معاهدة قارص مكّنت تركيا من استعادة أراضيها المحتلة وأكّدت سيادة أذربيجان على إقليم نخجوان مع منحه حكماً ذاتياً (وسائل إعلام تركية)
تابعنا

في ظل تقارب غير مسبوق تشهده العلاقات التركية-الأذربيجانية، وبالتزامن مع زيارة يجريها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أذربيجان، وقّع الأخير مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف على وثيقة سُميّت بـ"إعلان شوشة"، نسبة إلى المدينة الأذربيجانية العريقة الواقعة في إقليم قره باغ والتي حُررت مؤخراً من الاحتلال الأرميني.

وبينما أكد أردوغان أن "إعلان شوشة" حدّد خارطة طريق للمرحلة الجديدة في العلاقات بين تركيا وأذربيجان، ربط علييف "اتفاق الصداقة" الحديث بمعاهدة قديمة وُقّعَت قبل مئة عام، بين تركيا من جانب وجمهوريات أذربيجان وأرمينيا وجورجيا السوفييتية (حينها) من جانب آخر، هي معاهدة قارص.

ماذا نعرف عن معاهدة قارص؟

معاهدة قارص هي اتفاقية صداقة تتألف من 20 مادة وملحقاتها، وُقّعَت في مدينة قارص شرقي تركيا، في أكتوبر/تشرين الأول 1921، بين المجلس الوطني التركي الكبير الذي أعلن لاحقاً الجمهورية التركية، وجمهوريات جنوب القوقاز السوفييتية حينها (أذربيجان وأرمينيا وجورجيا)، بالإضافة إلى روسيا البلشفية.

وتحمل المعاهدة أهمية معنوية ومادية كبيرة لكل من تركيا وأذربيجان، إذ استطاعت الأولى بموجبها استعادة أراضيها الشرقية التي احتُلّت خلال الحرب التركية-الروسية (1877-1878)، والحرب العالمية الأولى وما حدث إبّانها من تمردات أرمنية.

وفتحت المعاهدة الباب أمام ترسيم الحدود البرية بين تركيا وأرمينيا، إذ حُدّد نهرا أخوريان (أرباتشي) وأراس، حدّاً فاصلاً بين الدولتين، واستعادت تركيا بذلك أراضي إقليم قارص الذي يشمل مدن قارص وأردهان وأوتي وبحيرة جايلدير وتلال آني، بالإضافة إلى مناطق ومدن أخرى مثل إغدير وممر أراس ومناجم الملح وغيرها من المناطق التي انتُزِعت من الدولة العثمانية في فترات مختلفة.

أمّا أذربيجان، فقد نصّت المادة الخامسة من المعاهدة على أن تصبح منطقة نخجوان منطقة حكم ذاتي خاضعة للحماية الأذربيجانية، وسُمِح بإنشاء جمهورية سوفييتية في المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي والتابعة لأذربيجان، بمشاركة حدود طولها 18 كلم مع ممر أراس الخاضع للسيادة التركية، وبذلك مكّنت المعاهدة من إيجاد اتصال بري بين تركيا وأذربيجان.

معاهدة قارص وُقِّعت عام 1921 بين تركيا وجمهوريات جنوب القوقاز التي كانت خاضعة حينها للحكم السوفييتي (وزارة الخارجية التركية)

محاولات المراوغة

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، سعى الاتحاد السوفييتي لإلغاء معاهدة قارص واستعادة الأراضي التي كانت تحتلها روسيا قبل توقيع المعاهدة.

وفي يونيو/حزيران 1945، تحرّك وزير الخارجية السوفييتي فياجسلاف مولوتوف بإيعاز من اللوبيهات الأرمنية في الخارج، واستدعى السفير التركي في موسكو، ليخبره أن محافظات قارص وأردهان وأرتوين تجب "إعادتها إلى الاتحاد السوفيتي، لتصبح تابعة لجمهوريتي جورجيا وأرمينيا".

تركيا في المقابل أصرّت على التمسُّك بمعاهدة قارص، وخاضت معركة دبلوماسية على الرغم من غياب الدعم الأمريكي حينها، إذ لم يقف في صف تركيا سوى بريطانيا التي خشى رئيس وزرائها ونستون تشرشل زيادة النفوذ السوفيتي في المنطقة، فيما شعر الرئيس الأمريكي هاري ترومان أن الأمر ليس مهماً لأحد سوى الروس والأتراك.

وبعد شد وجذب، استقر الأمر على قبول معاهدة قارص والتزام جميع الأطراف بنودها، في نصر مادي ومعنوي للدبلوماسية التركية.

تاريخ متصل

وبعد مئة عام من إبرام معاهدة قارص التي عادت بكثير من النفع على تركيا وأذربيجان، وقّع البلدان "إعلان شوشة" ليكون فاتحة مرحلة جديدة في علاقات الأخوة والصداقة بين البلدين.

ويُعَدّ الإعلان وثيقة تعاون سياسي واقتصادي وعسكري بين الجانبين، ووفقاً لما يؤكده نصها، فإن "التعاون العسكري والسياسي بين البلدين بما يتماشى مع مصالحهما، ليس موجَّهاً ضد دول أخرى".

وشدّد الإعلان على أنه في حالة تعرُّض استقلال أو وحدة أراضي أي من البلدين لتهديد أو اعتداء من دولة ثالثة، فإن كلا الطرفين سيقدم المساعدة للآخر.

وثمّنت أذربيجان دعم تركيا في إنهاء الاحتلال الأرميني الذي استمر طوال 30 عاماً، مؤكدة أهمية الدور الذي يلعبه إسهام تركيا في أنشطة المركز المشترك التركي-الروسي في الأراضي المحررة من الاحتلال.

وأضاف الإعلان: "تركيا وأذربيجان تقيّمان جميع جوانب آفاق توسيع العلاقات الثنائية وتعميقها".

كما أكد إعلان شوشة أن افتتاح ممر زنغزور الذي يربط بين تركيا وأذربيجان ومشروع خط سكة حديد نخجوان-قارص، سيساهمان في تعزيز العلاقات الثنائية.

من جانبه أكّد أردوغان أن تركيا تتابع من كثب جهود إعادة إعمار المدن المحررة من الاحتلال الأرميني في إقليم قره باغ، وأوضح أن أعمال إنشاء الطرقات ومحطات الطاقة وإيصال المياه إلى المنطقة جارية على قدم وساق، لافتاً إلى قرب افتتاح المطارات فيها.

بدوره اعتبر علييف أن العلاقات بين بلاده وتركيا بلغت أعلى مستوياتها مع إعلان "شوشة"، مضيفاً أن العلاقات الأذربيجانية-التركية "تعد مثلاً يُحتذى على مستوى العالم".

ولفت الرئيس الأذربيجاني إلى إخلاصهم لأجدادهم لدى التوقيع على "إعلان التحالف" في شوشة، إذ إنه يحمل إشارة إلى معاهدة قارص التاريخية التي أُبرِمت قبل قرن من الزمان.

كما أعرب عن شكره تركيا "لدعمها الكبير" ووقوفها إلى جانب بلاده منذ الساعات الأولى من الحرب في إقليم قره باغ.

وفي 27 سبتمبر/أيلول الماضي، أطلق الجيش الأذربيجاني عملية لتحرير أراضيه المحتلة في إقليم قره باغ، عقب هجوم شنه الجيش الأرميني على مناطق مدنية مأهولة.

وبعد معارك ضارية استمرت 44 يوماً، أعلنت روسيا في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، توصّل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ينصّ على استعادة باكو السيطرة على محافظات محتلة، منها مدينة شوشة العريقة.

TRT عربي - وكالات