بكين تشعل جبهة جديدة في حربها الاقتصادية مع واشنطن (Brendan McDermid/Reuters)
تابعنا

بالتزامن مع تصاعد حدّة التوترات بين بكين وواشنطن بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان قبل نحو أسبوعين، تستعدّ الصين لفتح جبهة جديدة في الحرب الاقتصادية المستعرة منذ عدة سنوات مع الولايات المتحدة.

الجبهة الجديدة فتحتها بكين الجمعة، عندما أعلنت 5 شركات صينية عملاقة انسحابها من بورصة نيويورك، حيث اختارت خمس شركات صينية مملوكة للدولة، بينها اثنتان من أكبر شركات الطاقة والكيماويات الرائدة في الصين والعالم، شطب أسهمها من بورصة نيويورك بحلول نهاية أغسطس/آب الجاري.

وهذا "الانسحاب الطوعي" لم يكن وليد الأزمة الأخيرة حول تايوان، بل جاء وسط خلاف حول عمليات التدقيق المالي لأنشطة هذه الشركات. ووفقاً لرويترز فقد أُبلغ عن الخمسة جميعاً من لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في مايو/أيار لفشلها في تلبية معايير التدقيق الأمريكية. وهو الأمر الذي قالت عنه هيئة تنظيم الأوراق المالية الصينية، إنها على علم به وأنه "من الطبيعي أن تقوم الشركات بالإدراج أو الشطب من أي سوق".

شطب 300 مليار من بورصة نيويورك

قالت ثلاث من أكبر شركات الطاقة في العالم، بتروتشاينا وسينوبك وشنغهاي للبتروكيماويات، في بيانات منفصلة إنها ستتقدّم بطلب لشطب طوعي لأسهمها الوديعة الأمريكية. وقالت شركتان عملاقتان أُخريان مملوكتان للدولة، وهما شركة التأمين تشاينا لايف وشركة تشالكو المنتجة للألمنيوم، إنهما ستتوقفان عن عرض حصصهما في الولايات المتحدة.

في المقابل، ستبقى أسهم هذه الشركات الخمس مدرجة في البورصة الصينية، وبورصة هونغ كونغ.

فيما أشارت الشركات الخمس جميعها إلى "انخفاض معدّل الدوران في الولايات المتحدة" و"ارتفاع العبء الإداري والتكاليف المتعلقة بالحفاظ على الأسهم" كسبب لمغادرة سوق الأسهم الأمريكي. وتبلغ القيمة السوقية للشركات مجتمعة أكثر من 300 مليار دولار، وفقاً لما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

وبحسب "بلومبرغ" فإن نحو 300 شركة مقرّها الصين وهونغ كونغ، بقيمة سوقية تزيد على 2.4 تريليون دولار" تخاطر بطردها من البورصات الأمريكية مع تشديد لجنة الأوراق والبورصات لعمليات التدقيق على الشركات الشركات الصينية المدرجة في الولايات المتحدة تطبيقاً لتشريع أقرّه الكونغرس في عام 2020 ينصّ على إشراف أكثر صرامة على هذه الشركات.

انسحاب تكتيكي

بعد سنوات من تشجيعهم الشركات الصينية للانفتاح وإدراج أسهمها للتداول في البورصات الأمريكية، غيّرت بكين نغمتها بعدما بدأ المنظّمون الصينيون يشعرون بالقلق بشكل خاص بشأن متطلبات لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية بأن تشارك الشركات المدرجة البيانات مع الوكالة وتسمح لها بإجراء عمليات تدقيق لأعمالها.

وطوال العقدين المنصرمين، كانت الولايات المتحدة والصين على خلاف بشأن السماح للمفتشين الأمريكيين بالوصول إلى الأوراق التي تسمح بتدقيق أعمال الشركات الصينية. وفي معرض حديثه لـ"بلومبيرغ"، أشار المحلل الاستراتيجي في "ساكسو ماركتس" ريدموند وونغ إلى أنّ هذه الشركات المملوكة للدولة تعمل في قطاعات استراتيجية مهمة لن تسمح الحكومة الصينية بالسماح للمنظّمين والمراقبين الأجانب بالولوج إلى المعلومات والبيانات التي تملكها.

ويُنظر إلى الانسحاب بأنه تكتيكي، نظراً لانه جاء قبل تطبيق تشريع الكونغرس الذي يُلزم أي شركة مدرجة في الولايات المتحدة بمصادقة حساباتها من شركة معتمدة من المنظمة المستقلة للمحاسبة، حيث كانت الشركات الخمس، بجانب لائحة شركات صينية أخرى من ضمنها عملاق التجارة الإلكترونية علي بابا، تواجه خطر إلغاء تسجيلها اعتباراً من 2024.

ماذا عن علي بابا؟

"علي بابا"، عملاق التجارة الإلكترونية الصيني المُدرج في نيويورك، هي شركة أخرى أُضيفت مؤخراً إلى قائمة أكثر من 270 شركة مهددة بالحظر عملاً بالتشريع الأمريكي الذي سيدخل حيّز التنفيذ في عام 2024. وعندما ظهرت أنباء عن إضافته هذا الشهر، تراجعت أسهمها المدرجة في الولايات المتحدة بنسبة 11%. فيما قالت الشركة الشهر الماضي إنها ستسعى قريباً لإدراج أساسي في هونغ كونغ، وهي خطوة من شأنها أن تسمح لمزيد من المستثمرين من البرّ الرئيسي للصين بالاستثمار فيها.

وإذا ما قررت "علي بابا" الانسحاب من بورصة نيويورك لنفس الأسباب والدوافع، فهذا يعني أن أسهماً لن تصبح مدرجة بشكل عام في سوق الأوراق المالية الأمريكية.

وبحسب الكثير من المحللين، لا يمثّل الضغط الذي تمارسه بكين عبر سحب شركاتها خطراً هائلاً لهذه الشركات فحسب، بل إنه يمثّل أيضاً خطراً كبيراً على الاقتصاد الصيني نفسه. حيث من المرجّح أن يعاني الاقتصاد الصيني انخفاضاً في تدفّق رأس المال، إذا ما قرر إغلاق الأبواب أمام رأس المال الأجنبي. لا يكون قراراً حكيماً أبداً أن ترسل بكين رسالة مفادها أن الشركات الصينية لن تكون قابلة للاستثمار.

TRT عربي