تابعنا
تعود أصول  الطبق الشعبي المقلوبة إلى عهد القائد صلاح الدين الأيوبي، حين قدمه المقدسيون له ولجنوده عندما فتح القدس وحرّرها من الصليبيين عام 1187. وعندما أكلها أعجبته فوصفها بـ"الأكلة المقلوبة"، وأصبحت تسمى "المقلوبة" تَيمُّناً بالأيوبي.

تُعتبر المقلوبة واحدة من أهم المأكولات ضمن المطبخ الشعبي في المدن الفلسطينية كافة، خصوصاً مدينة القدس. وتحولت في السنوات الأخيرة إلى عنصر أساسي على موائد الإفطار الرمضانية في باحات المسجد الأقصى.

وتعود أصول هذا الطبق الشعبي إلى عهد القائد صلاح الدين الأيوبي، حين قدمه المقدسيون له ولجنوده عندما فتح القدس وحرّرها من الصليبيين عام 1187. وعندما أكلها أعجبته فوصفها بـ"الأكلة المقلوبة"، وأصبحت تسمى "المقلوبة" تَيمُّناً بالأيوبي.

هذه الأكلة تمزج في مكوناتها الأرز والبطاطا والباذنجان والقرنبيط مع الدجاج أو اللحم، وتتميز بضرورة قلبها من الأواني على قدر الطعام. وصار المقدسيون يستخدمونها كأحد أساليب المقاومة الشعبية في وجه قوات الاحتلال الإسرائيلي.

إفطار مُبعَدة

وتعود عادة تناول المقلوبة في المسجد الأقصى المبارك إلى عام 2015، عندما أبعدت سلطات الاحتلال المرابطة المقدسية هنادي الحلواني وعدداً من المرابطات، عن المسجد الأقصى لأول مرة في شهر رمضان المبارك ومنعتهن من دخوله لمدة 6 أشهر.

هنا سعت حلواني إلى التمرد على قرار الاحتلال بطريقتها، وافترشت الأرض جالسة مع بعض المرابطات لتحضير طبخة المقلوبة عند باب السلسلة، أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك، حسبما قالت المرابطة المقدسية هنادي حلواني لـTRT عربي.

هذه الجلسة أثارت استياء جنود الاحتلال والشرطة، بخاصة بعد انتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال الصور والفيديوهات والتقارير الصحفية التي نُشرت بعنوان "إفطار مُبعَدة"، ووصلت إلى عدد كبير من الفلسطينيين في الداخل والخارج.

هنا سعت حلواني إلى التمرد على قرار الاحتلال بطريقتها، وافترشت الأرض جالسة مع بعض المرابطات لتحضير طبخة المقلوبة عند باب السلسلة، أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك، حسبما قالت المرابطة المقدسية هنادي حلواني لـTRT عربي. (Others)

وعن رمزية الطبق الشعبي الشهير تضيف حلواني: "كانت لطبخة المقلوبة على أبواب المسجد الأقصى حينها رمزيتها من التحدي والصمود والإصرار على مواصلة الرباط فيه. فكيف إذا كانت هذه الأكلة الشعبية تُقلَب في ساحات المسجد الذي يُعتبر بجماله قطعة من الجنة؟ هذا المشهد جعل كل مُصَلٍّ يدخل المسجد الأقصى يفكر في إدخال أكلة المقلوبة معه".

ومنذ ذلك الوقت تتعمد حلواني رغم إبعادها ومعها المرابطة خديجة خويص طهي كميات كبيرة من المقلوبة، وتقديمها لكل من تَحمَّل مشقة الطريق من الضفة الغربية وأراضي الـ48، للصلاة في باحات المسجد الأقصى، وللمبعدين عن المسجد الذين يصلّون عند بواباته العتيقة وأزقَّة البلدة القديمة بسبب منعهم من الدخول إليه.

تستذكر حلواني تعابير جنود الاحتلال في كل مرة تُطهَى فيها المقلوبة قائلة: "أصبح تناول المقلوبة داخل باحات الأقصى واحداً من أكثر المشاهد الفلسطينية تعكيراً لصفو قوات الاحتلال رغم بساطة الموقف، فهم يربطونها بالنفسية الفلسطينية وأبعادها في الدفاع عن الإرث الفلسطيني، ويعتبرونها رسالة لتحفيز المصلّين والمرابطين على صد الاقتحامات للمسجد".

من هنا تعتبر حلواني أن "طبخة المقلوبة أصبحت رمزاً للمقاومة والصمود في وجه ممارسات الاحتلال. فالبيت الذي يطهو الأكلة في فلسطين أو خارجها يحاول تعزيز معنى الثبات أمام الاحتلال وبقاء القضية الفلسطينية حاضرة على الدوام".

وتميزت أكلة المقلوبة بأسماء عدة بينها "مقلوبة الجكر" أو "مقلوبة النصر"، بخاصة عند باب العامود، وهو أهمّ أبواب البلدة القديمة في القدس، حيث يجتمع المقدسيون بانتظار أن تُقلَب المقلوبة في الأواني لتعلو أصواتهم بالتكبير وهم يتناولون الطبق أمام جنود الاحتلال.

مقلوبة الشعر الفلسطيني

مقلوبة من ريح القدس ريحتها تغيظ العدو

كأنها عروس وسط العرس وبالزفة أحباباً بدو

بهذه الأبيات الشعرية وصف الشاعر الفلسطيني سامر عيسى طبق المقلوبة الشعبي، ويضيف لـTRT عربي أن "فكرة قصيدة المقلوبة تولدت من مشاهدة المرابطات والمرابطين حينما كانوا يقلبون طبخة المقلوبة في أثناء رباطهم في ساحات الأقصى وسط إحاطة من جنود الاحتلال الذين أصبحوا يتوجسون من رائحة تلك الأكلة التي تعبق بالحرية"، ويستكمل: "لذا حوّلتُ المقلوبة إلى قصيدة تفوح منها رائحة العزة، طُبخت على نار التحدي، بهارها العزّ وزيتها دم طاهر، مكوناتها شعب وصمود وفداء".

فوجود المقلوبة في ساحات المسجد الأقصى يُعتبر رمزية تَحدٍّ وصمود وغذاء لهمَّة المرابطين والمارِّين من هناك، قبل أن تكون غذاءً للجسد، حسب الشاعر عيسى.

ويرى عيسى أن "الاحتلال يسعى جاهداً لسرقة التراث الفلسطيني بما فيه الأطعمة واللباس ونسبته لنفسه في محاولة لإثبات أحقيته في فلسطين. ويضيف: "هنا تأتي أهمية الشعر الفلسطيني الذي يُعتبر نوعاً من المقاومة، لأنه يوثّق التراث الفلسطيني، فكم من أغنية حية عمرها أكبر من عمر الاحتلال".

وعن قصيدة المقلوبة يستكمل عيسى لـTRT عربي: "ما يميز هذه القصيدة أنها من بين قلة من القصائد التي تناولت الأطباق الفلسطينية الشعبية، لذا فإن الشعر الذي أقدّمه بلهجتنا الفلسطينية العامية يُعَدّ نوعاً من الفنون المحببة للناس"، ويضيف: "الفن يستهدف مكامن الوطنية، والأثر الذي تُبقِيه القصيدة والأغنية كبير، وهو عنصر تحريك للمشاعر التي تتحول إلى فعل على الأرض".

يُذكر أن المسجد الأقصى شهد فاعليات ضخمة لتناول المقلوبة داخل باحاته، أهمّها عام 2017 حين حضرت حشود من المقدسيين على موائد الإفطار في شهر رمضان المبارك، تلبية لدعوة المرابطة هنادي الحلواني وصديقتها المرابطة خديجة خويص عبر وسائل التواصل الاجتماعي للإفطار معهما، لتتحول هذه الدعوة إلى حملة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

فوجود المقلوبة في ساحات المسجد الأقصى يُعتبر رمزية تَحدٍّ وصمود وغذاء لهمَّة المرابطين والمارِّين من هناك، قبل أن تكون غذاءً للجسد، حسب الشاعر عيسى. (Others)

وفي شهرأغسطس/آب من العام نفسه، وبعد نهاية معركة بوّابات الأقصى، شارك مئات المقدسيين في حملة تحت عنوان "مقلوبة في الأقصى" ضمن النشاطات والفاعليّات الهادفة إلى شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى.

وما إن أطلقت المرابطة الحلواني دعوة جديدة على مواقع التواصل الاجتماعيّ للمقدسيّين لإحضار أكلة المقلوبة لتناولها في ساحات الأقصى في 21 سبتمبر/أيلول بمناسبة رأس السنة الهجريّة، حتى اعتقلتها الشرطة الإسرائيليّة فجر 17 سبتمبر/أيلول عقب اقتحام منزلها في القدس، وبقيت حينها خلف القضبان مدة 13 يوماً.

في حين كانت رفيقتها خديجة خويص معتقَلة منذ 5 سبتمبر/أيلول، لتصدر بعد ذلك الشرطة الإسرائيليّة قراراً في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بإبعادهما معاً عن المسجد الأقصى لمدّة 6 أشهر.

TRT عربي