تغيير أبجديات الحروف في العالم التركي.. خطوة استراتيجية تعزز التعاون (AA)
تابعنا

تستكمل الجمهوريات التركية الواقعة في آسيا الوسطى عملية الانتقال من الأبجدية السيريلية إلى الأبجدية اللاتينية بشكل متسارع، وذلك ضمن مساعيها المستمرة لتحقيق خطوات استراتيجية ملموسة من أجل تعزيز التعاون الثقافي والسياسي والتجاري ضمن نطاق المجلس التركي، الذي يسعى لتعزيز نفوذه إقليمياً ودولياً.

فخلال فترة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، أنشأ الروس أبجدية سيريلية مختلفة لكل قبيلة تركية في جمهوريات آسيا الوسطى، كان الهدف منها تعطيل اتصالات العالم التركي في مجالات مثل اللغة والأدب والتجارة والاقتصاد.

وما أن نالت الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى استقلالها عن الاتحاد السوفياتي عام 1991، حتى باشرت في تغيير الأبجدية خطوة بخطوة، من السيريلية إلى اللاتينية، فضلاً عن الجهود المبذولة لإعادة إحياء لغاتهم التركية من خلال استخدامها كلغة رسمية رئيسية في البلاد.

وبينما كانت أوزبكستان آخر جمهورية تركية قامت بإجراء تغيير كبير في الأبجدية، ظلت قيرغيزستان الدولة الوحيدة بين الجمهوريات التركية التي لم تغير أبجديتها بعد.

أبجديات الجمهوريات التركية

اليوم تحتوي أبجدية أذربيجان على 32 حرفاً لاتينياً من أصل 34 حرفاً يتم استخدامها. كما تحولت كل من تركمانستان وأوزبكستان في عام 1993 إلى الأبجدية اللاتينية. وتواصلت التحسينات لغاية الآونة الأخيرة في جمهورية أوزبكستان التي قررت استخدام الأبجدية اللاتينية في كل مرحلة من مراحل الحياة الرسمية والشعبية، وذلك بعد التعميم الذي أصدره رئيس الدولة، شوكت ميرزاييف، لمؤسسات الدولة باستخدام اللغة الأوزبكية والأحرف اللاتينية في كتابة أسماء الأماكن والطرق والمؤسسات والوثائق الرسمية بدءاً من 1 أغسطس/آب الجاري.

وتعمل كازاخستان على تغيير الأبجدية منذ مدة طويلة. ففي عام 2017 قررت التحول تدريجياً إلى الأبجدية اللاتينية، لكن الأبجدية المعدلة تعرضت للنقد، وبقيت غير مفعلة إلى أن تم تعديلها وأدخلت حيز الاستخدام في 28 يناير/كانون الثاني 2021.

وبينما يستخدم أتراك القرم وأتراك غاغوز الأبجدية اللاتينية، يستخدم الأتراك العراقيون أيضاً الأبجدية اللاتينية الخاصة بجمهورية تركيا بدلاً من الأبجدية العربية في بعض المنشورات.

وفي الوقت نفسه، هناك أتراك تبلغ أعدادهم ما بين 30 و35 مليوناً في إيران، و15-20 مليوناً في تركستان الشرقية، و3-4 ملايين في أفغانستان، جميعهم مستمرون في استخدام الحروف العربية.

محاولات تغيير مستمرة منذ عام 1991

منذ عام 1991 دخل العالم التركي في عملية تجديد واسعة، حيث تم إضافة 5 جمهوريات تركية مستقلة في آسيا الوسطى إلى تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية، ليظهر بعدها بسنوات ما سمي بالمجلس التركي الذي ضم 7 جمهوريات، كان على جدول أعمال معظمها تغيير أبجدياتها إلى اللاتينية منذ اليوم الأول من نيلها الاستقلال.

وفي هذا الصدد، نظم معهد الدراسات التركية بجامعة مرمرة "ندوة الحروف الأبجدية التركية المعاصرة" في إسطنبول في 18-20 نوفمبر/تشرين الثاني 1991، من أجل الدفع بعجلة التغيير باتجاه الأبجدية اللاتينية. وفي الإعلان الختامي للمؤتمر، الذي حضره العديد من علماء اللغات القادمين من العالم التركي، تم التوصية بإطار أبجدي مشترك مكون من 34 حرفاً يعتمد على الحروف اللاتينية للجمهوريات الجديدة.

وتعليقاً على هذه المساعي المستمرة، أكد البروفيسور المتقاعد أحمد بيجان إرجيلاسون الذي تحدث لموقع (TRT Haber)، أن قضية الأبجدية التي خلص إليها مؤتمر إسطنبول، كانت فعالة للغاية على الرغم من أنها كانت مجرد توصية، حيث إنه بعد حوالي شهر واحد قرر البرلمان الأذربيجاني الذي اجتمع في 25 ديسمبر/كانون الأول 1991 التحول إلى الأبجدية اللاتينية.

يذكر أنه في عام 1927 خلال الحقبة السوفيتية، كان هناك أبجدية مشتركة تسمى بـ"الأبجدية التركية الموحدة" تعتمد على الأحرف اللاتينية تستخدمها جمهوريات آسيا الوسطى، إلا أن الزعيم السوفييتي ستالين أوقف تداولها بين عامي 1937 و1938 وأجبر أتراك الجمهوريات التركية على التحول إلى الأبجدية السيريلية، الأبجدية الوطنية للروس.

استقلال ثقافي وسياسي

يعد استخدام الأبجدية التركية القائمة على اللاتينية في العالم التركي خطوة مهمة للغاية بالنسبة إلى الأتراك كافة، حيث يرى البروفيسور إرجيلاسون أن التحول من السيريلية إلى اللاتينية يعد رمزاً للاستقلال الثقافي، فضلاً عن الاستقلال السياسي بالنسبة إلى الجمهوريات التركية التي نالت استقلالها وغادرت الاتحاد السوفييتي.

وبحسب البروفيسور إرجيلاسون، فإن الأهمية الأولى لتغيير الأبجدية تكمن في التحرر من الهيمنة الروسية والانفتاح على العالم أجمع، فبينما تمثل الأبجدية السيريلية، التي فُرضت على الأتراك تحت الإكراه في عهد ستالين، اعتماداً على روسيا، فإن الأبجدية اللاتينية تمثل الانفتاح على العالم الحر والمتحضر.

والأهمية الثانية تتمثل في الرغبة في التقارب والتعاون في العالم التركي من خلال استخدام الأبجدية المشتركة ليس فقط في المجتمعات التركية في الجمهوريات 7، بل أيضاً في دول ومناطق أخرى مثل القرم وبلغاريا ومقدونيا الشمالية وكوسوفو وتراقيا الغربية والعراق وسوريا، خصوصاً بعد فترة طويلة من استخدام الأبجدية السيريلية التي جعلت التواصل في العالم التركي صعباً.

TRT عربي