زيلينسكي: أوكرانيا تستعيد أكثر من 30 مستوطنة في منطقة خاركيف. (AA)
تابعنا

خلال كلمته إلى الشعب الأوكراني بمناسبة مرور 200 يوم على بدء الحرب في أوكرانيا، شكر زيلينسكي القوات الأوكرانية التي "حرّرت مئات من مدننا وبلداتنا... ومؤخراً بالاكليا وإيزيوم وكوبيانسك"، في إشارة إلى ثلاث مناطق استراتيجية استعادها في الآونة الأخيرة الجيش الأوكراني في هجومه على مناطق في الشمال الشرقي.

دخول القوات الأوكرانية مدينة إيزيوم يوم السبت، لا يعتبر مجرد انتصار عسكري غير متوقع، لأن المدينة تُعتبر مركزاً لوجستياً مهمّاً للقوات الروسية التي كانت تتمدد في الشمال الشرقي، بل هو أيضاً علامة على أن الحرب في أوكرانيا قد تدخل مرحلة جديدة، تتدافع فيها القوات الروسية للاحتفاظ بالأراضي التي استولت عليها خلال الأشهر الستة الماضية.

ومن شأن الهجوم الأوكراني المضادّ بمنطقة خاركيف، الذي تقول المصادر الغربية إنه مكّن كييف من استعادة 3 آلاف كيلومتر مربع من أراضيها المحتلة، أن يغيّر مسار الحرب تماماً، سواء لصالح أوكرانيا التي استمدت جرعات معنوية كبيرة، أو لروسيا التي قد تستثمر تراجعها وتحوله إلى فخّ وذريعة لتكثيف هجومها.

تقدُّم غير متوقع

بعد خمسة أيام فقط من بدء القوات الأوكرانية هجوماً جديداً هو الأكثر طموحاً منذ بدء الحرب الأوكرانية في أواخر فبراير/شباط الماضي، باتجاه الشرق عبر منطقة خاركيف، أُجبرت القوات الروسية على الانسحاب من المدينة الشرقية الاستراتيجية، فيما تُظهِر صور الفيديو والأقمار الصناعية التي حددتها شبكة "CNN" جغرافياً أن التقدم شمل هجمات متواصلة على مواقع القيادة ومخازن الذخيرة واحتياطيات الوقود بعيداً عن الخطوط الأمامية.

وفي حال تَمكَّن الأوكرانيون من فرض سيطرتهم على إقليم خاركيف، تحديداً مدينة خاركيف ثاني أكبر مدن أوكرانيا سكانياً وصناعياً، ستضعف سيطرة روسيا على مناطق شمال شرق أوكرانيا، كما ستشهد القوات الروسية أسوأ تراجع لها منذ أُجبرت على الانسحاب من العاصمة كييف في مارس/آذار الماضي.

من جهته قال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف السبت، إن حلفاء أوكرانيا "دهِشون" من النجاحات الأخيرة التي حققها الجيش الأوكراني.

وفي حديثه في نهاية اجتماع لمجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية في قاعدة رامشتاين الجوية بألمانيا، قال ريزنيكوف إن "شركاء أوكرانيا دهِشون إيجابياً من ديناميكيات أنشطة قواتنا" جنوبيّ وشرقيّ البلاد.

في المقابل سارعت روسيا إلى إرسال تعزيزات عسكرية إلى المنطقة وباشرت بحملة قصف مدفعي وجوي عنيف استهدف البنية التحتية في المناطق التي استعادها الأوكرانيون. وتناقل الإعلام الروسي الأحد تصريحات المتحدث باسم وزارة الدفاع إيغور كوناشينكوف التي تجاهلت إلى حد كبير ما جاء في البيانات الأوكرانية، وقالت إن القوات الأوكرانية تكبدت خسائر على محورَي الجنوب وشمال الشرق بلغت 4 آلاف قتيل و8 آلاف جريح، من 6 إلى 10 سبتمبر/أيلول الجاري.

أبرز الأسباب

نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مسؤولون أمريكيين قولهم إن الفضل في مكاسب أوكرانيا الأخيرة يرجع إلى زيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة، وبينما يُعتقد أن نجاح الهجوم الأوكراني بمنطقة خاركيف يعود بشكل كبير إلى الدعم الاستخباراتي والتقني والتخطيطي الغربي، فإن المساعدات العسكرية الغربية، بالأخصّ المدفعية الدقيقة بعيدة المدى، مكّنَت الأوكرانيين من استعادة بعض الأراضي المحتلة.

فيما رجح الباحث في المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الاستراتيجية ميكولا بيليسكوف، الذي تحدث لموقع Euromaidanpress، أن السبب الرئيسي وراء كسر الدفاع الروسي بهذه السرعة، أن الروس كانوا يفتقرون إلى عدد كبير من القوات على طول جبهة تبلغ 1300 كيلومتر. وأضاف: "على الأرجح كان لدى الروس مستوى دفاع واحد فقط شمال بالاكليا، وقوات دفاع الروسيين هناك تتكون أساساً من فرق الاستجابة السريعة غير المتخصصة في الحرب العامة، بل في قمع أعمال الاحتجاجات".

وفي حين لم يكن لدى روسيا دفاع متعدد المستويات ولديها قوات ضعيفة للغاية في خط المواجهة في مناطق خاركيف، لدخولها الحرب في ما يتراوح بين 200 ألف و250 ألف جندي روسي مقابل نحو مليون جندي أوكراني، فإن خدعة أوكرانيا أنها تستعد لشن هجوم في يوليو/تموز لتحرير خيرسون جنوبيّ البلاد، دفعت موسكو إلى إرسال وتعزيز قواتها في الجنوب تاركةً مهمة الدفاع عن الشمال الشرقي لعدد قليل من القوات.

هل تستثمر روسيا تراجعها في خاركيف؟

عقب الضغوط المتزايدة التي تعرضت لها كييف من الدول الغربية بعد فشلها في تحويل مليارات الدولارات من الدعم العسكري إلى مكاسب عسكرية على الأرض، نجحت القوات الأوكرانية في تحقيق انتصار سريع وخاطف في الشمال الشرقي، وتحول إقليم خاركيف فجأة إلى بؤرة للأحداث، تزامناً مع تصاعد غضب القوميين الروس الذي طالبوا بوتين الأحد بإجراء تغييرات صارمة وفورية لتحقيق نصر سريع ونهائي في الحرب الدائرة منذ أكثر من 6 أشهُر، حسب موقع يورو نيوز.

وبينما يمنح الانتصار مخزوناً معنوياً كبيراً للقوات الأوكرانية ويدفعها إلى الخروج من تحت مظلة أنظمة الدفاع الجوي التي تحميهم من القصف الجوي الروسي، فإنه بالمقابل سيزيد رغبة الروس في الانتقام ويمنح بوتين الفرصة لزيادة أعداد قواته من خلال استغلال غضب الروس القوميين، خصوصاً أن خاركيف لا تبعد كثيراً عن الحدود الروسية.

وفي الوقت الذي قال فيه الإعلام الروسي إن رئيس الشيشان رمضان قديروف أعلن إتمام تشكيل 3 كتائب تضمّ كل منها 560 عسكرياً، وفوج آخر يضم 1500 مقاتل مستعد لتنفيذ أي مهمة قتالية لدعم موسكو من أجل استعادة إقليم خاركيف، قال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف إن بلاده بحاجة إلى أنظمة دفاع جوي عاجلاً لتأمين الأراضي المستعادة من هجوم مضادّ روسي محتمَل على خطوط الإمداد الأوكرانية التي توسعت، لأن تقدم القوات الأوكرانية السريع من شأنه إخراجها ولو جزئياً من تحت حماية الدروع الجوية المكثفة التي بنتها كييف بدعم غربي في مواجهة التفوق الروسي الجوي.

وفي حديث له مع صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، لفت الوزير ريزنيكوف أيضاً إلى أن القوات الروسية يمكنها تطويق ومحاصرة القوات الأوكرانية في حال تقدُّمها أكثر، الأمر الذي قد يحوّل الهجوم الأوكراني في منطقة خاركيف إلى فخّ روسي محتمَل.

TRT عربي