أعلن تنظيم داعش الإرهابي سنة 2015 عن قبوله بيعة حافظ سعيد خان أوركزاي أميراً لولاية خراسان (وسائل التواصل الاجتماعي)
تابعنا

أعادت تفجيرات مطار كابل والتي أسفرت عن ما لا يقل عن 60 قتيلاً وعشرات الجرحى، الأعين تجاه نشاطات تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة والذي يتحرك هناك تحت فرعه المعروف باسم "تنظيم ولاية خراسان" الإرهابي.

جاءت العمليات الأخيرة بعد توقعات من الإدارة الأمريكية وحكومات أخرى بتحركات هذا التنظيم، والذي أعلن تبنيه العملية بعد تنتفيذها بساعات مؤكداً الشكوك حول نشاطه في المنطقة التي باتت تحت سيطرة طالبان.

يحاول التنظيم الإعلان عن ذاته مرة أخرى في ظل الفراغ الذي تتركه القوات الأمريكية بالمنطقة، فمتى وصل "تنظيم خراسان" الإرهابي إلى أفغانستان؟ وكيف تشكل؟ وما أفكاره ومعتقداته؟ وماذا عن علاقته بحركة طالبان؟

ولادة متأخرة

في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 شنت طائرة أمريكية مُسيرة هجوماً على باكستان، أسفر عن مقتل حكيم الله محسود أمير حركة "طالبان باكستان"، الأمر الذي أظهر خلافات واسعة داخل الحركة، إذ برز وقتها لخلافة محسود 3 أسماء قوية، هم المولوي فضل الله، وسيد خان سجنا، وحافظ سعيد خان أوركزاي، وحُسِم الخلاف ونصِّب المولوي فضل الله أميراً على حركة "طالبان باكستان".

على إثر ذلك، انشقَّ حافظ سعيد خان عن الحركة، وبدأ يقود مجموعته المسلحة في منطقة "أوركزاي" بعيداً عن الجسم العام لحركة طالبان باكستان، إلى جانب بعض المجموعات الأخرى التي انشقت عن طالبان,

وفي منتصف يناير/كانون الثاني 2015، تجمع أمراء عدة مجموعات مسلحة من مناطق قبلية باكستانية ومن داخل أفغانستان في منطقة على الشريط الحدودي بين باكستان وأفغانستان، وبايعوا حافظ سعيد خان أوركزاي أميراً لهم.

وبعد أشهر من ذلك، وفي بونيو/تموز 2015، وصلت البيعة إلى تنظيم داعش الإرهابي، إذ أعلن عنها المتحدث باسم التنظيم المشهور باسم أبي محمد العدناني بعد قبولها من زعيم التنظيم أبي بكر البغدادي، وأطلق عليه اسم "ولاية خراسان"، وهو مصطلح يستخدم لوصف المنطقة الشاسعة التي تضم باكستان وأفغانستان وأجزاء من إيران وأوزبكستان وكزاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان.

وكان الإعلان عن رحيل الملا عمر في 29 يوليو/تموز 2015، بمثابة فرصة كبيرة لتنظيم داعش الإرهابي لاستقطاب المزيد من عناصر طالبان، فمن كانت له بيعة في عنقه للملا عمر أصبحت غير قائمة بعد وفاته، مما أجاز لمن يرغب من عناصر طالبان مبايعة التنظيم والالتحاق بولاية خراسان.

تصادم المشاريع

كانت أول رسالة صوتية عقب تأسيس "ولاية خراسان" من قبل حافظ سعيد خان موجهة إلى عناصر حركتي طالبان باكستان وأفغانستان، قال فيها "إنه جاز لهذه المنظمات أن تعمل في غياب كيان الخلافة بهدف إيجاده، ولكن بقيام الخلافة يجب على الجميع مبايعة أبي بكر البغدادي خليفة للمسلمين، ومن يمت بغير بيعة يمت ميتة جاهلية، ولا يجوز بعد اليوم أن يستمر وجود هذه المنظمات الجهادية في المنطقة، وعليها أن تقدم البيعة والولاء لولاية خراسان".

شكلت هذه الرسالة معالم المرحلة القادمة في العلاقة بين تنظيم ولاية خراسان الإرهابي وحركة طالبان، إذ كان تمدد التنظيم إلى أفغانستان إيذاناً ببداية حرب جديدة بين مشروعين متناقضين تماماً حتى وإن زعم البعض التقاءهما في بعض خطوطهما.

فظهر التباين بين المشروع الطالباني القومي الوطني الهادف إلى إنهاء الاحتلال وإقامة نظام حكم إسلامي محلي، وبين ما يعرف بـ "أممية الجهاد" الذي لا يعترف بالقومية وبالحدود.

وبعد نحو 6 أشهر من تلك الرسالة، حذّرت حركة طالبان الأفغانية زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبي بكر البغدادي من أي محاولة للتمدد في بلادها، وذلك بعد اشتباكات عنيفة في الشرق بين مقاتلي الحركة وآخرين منتمين إلى تنظيم خراسان.

وكتب محمد منصور مساعد زعيم حركة طالبان آنذاك، في رسالة موجّهة للبغدادي "يجب خوض الجهاد ضد الأمريكيين وحلفائهم تحت راية واحدة"، بخاصة أن حركته تتصدر المقاومة ضد القوات الغربية وحلفائها في أفغانستان، مضيفاً "إذا اتخذتم قرارات عن بعد، فستخسرون تأييد العلماء والمجاهدين والأنصار" وهو ما سيدفع "الإمارة الإسلامية في أفغانستان إلى التحرك من أجل الدفاع عن هذه المكتسبات".

يغفل الكثير في هذا السياق، عن الخلاف العقائدي بين الطرفين خاصة أن "العقيدة السلفية" هي الأساس الذي بنى تنظيم داعش الإرهابي تنظيمه ومنهجه عليه، أما حركة طالبان هي نتاج مزاج عقدي صوفي أشعري ماتريدي ينتمي إلى المدرسة الديبوندية التي منشأها الهند.

عل إثر صعود القيادة لحركة طالبان، والتي تجمعها علاقات وثيقة بإيران وباكستان وبعض الدول الخليجية، تحت إمرة الملا أختر منصور الذي سارع الظواهري لبيعته ووضع مقاتليه تحت إمرته، بدأت حربها على التنظيم وضيّقت عليه الخناق في مناطق وجوده، فكانت الاغتيالات والإعدامات والمواجهات بمختلف الأسلحة عنوان مرحلة ما بعد الملا عمر.

في المقابل، قام تنظيم ولاية خراسان بإعدامات جماعية بحق المنتمين لحركة طالبان الذين وصفهم بـ"المرتدين"، حيث بث المكتب الإعلامي له في فترات متفاوتة، إصدارات مرئية وصوراً تظهر ذبح وقتل عدد من مقاتلي طالبان الذين انخرطوا في الحرب عليه.

أين يتمركز تنظيم ولاية خراسان الإرهابي؟

يتمركز تنظيم ولاية خراسان بالأساس في المنطقة القبلية الباكستانية وولاية ننغرهار، وبعض مناطق ولاية كونر، ويبدو أن انتشار الفكر السلفي في شرق أفغانستان الذي يعتبر حاضنة طبيعية له، هيّأ الظروف لانتشاره هناك، وستبقى على العموم حواضن الفكر السلفي أكثر المناطق تعرضاً لانتشار فكر تنظيم داعش الإرهابي فيها.

وحاول التنظيم التوسع في جنوب وجنوب غرب أفغانستان -مثل ولاية هلمند وولاية فراه- وأرسل أحد أهم قياداته الملا عبد الرؤوف خادم وهو نائب الأمير، إلا أنه قُتل بعد أسبوعين من دخوله إلى أفغانستان، ولم يتمكن التنظيم من تثبيت أقدامه في تلك المنطقة رغم أن له فيها مجموعات عدة.

كما وصلت بعض مجموعاته المسلحة -برفقة مقاتلين انضموا إليه من دول آسيا الوسطى- إلى شمال أفغانستان، لكنها لا تسيطر بإحكام على هذه المناطق بما يمكن أن تشكِّل به تهديداً على حركة طالبان.

TRT عربي - وكالات