مقرّ حلف شمال الأطلسي "ناتو" في بروكسل. (Reuters)
تابعنا

المطالب الأوكرانية المتكررة بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو" تربعت على رأس قائمة ذرائع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشنّ حرب واسعة على أوكرانيا، مستمرة منذ أكثر من شهر، لإحباط خطط الناتو للتوسع شرقاً وتهديد الأمن القومي الروسي من خلال ضم حديقة موسكو الخلفية، المتمثلة بأوكرانيا.

وما إن بدأت الحرب الأوكرانية صباح 24 فبراير/شباط، حتى قدّم الحلف مساعدات عسكرية بمئات الملايين لأوكرانيا، وأعلن عن إرسال مئات من القوات الإضافية إلى دول أوروبا الشرقية، التي دخلت الحلف عقب انهيار الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو، بحجة حماية أراضيها من أي هجوم روسي محتمَل.

فما حلف الناتو الذي تعدّ موسكو انضمام كييف إليه خطّاً أحمر؟ وما مصيره بعد اشتعال الأزمة الأوكرانية؟ وهل يتفكك كما كان بعض المراقبون يتوقع، أم يزداد قوة بعد تدارُك الخطر الروسي؟

التأسيس

تأسس حلف شمال الأطلسي "ناتو" قبل 73 عاماً كدرع دفاعية ضد تهديدات الاتحاد السوفييتي إبان الحرب الباردة التي اشتعلت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد بات أكبر تحالف دفاعي في العالم بعضوية تضمّ 30 بلداً من أوروبا وأمريكا الشمالية.

وبناءً على معاهدة شمال الأطلسي التي وُقّعت في واشنطن 4 إبريل/نيسان 1949، يشكّل حلف الناتو، الذي يتخذ من بروكسل مقراً له، نظاماً للدفاع الجماعي تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من أطراف خارجية.

ورداً على إنشاء الحلف الغربي، أسّس الاتحاد السوفييتي عام 1955 تحالفاً عسكرياً مشابهاً يضمّ دول أوروبا الشرقية الشيوعية، أطلق عليه "حلف وارسو"، لكن انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 دفع دول حلف وارسو السابقة، وعلى رأسها بولندا التي وُلد حلف وارسو على أراضيها، لتصبح أعضاءً في الناتو.

خلاف وانقسام

قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، مرّ حلف الناتو بمرحلة ضعف وانقسام داخل صفوفه، الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي في 2019 إلى وصفه بأنه دخل في "حالة موت دماغي"، ووضعه في مواجهة مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب الذي هاجم مصداقية أعضائه بسبب الفوضى والصورة السلبية التي لحقت بالحلف خلال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.

ففي أعقاب زوال خطر الشيوعية بالتزامن مع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، انقسمت دول الحلف إلى شقين: شقّ شرقي يضمّ دول أوروبا الشرقية التي كانت ترى أن الخطر الروسي قائم ويهدّد باحتلال أراضيها، وشقّ غربي يجادل بضرورة التركيز على مكافحة الإرهاب والتصدي للعملاق الصيني الذي بدأ يهدّد المصالح الغربية أكثر من أي وقت مضى.

وخلال حقبة ترمب الرئاسية، وجّهَت الولايات المتحدة انتقادات حادة ومتكررة إلى الدول الأوروبية، خصوصاً ألمانيا، لنقص استثمارهم العسكري، فيما حثّ ترمب الحلفاء في الناتو على مضاعفة الإنفاق العسكري سنوياً من 2% إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي، لتخفيف العبء عن أمريكا التي تصل مساهمتها إلى نحو 70% من إجمالي نفقات الحلف العسكرية.

أوكرانيا تعيد ترتيب الصفوف

وبينما كان الخلاف والانقسام سيد المشهد داخل الحلف، لدرجة أن الرئيس الفرنسي ماكرون كان نادى بتشكيل حلف أوروبي عوضاً عن الناتو بقيادة واشنطن، جاء الغزو الروسي ومعه المرهم الخاص لترميم الروابط داخل الحلف. ووفقاً لجيني رافليك الباحثة في جامعة نانت المختصة في تاريخ الناتو، "مع الغزو الروسي استعاد الناتو مهمته الأصلية، تلك التي لا تسبّب صراعات بين الدول الأعضاء".

ولم يُزِل التهديد الروسي نقاط الخلاف الرئيسية في الرؤى بين الشقين الشرقي والغربي داخل الحلف وحسب، بل ساهم أيضاً في تجاوز مسألة الإنفاق العسكري، بعدما أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز عن رصد ميزانية تصل إلى 100 مليار يورو لقطاع الدفاع، وتعهد بإنفاق 2% من الناتج الإجمالي على الجيش حتى عام 2024، وهو مطلب كانت واشنطن تلح عليه منذ سنوات.

بالتزامن مع الدور المركزي الذي يلعبه الحلف في الأزمة الأوكرانية، وتعهده بحماية كل شبر من أراضي الحلفاء، تراجعت السويد وفنلندا لأول مرة عن رفضهما الانضمام إلى الحلف.

TRT عربي