يعد "تاغنجا" طقساً مغربياً شعبياً لاستسقاء المطر كلما شحّت السماء.  (Fadel Senna/AFP)
تابعنا

تضرب المغرب موجة جفاف هي الأشد منذ 50 سنة، حيث لم يتعدَّ معدل التساقطات بين أول سبتمبر/أيلول ونهاية يناير/كانون الثاني 38.8 ملليمتر، مقابل 106.8 في الفترة ذاتها من السنة خلال وضعية مناخية عادية. في عجز يعادل 53% مقارنة بالسنة الماضية.

ونظراً لهذا الواقع المناخي الصعب تتضاعف معاناة المزارعين، وهم يشهدون زرعهم يبور من شح مياه الري، ويسارعون لبيع مواشيهم مخافة نذرة قد تصيب العلف. فيما تحذر شركات توزيع الماء بالمدن من اضطرابات قد تصيب خدماتها، نظراً لانخفاض منسوب السدود وتدهور الفرشات المائية الجوفية.

في أوقات كهذه، دأب المغاربة على رفع وجوههم للسماء بالدعاء إلى الله طلباً لغيث نافع، وأداء صلاة الاستسقاء وفقاً لما جاءت به السنّة النبوية. إضافة إلى هذا هناك طقوس أخرى شعبية للاستسقاء، أبرزها هو "تاغنجا" القديم قدم وجود الإنسان في هذه الرقعة من العالم.

تاغنجا يا تاغنجا!

كلما انحبس المطر عن أرض المغرب تجد في قراه، كما في الأحياء الشعبية للمدن، جموعاً من الأطفال والنسوة يجوبون المكان، حاملين عروساً من الثوب معلقة على قصبة، يصيحون بأهازيج مثال: "تاغنجا يا تاغنجا.. يا ربي تصب الشتا (المطر)" أو "تاغنجا حلَّت راسها (شعرها) يا ربي تبلَّ خراصها".

هو طقس "تاغنجا" الذي يعد من أبرز الطقوس الشعبية في المغرب لاستسقاء المطر في أوقات الجفاف، والذي ما زال صامداً حتى مع زحف المدينة على العالم القروي. فيما تعود جذوره إلى الحضارة الأمازيغية، حين كان سكان المغرب القدامى يبجلون آلهة أسطورية.

أما في القرى، فيبدأ طقس "تاغنجا" بإقامة الولائم بأضرحة الأولياء الصالحين، حيث يقضي أهالي القرية يومهم في التبرك بالكرامات المفترضة للولي الصالح، ويبتهلون إلى الله أن رفع عنهم محنة الجفاف.

وفي المساء، حال عودتهم إلى بيوتهم، يتجمهرون وسط القرية، آتين ببقرة يتراوح لونها بين الحمرة والصفرة يكون قد جرى اختيارها سابقاً، كما بعروس مصنوعة من الكتان معلقة بقصبة طويلة. حيث يشكلون موكباً تتقدمه البقرة وحامل العروسة، ويبدؤون في طواف مرددين الأهازيج المذكورة نفسها، إلى أن تبول البقرة، فيعد ذلك علامة على قرب هطول الأمطار.

أسطورة عروس "آلهة المطر"

لطقس "تاغنجا" جذور ضاربة في عمق معتقدات سكان المغرب الأولين وأديانهم الوثنية. حيث كانوا يعتقدون بوجود إله "أنزار"، ويقدسونه كحام للطبيعة ومانح للمطر ورب الخصوبة. وكانت الابتهالات توجه إليه خلال فترات الجفاف باسم عروسه "تاغنجا".

وتقول الأسطورة الأمازيغية القديمة بأن "أنزار" لمح "تاغنجا" الشابة الآدمية الحسناء وهي تغتسل في أحد الأنهار، فهام في غرامها وقرر أن يفاتحها في أمر الزواج. غير أن "تاغنجا" كانت تهرب منه في كل مرَّة، وفي أحد المرات نجح في الحديث معها فصدته بعنف متعللة بأنه يهين شرفها بملاحقاته تلك.

غضب "أنزار" من ردها ذاك فأدار خاتمه واختفى، ومعه اختفت مياه النهر، وذبل الزرع وجذبت الأرض. فلما شهدت "تاغنجا" ذلك حزنت، وندمت على تصرفها، فذهبت إلى النهر ونامت في قعره عارية، مقدمة نفسها قرباناً للإله.

لما رأى "أنزار" حالها، حسب ما تقول الأسطورة، حرَّك الخاتم في أصبعه، حيث ظهر فجأة ضوء ساطع قادم من السماء على شكل برق واتجه نحو الفتاة فضمها إليه وانطلق معها إلى الأعلى مجدداً ليُشَكِّلا معاً قوساً. حينها تلبدت السماء بالغيوم، فبدأت الأمطار بالهطول، وعاد صوت المياه للأنهار، و اخضرت السهول و تفتحت الأزهار. ومنذ ذلك الحين تحولت الأسطورة إلى تقليد توارثه الأمازيغ عبر السنين.

TRT عربي