كيف تهدد أزمة التغير المناخي حياة مليار عامل حول العالم؟ / صورة: AFP (Fayez Nureldine/AFP)
تابعنا

في أواخر شهر أبريل/نيسان الماضي، عاشت مناطق في إسبانيا أحوالاً مناخية غير مسبوقة، إذ قارب ارتفاع درجة الحرارة في منتصف النهار عتبة 40 درجة مئوية، في موجة حرارة ضربت البلاد مبكراً بعد أن اعتادت في مثل هذه الفترة مناخاً ربيعياً معتدلاً.

ويُعَدّ هذا الوضع غير المألوف في البلد الأيبيري خير دليل عن نتائج ظاهرة التغيرات المناخية التي يعيشها عالم اليوم. وهو ما أكده المتحدث باسم هيئة الأرصاد الإسبانية الدكتور روبين ديل كامبو، قائلاً: "بسبب شدتها وطبيعتها المبكرة فإن الموجة التي تشهدها البلاد منذ أيام تدخل في إطار تداعيات التغير المناخي".

هذا ووفق دراسة علمية نشرتها مجلة "Nature Communications"، حللت درجات الحرارة اليومية القصوى حول العالم بين عامي 1959 و2021، كشفت أنّ 31% من المناطق شهدت ارتفاعاً في الحرارة، ما جعلها مستعدة لموجات الحر مستقبلاً، مشيرة إلى خطر حدوث "حرارة غير عادية" في صيف هذا العام، وحذرت من أن الاحتباس الحراري سينتج عنه طقس حار خطير في كل قارة.

مقابل هذه التوقعات الكارثية، هناك فئة من العمال يشتغلون في المهن الصعبة وتلك التي تحدث في الهواء الطلق، وبالتالي هم الأكثر عرضة لدرجات الحرارة المرتفعة وأشعة الشمس الحارقة، والأكثر تضرراً من التغيرات المناخية الحاصلة، التي قد تسبب لهم تبعات صحية خطيرة، تهدد حياة أغلبهم.

إنهم يموتون!

في مؤتمر احتضنته دولة قطر يوم الأربعاء من أجل تباحث موضوع "الإجهاد الحراري المهني"، قالت المديرة الإقليمية للدول العربية في منظمة العمل الدولية ربى جرادات إنّ تحديات ارتفاع درجات الحرارة وتأثيرها في بيئة العمل حول العالم تزيد خطر الأمراض المهنية المرتبطة بالإجهاد الحراري، وهو ما قد يشكل عواقب سلبية على العمال، سواء قصيرة أو بعيدة المدى.

هذه العواقب الصحية التي تزيد حدتها ارتباطاً بطبيعة العمل، تهدد بشكل أخص نحو مليار عامل مزرعة وعشرات الملايين في البناء والصناعات التي تحدث في الهواء الطلق. ويكون هذا التهديد أكبر بالنسبة إلى العمال في البلدان النامية التي يقع 79% منها على خط الاستواء، حتى في الدول الغنية في أماكن العمل التي لا تراعي حماية عمالها من هذه الظروف الصعبة.

وحسب جاستن جلاسر، رئيس شبكة "لا إيسلا"، وهي منظمة تُعنى بالصحة المهنية، فإن أكثر من 20 ألف عامل في مجال السكّر في أمريكا الوسطى ماتوا في عقد واحد من مرض الكلى المزمن. وأشار إلى نحو 25 ألف حالة وفاة بسبب أمراض الكلى في سريلانكا.

هذا وتشير بيانات مكتب إحصائيات قطاع الشغل الأمريكي إلى أن ما لا يقل عن 345 شخصاً لقوا مصرعهم في الفترة ما بين 2011 و2019 جرّاء العمل تحت درجات حرارة عالية. 144 منهم عمال بناء، و55 سائقو شاحنات أو رافعات أو معدّات جرارة.

وفي الهند، تشير فيديا فينوغوبال، أستاذة الصحة المهنية في معهد سري راماشاندرا بأن مئات الآلاف من عمال أحواض الملح الهنود يعانون من ارتفاع معدل الإصابة بأمراض الكلى المميت. وإجمالاً يعاني نحو 80% من هؤلاء العمال من أمراض مرتبطة بالتعرض لدرجات الحرارة المرتفعة.

ودقت الدكتورة فينوغوبال ناقوس الخطر من الإجهاد الحراري المهني، بالقول: "العمال يموتون، العمال يمرضون. علينا أن نتكيف مع جميع الإجراءات التي تتخذها دول العالم الأخرى وأن نكيفها مع ثقافتنا".

كيف تهدد أزمة التغير المناخي حياة العمال؟

وفق ورقة بحثية للوكالة الأوروبية للسلامة والصحة المهنية، فإن معطيات الإجهاد الحراري المهني تلعب دورَ مؤشرٍ مهمّ على مخاطر التغيرات المناخية، كون العمال هم الفئة الأكثر تعرضاً لمخاطر الاحترار العالمي والأكثر حساسية لتبعاته، وعلى رأسهم عمال المهن التي تحدث في الهواء الطلق أو في البيئات ضعيفة التهوية كالخيام الدفيئة التي تُستعمل في الزراعة.

وقد يتسبب التعرض لساعات طويلة لدرجات الحرارة وأشعة الشمس، مع المجهود البدني الكبير، في أعراض الإجهاد الحراري المتمثلة في وهن الأطراف والإحساس بالغثيان وآلام الرأس والمفاصل. هذا بالإضافة إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم جراء ضربات الشمس، والجفاف.

وعلى المدى المتوسط والبعيد، يتسبب الإجهاد الحراري المهني في أمراض الكلي المزمنة، وأمراض القلب والجهاز التنفسي. وفي دراسة أجريت عام 2020 حذّر باحثون تايوانيون من أن مرض الكلى الناتج عن التعرض للحرارة الشديدة "قد يمثل أحد الأوبئة الأولى في العالم بسبب الاحتباس الحراري".

كما يؤدي التعرض للشمس وقتاً طويلاً وبشكل يومي إلى امتصاص قدر كبير من الأشعة فوق البنفسجية، وهو ما قد يحفز مع مرور السنين الإصابة بعدد من السرطانات.

TRT عربي
الأكثر تداولاً