"تراجعت مبيعاتها".. هل أضعفت الحرب في أوكرانيا ثقة العالم بالأسلحة الروسية؟ / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إنه لطالما كانت مبيعات الأسلحة جزءاً مهماً من السياسة الخارجية الروسية، إذ تحل روسيا ثاني أكبر دولة مصدرة للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة. لكن هذه المبيعات كانت بدأت التراجع قبل الحرب في أوكرانيا، ويقول المحللون إن الحرب من المحتمل أن تسرّع هذا الاتجاه.

وحسب مراقبين، أضر أداء روسيا في ساحة المعركة بسمعتها قوةً عسكرية، فضلاً عن أن الضوابط المالية والرقابة على الصادرات، ولا سيّما التكنولوجيا والتقنيات، من الحكومة الأمريكية والحكومات الأوروبية ستجعل من الصعب على الكرملين تقديم نفسه مورداً موثوقاً للأسلحة على المدى الطويل في المستقبل.

وعلى الرغم من ذلك، لا تزال روسيا ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم، وارتفعت مبيعاتها من أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة إلى الصين ومصر، ثاني وثالث أكبر عملائها بعد الهند، بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وفقاً لما نقلته نيويورك تايمز عن معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، المعروف باسم SIPRI.

الثانية عالمياً

منذ أن تولى الرئيس فلاديمير بوتين منصبه في عام 2000، لعب قطاع الصناعات الدفاعية الروسية دوراً رئيسياً في برنامج التحديث العسكري للبلاد، مما مكّن الكرملين من اتباع سياسة خارجية أكثر حزماً في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي وأوروبا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.

بالإضافة إلى ذلك، يوفر قطاع الصناعات الدفاعية في روسيا فرص عمل لأكثر من مليون عامل ويدر إيرادات بالعملة الأجنبية من خلال بيع المعدات العسكرية للعملاء في الخارج.

تُعد روسيا اليوم ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة. ومع ذلك، فهي تحتل المرتبة الأولى في جنوب شرق آسيا. بين عامي 2000 و2021، بلغت قيمة صادرات الأسلحة الروسية إلى المنطقة 10.87 مليار دولار أمريكي، تليها الولايات المتحدة (8.4 مليار دولار أمريكي)، وفرنسا (4.3 مليار دولار أمريكي)، وألمانيا (2.94 مليار دولار أمريكي) والصين (2.9 مليار دولار أمريكي). وفقاً لمعهد ISEAS-Yusof Ishak في سنغافورة.

ويشير المعهد أيضاً إلى أن أهم عملاء الدفاع لروسيا في جنوب شرق آسيا هم فيتنام وميانمار وماليزيا وإندونيسيا. إذ باعت روسيا هذه الدول مجموعة كاملة من المعدات العسكرية (من الطائرات المقاتلة والغواصات إلى الدبابات والأسلحة الصغيرة) بأسعار أرخص من تلك المصنّعة في الولايات المتحدة وأوروبا. بالإضافة إلى ذلك، كانت شركات الدفاع الروسية على استعداد لقبول الدفع الجزئي للسلع، ومتابعة الإنتاج المشترك، وعلى عكس الولايات المتحدة والدول الأوروبية، فإنها لا تأخذ في الاعتبار سجل حقوق الإنسان لدولة ما عند بيع الأسلحة.

علاوة على ذلك، لم تتمكن بعض البلدان، مثل فيتنام وميانمار وكمبوديا ولاوس حتى الآن من شراء أسلحة مصنّعة في الغرب بسبب العقوبات، مما لم يترك لها خياراً سوى الشراء من روسيا أو الصين.

انخفاض ملحوظ

من عام 2017 إلى عام 2021، انخفضت حصة روسيا في سوق تصدير الأسلحة العالمية بنسبة 5% إلى 19%، مقارنة بفترة سنوات الأ{بع السابقة، وفقاً لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI). وانخفضت صادراتها أيضاً بنحو الربع، ويرجع ذلك أساساً إلى انخفاض الطلب من الهند وفيتنام.

من جهته قال سيمون وايزمان، أحد كبار المسؤولين في (SIPRI)، إنه مع اشتداد الحرب في أوكرانيا وزيادة العقوبات ضد روسيا، تتزايد الشكوك بشأن جودة الأسلحة الروسية، فضلاً عن قدرة موسكو على إنتاج أسلحة متطورة وتقديم دعم طويل الأجل للعملاء الذين يشترونها. وتابع قائلاً: "روسيا ليس لديها قاعدة تكنولوجية أو اقتصاد لدعم تطوير أنواع كثيرة من الأسلحة والمكونات الجديدة".

وفي سياق متصل، يقول المحللون إن جنوب شرق آسيا، حيث كانت روسيا تقليدياً أكبر مورد للأسلحة، هي دراسة حالة مفيدة في احتمالات تراجع الكرملين مصدّراً للأسلحة. فمن عام 2017 إلى عام 2021، تفوقت كوريا الجنوبية على روسيا وأصبحت أكبر مورد للأسلحة في المنطقة، إذ قدمت 18% من واردات المنطقة من الأسلحة، وفقاً لبيانات SIPRI.

وحسب وايزمان، فإنه بالنسبة إلى عديد من دول جنوب شرق آسيا، تعتبر الولايات المتحدة مورداً جذاباً للأسلحة بشكل متزايد لأنها تربط مشتريات الأسلحة بالدعم العسكري أو الدبلوماسي ضد الصين. وأضاف أن عديداً من موردي الأسلحة الأوروبيين أبدوا استعداداً لمساعدة دول المنطقة على تطوير صناعات الأسلحة وقدراتهم الخاصة، في بعض الحالات من خلال نقل التكنولوجيا.

دور الحرب الأوكرانية

حسب معهد ISEAS، فإنه على عكس توقعات المحللين الغربيين، وربما الكرملين نفسه، سارت الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا حتى الآن بشكل سيء. في المراحل الأولى من الصراع، فشلت القوات المسلحة الروسية في الاستيلاء على العاصمة كييف واستبدال نظام موالٍ لموسكو بحكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي. كما لم تتمكن القوات الجوية الروسية من تدمير الدفاعات الجوية الأوكرانية واكتساب التفوق الجوي. فيما اكتسبت حكومة زيلينسكي تفوقاً في حرب المعلومات، وجرى تدمير الدبابات والمدرعات والشاحنات الروسية بأعداد كبيرة.

وتوقع المعهد أن فترة ما بعد الحرب ستؤثر بشكل سلبي على مبيعات الأسلحة الروسية، لا سيّما في جنوب شرق آسيا. ويرجع السبب في ذلك إلى فرض عقوبات أكثر صرامة وضوابط التصدير من قبل عدد من البلدان، والأضرار التي تلحق بالسمعة بسبب ضعف الأداء في الميدان للقوات المسلحة الروسية في أوكرانيا، وحاجتها إلى تعويض الخسائر في ساحة المعركة.

وإلى جانب العقوبات واسعة النطاق التي تمنع وصول روسيا إلى التقنيات الغربية، فقد شددت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا أيضاً العقوبات المفروضة على البنوك الروسية، واستبعدتها من شبكة الدفع الدولية (SWIFT)، التي من شأنها أن تصّعب إجراء معاملات مالية بين شركات الأسلحة الروسية وعملائها في الخارج.

وبالإضافة إلى الخوف من تعرض لعقوبات "كاتسا" الأمريكية، قال جون باراتشيني، كبير الباحثين الدفاعيين في مؤسسة RAND، إن لتجنب شراء الأسلحة الروسية سببا آخر هو الإشارة إلى موقف محايد من الهجوم على أوكرانيا.

TRT عربي