جرحى الجنود الأمريكيين في معركة هوي  ( John Olson/The LIFE Images Collection, via Getty Images) (John Olson/Getty Images)
تابعنا

شبهها مغردون بـ"ليلة سقوط سايغون". هكذا أعادت وقائع دخول مقاتلي طالبان العاصمة الأفغانية كابل، يوم الأحد 15 أغسطس/آب الحالي، نكء جراح حرب فيتنام لدى الأمريكيين، مذكرة إياهم بمغامرة دفعوا ثمنها غالياً من لحم ودم أبنائهم.

بالنسبة إلى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، فالأمر مختلف، هو الذي استبعد سابقاً تكرار مشهد فيتنام، قائلاً: "طالبان ليست بقوّة جيش فيتنام، واحتمالية قيامهم بالسيطرة على أفغانستان مستبعدة تماماً". سقط أمام نفس مصير سابقه، ريتشارد نيكسون، حينما قرَّر "فتنمة الحرب" أي الانسحاب وتركها لأصحابها، متكبداً خسائر جاهد في إخفائها عن الرأي العام، قبل أن تفضحه وثائق البنتاغون المسربة آنذاك وتكشف أمام الأمريكيين هول الهزيمة التي حلت بهم.

قصة الهزيمة الأمريكية في فيتنام

سنة 1964 دخلت أمريكا رسمياً المواجهة البرية المباشرة أمام مقاتلي الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام الشيوعية، المعروفة بـ"فيت كونغ" منضافين إلى جيش فيتنام الشمالية وزعيم تحررها الوطني هوتشي منه. حينما تذرع الرئيس الأمريكي وقتها، ليندون جونسون، بحادثة مهاجمة قوات "الفيت كونغ" سفينة استطلاع تابعة للبحرية الأمريكية، ليرفع عدد قواته على الأرض الفيتنامية إلى 184 ألفاً نصرة لحليفه الفيتنامي الجنوبي.

أخذ الوجود الأمريكي في فيتنام بالتصاعد، ليصل مع حلول سنة 1968 إلى نصف مليون جندي، في حرب استنزاف لا تفشي عن أي انتصارات واضحة لواشنطن وحلفائها الجنوبيين. حيث كان المقاتل الفيتنامي دارساً لأرضه، ما مكنه من أفضلية قيادة حرب عصابات ناجعة، وجهت ضربات قاسية للقوة العسكرية الأمريكية، التي لجأت إلى تنفيذ أبشع المذابح في حق المدنيين في محاولة إخضاع أولائك المقاتلين، مذابح كتلك التي وقعت في قرية "ماي لاي" في مارس/آذار 1968.

سنة 1968 وتزامناً مع احتفالات السنة القمرية لدى الفيتناميين، نظم جيش فيتنام الشمالي ورفاقهم من مقاتلي "فيت كونغ" هجوماً كاسحاً سمي بـ"هجوم تيت"، استهدفوا به أكثر من 90 نقطة حساسة لقوات العدو، منها مركز قيادته، وكبدوه خسائر كبيرة في المعدات والأفراد. الهجوم فشل في تحقيق انتصار للشيوعيين لكنه خلط أوراق واشنطن الداخلية، حيث بلغ الشعور المعادي للحرب وسط رأيها العام أقصى مداه، كما سادت الخيبة وانخفاض المعنويات بين الجنود الأمريكيين.

ما دفع الرئيس الجديد وقتها، ريتشارد نيكسون، إلى خيار "فتنمة الحرب"، أي رد الحرب إلى أصحابها تمهيداً للانسحاب، في قرار سيكون القشة التي كسرت ظهر بعير الحملة الأمريكية على فيتنام. طوال 1970 خفض عدد الجنود الأمريكيين في فيتنام إلى أكثر من النصف، كما انطلقت بعدها سنة 1972 محادثات سلام عسيرة ضمت الأطراف المتقاتلة بباريس الفرنسية، ارتكبت بالتزامن معها مجزرة في هانوي لإجبارها على البقاء على طاولة المفاوضات، فأفرزت معاهدة لوقف إطلاق النار وقعت سنة 1973.

اتفاق سرعان ما تم نقضه، وشنت قوات "فيت كونغ" هجوماً كاسحاً تهاوت أمامه خطوط جيش الجنوب واحدة تلو الأخرى. رغم قوة وتطور سلاح قوات سايغون، حيث كانو يفوقون أعداءهم بثلاثة أضعاف من المدفعية وضعف عدد من الدبابات والعربات المدرعة إضافة إلى 1.400 طائرة وتفوق عددي بنسبة اثنين إلى واحد في القوات القتالية.

وصولًا إلى ربيع 1975، حيث ربح "الفيت كونغ" كل معارك هجومهم، على رأسها معركة هوي التي تكبد فيها الجنوبيون المدعومون من أمريكا خسائر فادحة. فيما كانت هانوي تسارع إلى حسم الحرب، مستغلة التقدم الكاسح ومعنويات مقاتليها العالية، بالدخول إلى سايغون. فشنوا هجوماً أخيراً عليها، قابلتهم فيه مقاومة شرسة سرعان ما انهارت، ودخل "الفيت كونغ" إلى العاصمة الجنوبية، وباستقالة مريرة لرئيسها متهماً الولايات المتحدة بالخيانة، وأمام فرار الأمريكيين ومتعاونيهم جواً من المدينة.

خسائرُ مهولة

خدم في حرب فيتنام نحو 3 ملايين أمريكي، قتل منهم أزيد من 58 ألفاً أغلبهم من الشباب، حيث بلغ متوسط أعمار القتلى 23 سنة. وأصيب 150 ألفاً آخرين بعاهات مستديمة، و830 ألفاً باضطرابات نفسية جراء ما عايشوه من التقتيل. كما فرّ نحو 50 ألف جندي أمريكي من الخدمة العسكرية في تلك الحرب.

فيما سجلت القوات الأمريكية، وتزامناً مع هجوم "تيت"، أحداث عصيان داخل صفوفها، سواء رفض فرق كاملة المشاركة في القتال، أو مهاجمة الجنود ضباطهم حيث قتل وقتها 83 ضابطاً وجُرح 650 آخرين بنيران صديقة.


هذا وتشير التقارير الصادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية، إلى أن إنفاقها على حرب فيتنام بلغ نحو 168 مليار دولار، أي ما يعادل 1.17 ترليون دولار بقيمته الحالية. ما يعني أن الولايات المتحدة أنفقت نحو 168 ألف دولار لقتل كل جندي فيتنامي، وتعني أن كل أمريكي كان على قيد الحياة عام 1969 كان يتعين عليه العمل بدوام كامل لمدة تتراوح ما بين 5 و12 شهراً لدفع ثمن الحرب على فيتنام، حسب ما تورد إحصاءات.

شكلت رواتب الجنود الذين خدموا في فيتنام على مدار 11 عاماً جزءاً كبيراً من تكلفة الحرب، كما خسر الجيش الأمريكي 4900 طائرة هيلكوبتر وأكثر من 3700 طائرة خلال القتال. وقبل نهاية الحرب كان الفيتناميون الشماليون قد وضعوا أيديهم على معدات عسكرية وأسلحة أمريكية تتجاوز قيمتها حسب تقديرات ملياري دولار.

TRT عربي