ذلك بوقت قصير.

ويشير إلى أنّ أول صاروخ لم ينفجر لكنه أدى إلى تدمير بعض أجهزة المدمرة "إيلات"، ثم اندلعت بسبب ذلك نيران هائلة وبدأت صناديق الذخيرة بالانفجار، فيما أدى إطلاق صواريخ إضافية إلى مقتل عدد من طاقم المُدمّرة وإغراقها بشكل كامل.

استعراض السيادة وسوء التخطيط

يقول شبتاي ليفي وهو ضابط سابق في سلاح البحرية الإسرائيلي، وأحد الذين شاركوا في إخلاء قتلى وجرحى المدمرة "إيلات" إنّ "الكثير من الإهمال وسوء التخطيط من إسرائيل أيضاً ساهم في غرق المدمرة".

ويضيف: "باعتقادي كان ثمة إهمال كبير من المستوى السياسي في إسرائيل وخاصة موشي ديان الذي طلب أن تُنفذ إسرائيل دوريات في المناطق التي احتلتها من مصر من أجل إثبات سيادتها حتى النهاية، لقد كان هذا سبب في الدفع بهذه المدمرات إلى تلك المناطق".

ويُشير إلى أنّ "وزير الدفاع في حينه موشي ديان طلب أيضاً مرور سفن تحمل علم إسرائيل مقابل سفن تحمل علم مصر بالقرب من قناة السويس، وهذا كان بالنسبة للمصريين كمن يضع لهم البطّ في مرماهم، على الرغم من الواقع يثبت أن الأدوات والإمكانات التي كانت في أيدينا لم تكن ملائمة لمثل هذه الأفعال".

ويوضح أنّ "المدمرة إيلات كانت مكشوفة للجيش المصري، ولم تتوفر على متنها أي منظومات مضادة للصواريخ".

موشي ليفي: شاهدنا كرات من اللهب تنطلق نحونا (maariv.co.il)

شاهد عيان.. كرات من لهب

موشي ليفي، يُعدّ أحد شهود العيان على غرق المدمرة الإسرائيلية، إذ كان على متنها يوم الحادثة، يعمل في الوحدة المسؤولة عن تشغيل الرادار.

يقول ليفي لصحيفة "معاريف": "لم نكن نعتقد أن المصريين قد يغامرون باستهدافنا، كانت تلك رحلة هادئة جداً، ومنطلق هذا الاعتقاد لدينا هو أن المصريين حاولوا سابقا استهداف سفن إسرائيلية لكنهم فشلوا في ذلك".

ويضيف: "فجأة وبدون سابق إنذار، سمعت صوت يتسحاق شوشان قبطان المدمرة، وهو يدعو الطواقم إلى التأهب ويقول: لقد استُهدفنا بصاروخ".

ويشير إلى أنّ "حالة من الاستنفار سادت المشهد داخل المُدمّرة، الجميع أستُدعي لأخذ موقعه، وخاصة من يعملون على أجهزة الهجوم والدفاع العسكرية، بعد ذلك بدقائق فقط سمعت صوت انفجار آخر، كان انفجاراً كبيراً اهتزت المُدمّرة بسبب وتلاطمت الأمواج وكأنها اصطدمت بجبل من جليد، لقد طرت في الهواء وسقط الذين كانوا إلى جانبي أرضاً، وتناثرت أجهزتنا في كل مكان وبدأت أشاهد أعمدة الدخان من حولي، بينما كان إلى جانبي أحد الأشخاص المضمخ بالدماء".

ويوضح: "بعد ذلك بقليل، شاهدت بأمّ عيني كرة من اللهب تندفع نحونا، كان صاروخاً بوزن 500 كيلوغرام في طريقه لإكمال مهمة الصاروخ الأول، لقد كان أليماً، أدى انفجاره إلى دوران المدمرة 180 درجة من شدته".

ويقول ليفي: "لقد حطّمت الصواريخ محركات المُدمّرة، ودمّرت كذلك منظومة الكهرباء على متنها وعطلت أجهزتنا اللاسلكية، لقد بقينا في عرض البحر دون أي إمكانية للإبحار مرة أخرى، وبدون أي تواصل مع تل أبيب، في حينه كان كل ما على السفينة معطّل حتى الأشخاص، بين قتيل وجريح ومذهول من فرط الصدمات المتتالية".

سلسلة أخطاء

بعد غرق المدمرة، شكّلت الحكومة الإسرائيلية لجنة تحقيق رسمية في الحادثة، والتي اكتشفت سلسلة من الأخطاء التي أدت إلى هذه الكارثة كما تقول.

وأشارت اللجنة إلى أنّ أهم سبب للحدث هو تسيير المدمرة أصلاً بدون أي هدف، إنما للاستعراض فحسب. وقد ترأّس اللجنة حاييم بار ليف الذي كان يعدّ في حينه أحد العسكريين المخضرمين في إسرائيل وشغل منصب نائب رئيس هيئة الأركان.

وأكد بار ليف في حينه أنّ "العملية لم تكن دفاعية ولا هجومية، بل عُرفت بأنها مجرد عملية طبيعية، وهذا كان سبباً مباشراً في الفشل في حمياتها وتفاديها للهجوم.

سوابق في التدمير

في معرض شهادته، يقول الجندي البحري الإسرائيلي السابق يورم شيني الذي كان على متنها يوم الحادثة إنّ "المُدمّرة شاركت في حرب 1967، كما تعرّضت لتهديدات مصرية قبل الحادثة".

ويقول لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية: "ذات يوم بينما كنّا على متن المدمرة إيلات في منطقة بور سعيد، شاهدنا سفينتين حربيتين مصريتين، ومباشرة قمنا بإغراقهما".

ويضيف: "بعد ذلك بأسابيع قرر المسؤولون الدفع بنا إلى نفس المنطقة، ولم يخبرنا أي أحد بما من شأنه أن يقع، كنت في ساعتها في إحدى الغرف أسفل المدمرة، وسمعت فجأة أصوات انفجارات وانطلقت صافرات الإنذار".

ويُشير إلى أنّ "المدمرة إيلات لم تكن مجهزة بالأدوات الكافية لتدافع عن نفسها أمام هجوم القوات المصرية، ولم تمتلك مقومات النجاة".

والمُدمّرة "إيلات" صُنعت على يد القوات الملكية البريطانية، وبدأت العمل رسمياً عام 1944 وحملت اسم "HMS Zealous" وكان رقمها " R-39"، وقد شاركت مع قوات بريطانية في نهاية الحرب العالمية الثانية.

وباعت بريطانيا المدمرة المذكورة لإسرائيل عام 1955 مع مدمرة أخرى من نفس الطراز، وفي حين حملت الأولى اسم "إيلات" حملت الثانية اسم "يافا"، وقد عمل على متن كل واحدة منهن نحو 200 فرد.

وزعم الكاتب الصحافي الإسرائيلي يوسي ميلمان في تقرير نشره على موقع صحيفة "هآرتس" عام 2005 أنّ الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" حصلت على معلومات تشير إلى أنّ القوات المصرية حصلت على إذن لاستهداف المدمرة.

ويقول إنّ "الجهاز الاستخباراتي، وفي نفس يوم الاستهداف، حصل على نحو 6 إنذارات تشير إلى نية مصر باستهداف المدمرة، وهي معلومات كان من شأنها أن تمنع الغرق والدمار الذي حل".

لكن الصحافي يشير إلى أنّ الجهاز الاستخباراتي، وعلى الرغم من التوجه إليه، فضّل عدم الخوض في هذه التفاصيل، والإشارة إلى الأسباب التي أدّت إلى وقوع الحادثة على الرغم من توفر المعلومات.

TRT عربي - وكالات