تابعنا
قد يرتبط مفهوم الشعور بالتعاسة والاكتئاب في أذهان الكثيرين بالفقراء وكلّ من تعوزهم المادة عن تحقيق أحلامهم. إلا أن الإخصائيين النفسيين أكدوا العكس، حيث إن الأغنياء وأصحاب الثراء الفاحش ليسوا بمنأى عن هذه الأمراض النفسية، بل قد تكون أشد بالنسبة إليهم.

بينما يحلم الكثيرون بالثروة، ويعتبرون أنّ حقيقة ما يفصلهم عن الحياة السعيدة والمنعّمة، فقط الكثير من الأموال، يشارك إخصائيون في علم النفس مع الجميع تقارير مفاجئة، عن ارتباط الثراء الفاحش بالاكتئاب والقلق المزمن وأمراض نفسية مختلفة. وإن لم يكن ذلك بالارتباط الشرطي، إلا أنه أصبح شائعاً بصفة كبيرة، في أنحاء متفرقة من العالم، وخاصة على مستوى دول شمال أوروبا والولايات المتحدة وغيرها.

وقد استدعت مؤخراً، الكثير من حوادث الانتحار أو التردد على عيادات الطبّ النفسي، لكثير من الميليارديرات، انتباه الجميع وسط تساؤل عن التحديات التي تفرضها الثروة على أصحابها، وعن الرابط بين الثراء الفاحش وفقدان الأمان النفسي.

المال لا يجلب السعادة!!

في تقرير له على صحيفة الغارديان البريطانية قال الطبيب والمعالِج النفسي الأمريكي كلاي كوكريل، الذي اشتهر طيلة سنوات كطبيب نفسي لأصحاب الثروات الضخمة، إن أبرز التحديات التي يواجهها الشخص الميلياردير، هي عدم الوثوق بالآخرين والشعور بالريبة تجاه أي شخص جديد يدخل حياته.

وفي هذا السياق قال كوكريل: "أسمع من مرضاي طوال الوقت هذه الأسئلة: "ماذا يريدون مني؟"، أو "كيف سيتلاعبون بي؟"، أو "ربما يكونون أصدقاء معي فقط بسبب أموالي".

وقد بنت هذه المخاوف تدريجياً، حواجز ضخمة من الصعب تحطيمها أو تخطيها، بين الأثرياء وبقية الناس. ليدخلوا بذلك في عُزلة وشعور شديد بالوحدة، أدى لتعرّضهم إلى الاكتئاب الحاد.

وعلى مستوى آخر، لا يقلّ أهمية عن البُعد الإجتماعي، فإنّه بعد التربّع على قمّة النجاح والثروة الطائلة، ستبدأ حينها فعلياً "الصراعات مع الهدف" للكثير من الأغنياء.

وفي هذا الصدد يقول الإخصائي النفسي: "يبدأ الاكتئاب عندما تشعر أنه ليس لديك سبب للخروج من السرير. لماذا تهتم بالذهاب إلى العمل عندما يكون العمل الذي أنشأته أو ورثته يدير نفسه بدونك الآن؟، إذا غُطّيت جميع احتياجاتك وأكثر من ذلك بكثير لبقية حياتك، فقد تواجه أيضاً نقصاً في المعنى والطموح".

ويضيف كوكريل: "غالباً ما يشعرون بالملل من الحياة، وفي كثير من الأحيان يؤدي ذلك إلى تعاطي المخدرات أو الالتجاء لأيّة وسيلة مشابهة لمجرد ملء الفراغ".

وإن كانت الثروة الفاحشة، تُعتبر بالنسبة للبعض، أداة للتفاخر والتباهي والاستعراض، فإنّ الكثير من الأثرياء يشعرون بالحرج في الحديث عنها، حيث أنها تُعتبر للعديد صندوقاً أسود سرياً و"قذراً"، لذلك يرتبط المال لديهم بالشعور بالذنب والعار والخوف.

وقد تتخطى هذه التحديات، الميليارديرات أنفسهم إلى عائلتهم ومحيطهم، فكثير منهم يرغب في تدليل أطفاله وقد تكون نتائج ذلك عكسية. حيث يؤكد كوكريل قائلاً: "يُدلل الأثرياء أطفالهم حتى لا يُضطروا إلى معاناة ما كان عليه أباؤهم خلال بداية مسيرتهم. وتكون نتيجة ذلك منعهم من تجربة الأشياء التي جعلتهم ناجحين، كالتضحية والعمل الجاد والتغلّب على الفشل وتنمية المرونة. فيصبح الأطفال بالتالي منغمسين في العُزلة، مع انعدام للثقة بالنفس وفقدان الاحترام للذات".

"مزيد من المال.. مزيد من الرغبة.. مزيد من التعاسة"

حطّمت التقارير المتتالية لأخصاء الطبّ النفسي، مزاعم ارتباط جلب السعادة بالثراء. حيث نوّه تقرير سابق نُشر في مجلة Nature Human Behavior إلى أنّه بمجرد وصول الدخل الأسري في الولايات المتحدة على سبيل المثال إلى حدود 105 آلاف دولار، فإنّ ذلك يؤدي إلى انخفاض الرضى عن الحياة وستزيد بالتالي رغبات الفرد وينتهي به ذلك في النهاية إلى الشعور بالتعاسة والاكتئاب.

وفي سياق متصل، كشفت العديد من الأبحاث أنّ الأطفال الذين ينتمون إلى أسر ثرية بدورهم يُعتبرون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق، مقارنة بغيرهم من أطفال العائلات ذات الدخل المنخفض.

وقد أيّدت العديد من الدراسات العلمية، حقيقة أنّ غالبية الأثرياء يفتقرون للشعور بالمتعة في حياتهم ويفتقرون إلى معاني السعادة والراحة النفسية، حيث إنّ 10% من الأثرياء في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، أكثر عُرضة للشعور بالاكتئاب.

فيما تعتبر بعض الدراسات، أنّ النساء في هذا الإطار يمثّلن الفئة الأكثر تهديداً بالإصابة بالأمراض والمشاكل النفسية، مع تزايد حجم الثروة.

TRT عربي