احتضنت مدينة جدة السعودية خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2021 مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي (Others)
تابعنا

في وقت تشهد فيه عواصم الثقافة العربية، كمصر والعراق وسوريا ولبنان، عديداً من الأزمات والصراعات والانهيارات، انتهزت المملكة العربية السعودية الفرصة لاختراق المجال الذي لطالما كانت مستثناة منه، لتتمكن من التحول إلى قوة ثقافية منافسة في الشرق الأوسط.

ويُعتبر هذا التوجه اللافت الذي بدأت تخطو فيه المملكة خطوات جادة خلال الفترة الأخيرة، أحد أهمّ إرهاصات التحولات الجذرية التي روّجها وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في إطار برنامجه الذي أعلن عنه سابقاً "رؤية 2030"، لتنويع الموارد الغير نفطية في الاقتصاد السعودي، وبناء صناعة ترفيهية جديدة، والانفتاح على بقية الدول والشعوب.

ولضمان نجاح ذلك ضخّت الرياض بسخاءٍ أموالاً ضخمة، لتمويل عديد من الأفلام الجديدة، واستضافت مهرجانات سينمائية، وأتاحت الفرص لتطوير وتدريب كوادر فنية ماهرة.

مع ذلك يرى خبراء ومحللون، أنه ربما لن يكون سهلاً الاختراق السعودي للمجال الثقافي في الشرق الأوسط، لعدة تحديات من أهمها الحساسيات السياسية والدينية والثقافية.

السعودية قطب ثقافي جديد

بعد أن كانت دور السينما محظورة لوقت قريب، وكان الفنانون وصانعو الأفلام يتعرضون للتشديد والمراقبة الكثيبة من الشرطة الدينية، تحتضن السعودية اليوم مهرجانات سينمائية وحفلات فنية كبيرة على أراضيها.

ففي مطلع الشهر الحالي، وبعد مرور نحو أربع سنوات على رفع الحظر عن دور السينما، انتظمت بمدينة جدة فاعليات الدورة الأولى لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، الذي استقبل على السجاد الأحمر أهمّ نجوم العالم في الفن والتمثيل.

وعُرض خلال المهرجان نحو 138فيلماً روائياً وقصيراً من جميع أنحاء العالم، كان من بينها 27 فيلماً سعودي الصنع.

وفي خضمّ الاحتفاء والإشادة بالجهود السعودية المبذولة لتنظيم مهرجان دولي ضخم بهذا المستوى والحجم، أعلن أحد المسؤولين السعوديين، اعتزام المملكة دعم إنتاج أكثر من 100 فيلم بحلول عام 2030، وتمويل عديد من المشاريع الفنية والثقافية الأخرى.

وتمكنت السعودية مؤخراً، في إطار توجهها الجديد إلى احتضان صناعة الأفلام العالمية، من جذب ثلاثة أفلام هوليوودية ذات ميزانيات كبيرة لتصويرها على أراضيها، ووفرت لها الإمكانيات كافة لترويج عديد من المناطق داخلها، التي بقيت سنوات طويلة بعيدة عن الأضواء، ولتصبح بالتالي وجهة منافسة في المنطقة لصناعة الأفلام.

في هذا السياق قال بهاء عبد المجيد، المسؤول في وزارة الاستثمار السعودية، إن "المملكة لديها هدف واحد، هو جعل المملكة العربية السعودية مركزاً جديداً لصناعة الأفلام في المنطقة".

ومن مهرجان البحر الأحمر السينمائي بمدينة جدة، إلى "موسم الرياض 2021" الذي نظمته الهيئة العامة للترفيه في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتنوعت فاعلياته بين العروض الموسيقية والتراث والحفلات والعروض الترفيهية، وحضره فنانون ونجوم من مختلف دول العالم. ولفت الأنظار باعتباره من أضخم المهرجانات، وكانت المملكة تعول عليه لدعم قطاع السياحة وصناعة الترفيه، واستخدام "الأذرع الناعمة" للانفتاح على بقية العالم.

إلا أنه أثار في الوقت ذاته كثيراً من الانتقادات، بخاصة في الأوساط السعودية والعربية والإسلامية. ولعل ذلك من أهمّ التحديات التي على المملكة مواجهتها لتتحول إلى مركز ثقافي في الشرق الأوسط، في ظلّ الفراغ الذي خلّفَته بقية المنارات الثقافية العربية.

تحديات وانتقادات عربية ودولية

يعتقد ناشطون ومحللون أن التوجه الجديد الذي تخوضه السعودية في المجال الثقافي، يُخفي وراءه في الحقيقة محاولات ممنهجة وذكية لتبييض سجلّها المزدحم بانتهاكات حقوق الإنسان، الذي تردد صداه مؤخراً بشكل كبير لدى المجتمع الدولي ووضعها في مأزق حقيقي، وتحت المساءلة القانونية والحقوقية.

وانطلاقاً من هذه التخوفات الحقوقية، جدّد منتجو الأفلام وصناع السينما مخاوفهم، فمن خلال تجربتهم، أُجبروا في كثير من الأحيان على تخفيف طموحاتهم الفنية، من خلال إلغاء التطرق إلى بعض المواضيع، في مقدمتها المواضيع السياسية، بفرض من الممولين الخليجيين.

على مستوى آخر، اعترض ناشطون على المظاهر الغريبة والمستهجنة لهم في بلد يمثّل قبلة للمعتمرين والحجاج، على حد تعبيرهم. واعتبروا أن المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام عن الفاعليات الأخيرة، وفي مقدمتها "موسم الرياض" والعروض السينمائية في مهرجان جدة، التي تجاوزت المحاذير المفروضة سابقاً في السعودية، تحولات تثير الريبة والتوجس تجاه سياسات بن سلمان "الإصلاحية" الجديدة.

أما على الصعيد الفني والثقافي واللوجستي، فاعتبر مختصون أن السعودية تأخرت عقوداً طويلة عن بقية منافسيها في دخول هذا المجال بكل ثقلها، وقد يستغرق بالتالي تحوُّلها إلى قطب ثقافي مدة طويلة، على الرغم من الأموال الضخمة التي تضخّها، وكانت سبقتها في ذلك قطر والإمارات، ولم تحقّق بعدُ ما كانت تخطّط له من اكتساح ثقافي.

وتساءل مختصون في صناعة الأفلام عما إذا كان العرب فعلاً سيشاهدون وسيُقبِلون على الأفلام والإنتاجات السعودية، بعد أن كانت المصرية والسورية وغيرها تكتسح الشاشات لعقود طويلة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً