مظاهرة المسيرة الخضراء التي نظمتها حكومة المغرب في نوفمبر 1975 للضغط على إسپانيا لتسليمها إقليم الصحراء (Alain Nogues/Getty Images)
تابعنا

أعلنت الخارجية الجزائرية، الثلاثاء 24 أغسطس/آب، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، نظراً لما اتهم به وزير خارجيتها، رمطان عمامرة، المملكة الجارة من "نشاطات عدائية تستهدف أمن وسلم الجزائر". لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها العلاقات بين البلدين لهذا الحد من التصعيد، وليس سابقةً قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما.

فإذا ما عدنا إلى تاريخ 7 مارس/آذار 1976، نجدها مرت بالمحك العسير ذاته، حين أعلن المغرب القطيعة من جانبه رداً على ما اعتبره وقتها مواقف جزائرية "معادية لوحدته الترابية".

اندلاع أزمة الصحراء

بداية السبعينيات، وكل الأراضي المغاربية وقتها حازت استقلالها من الاستعمار، إلا منطقة إقليم الصحراء التي كانت لاتزال ترزح تحت الاحتلال الإسباني الذي أتم السنوات التسعين من وجوده فيها. وقتها كل ما كان يهم قيادات المنطقة هو دحر ذلك الاحتلال عن تلك الأرض، حتى سلطات الجزائر وقتها، وعلى لسان رئيسها آنذاك، الهواري بومدين، قال في خطاب له: "سواء أصبحت مغربية أو موريتانية، سواء ذهب جزء منها إلى المغرب وآخر إلى موريتانيا، الشيء المهم بالنسبة لنا هو أن تصبح الصحراء عربية ومسلمة مرة أخرى".

لكن سرعان ما سيتغير هذا الموقف، عندما قرر المغرب استرجاع تلك الأراضي عبر مسيرة خضراء دعا إليها الملك الحسن الثاني في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1975. حيث توجه حوالي 350 ألفاً من المغاربة العزل جنوباً نحو تلك الأقاليم لإحراج المحتل الإسباني إذا ما أراد ارتكاب مجزرة. هذه الخطوة ستجبر كلاً من إسبانيا والمغرب وموريتانيا على الجلوس على طاولة المفاوضات، والخروج بـ"اتفاقية مدريد" التي بموجبها وضعت إسبانيا حداً لمسؤولياتها وسلطاتها كقوة إدارية على الأراضي المذكورة. وانتقلت إدارة الأراضي مناصفة بين المغرب وموريتانيا.

في ذلك الوقت، تحول الموقف الجزائري وفق ما صرح به الرئيس بومدين لصحيفة “لومانيتي” الفرنسية بأن "عودة الصحراء إلى المغرب تعتبر تهديداً للثورة الجزائرية".

تهديدات الحرب وقطيعة 1976

سنة 1976، ومع بداية تنفيذ ما جاءت به "اتفاقية مدريد" أخذت الأمور في التسارع، وتقدم الجيش المغربي نحو الصحراء شمالاً والجيش الموريتاني من الجنوب، اندلعت بينهما وبين مسلحي "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" اشتباكات عنيفة. خلالها كانت الجزائر، وعبر رئيسها وخطابها الرسمي تتعهد بأن جيشها لن يخوض أبداً تلك "الحرب بين الأشقاء".

وصولاً إلى يناير/كانون الثاني 1976، اشتبكت القوات المسلحة المغربية مع مسلحين في منطقة أمغالا جنوب مدينة السمارة. بدى لأول وهلة أنه اشتباك روتيني رغم شراسته، ليعلن بعدها الجيش المغربي أنه أسر خلاله 101 جندي من الجيش الجزائري برتب مختلفة، كما غنم عدداً من القطع المدفعية والمدرعات والدبابات.

نفت الجزائر وقتها ما أعلن عنه المغرب، قائلة بأن الجيش المغربي نصب كميناً لقافلة تائهة في الصحراء، كانت تنقل مساعدات لـ"الصحراويين المحاصرين من طرف القوات المغربية". وبعث وقتها الرئيس الجزائري هواري بومدين رسائل لدول العالم قائلاً: "إن الجزائر مع حق تقرير المصير لإخوانهم وجيرانهم من الصحراء الغربية، الذين واجهوا ما وصل إلى درجة الإبادة الجماعية".

دافع المغرب بأن الوجود العسكري الجزائري غير مبرر، كون المنطقة التي رصد فيها تبعد بـ200 كيلومتر عن الحدود الجزائرية، وبعث وقتها الحسن الثاني رسالة إلى بومدين يقول: "من أجل شرف بلادكم وشعبكم اللذين تطبعهما كثير من النعوت التاريخية، أناشدكم أن تجنبوا المغرب والجزائر مأساة أخرى، وأطلب منكم كذلك إما أن تعملوا بحرب مكشوفة ومعلنة جهاراً، وإما بسلام مضمون دولياً". كما عرفت نتيجة هذه التطورات، في 7 مارس/ آذار 1976، إعلان المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع الجزائر، بعد أن أعلنت سابقاً من على أراضيها قيام "جمهورية الصحراء الغربية".

انطلاقاً من هذه السنة، أغلقت كل أبواب الاتصال والحوار بين البلدين، غير أنه بدأ الحديث في السنة الموالية عن اتصالات سرية بين الملك الحسن الثاني والرئيس الجزائري هواري بومدين، كادت أن تتوج بلقاءات بين الزعيمين، غير أن وفاة الرئيس الجزائري، عطلت كل شيء، وظل الجمود هو المسيطر على الموقف طوال فترة الرئيس الذي خلفه، الشاذلي بن جديد، إلى أن عادت العلاقات في عام 1988.

TRT عربي