تابعنا
صاحَب تعيين أول مأذونة مصرية سنة 2008 ضجة إعلامية كبيرة، بسبب قصر هذه المهنة على الرجال في العرف السائد. وفاء قطب قرّرت خوص غمار هذه المهنة رغم ذلك، وإثبات ذاتها فيها.

القاهرة ــــ بمجرد سماع مصطلح مأذون يخطر على الأذهان أن ثمة رجلا في العقد الثالث وربما الرابع من العمر، مرتديا عباءة وقفطان متحدثا طوال الوقت باللغة العربية الفصحى.

هذه صورةٌ نمطية عن المأذون سرعان ما تغيرت بعد أن قررت السيدات اقتحام هذه المهنة التي كانت مقتصرة على الرجال حتى نهاية العام 2008، خاصةً بعد تعيين أول مأذونة مصرية وهي أمل سليمان عام 2008، والتي صاحب تعيينها ضجة إعلامية كبيرة كونها أول سيدة تمتهن هذه الوظيفة، وكان العرف السائد هو قصر هذه المهنة على الرجال فقط رغم أن القانون لا يشترط جنساً معين.

فمثلما أثار قرار الموافقة على امتهان المرأة مهنة المأذون الشرعي حفيظة البعض معتبرين أنها مهنة خاصة بالرجال، أثار القرار أيضا حماس وفاء قطب ذات 32 عاما الحاصلة على ليسانس الحقوق عام 2006، وماجستير في القانون عام 2008، بأن تُقدم على تحقيق حلمها بالتقدم الى مهنة المأذون في العام 2009 بعد مرور عام على دخول أول امرأة على المهنة.

تقول وفاء لـTRT عربي: "تقدمتُ بأوراقي بعد فتح باب الترشح لمهنة مأذون في 2009 بعد وفاة الشيخ إبراهيم المصري مأذون محافظة الإسماعيلية والتي تبعد عن القاهرة العاصمة نحو 120 كيلومتر، وهو ما ترتب عليه أن أصبحت المأذونية خالية، وكنت ضمن 32 متقدما، وانطبقت عليّ شروط الوظيفة، وصدر القرار من محكمة الإسماعيلية بتعييني مأذونة، وتم التصديق عليه من وزير العدل المصري".

بذلك أصبحت وفاء أصغر مأذونة في مصر وأول مأذونة بمدن القناة.

البدايات..

تطلعنا وفاء على السعادة التي غمرتها فور علمها بالموافقة على قرار التعيين في العام 2010. تقول: "كنت حينها أعمل معاوناً قضائياً بمحكمة الإسماعيلية، لن أتردد للحظة في قرار تقديم استقالتي من مهنتي والبدء في مهنة المأذون التي لطالما حلمت بها".

لم تتوقع وفاء هذا الكم من الدعم والترحاب من قبل أسرتها وأصدقائها بعد إبلاغهم برغبتها أن تعمل مأذونة بدلا من أن تكمل حياتها المهنية في وظيفة حكومية ثابتة بإمكان المئات غيرها العمل فيها، دون أن يطرأ أي تغيير في حياتهم.

عملت وفاء طوال الأعوام الماضية أن تترك بصمة تميزها في جميع عقود القران التي أتممتها، حافظت على أن تهدي العروس يوم زفافها باقة من الورود المميزة كي تترك أثراً جميل في نفسها وذاكرتها.

تكسير الصور النمطية

وفيما يخص الزي المتعارف عليه للمأذون أوضحت أن هذا الزي لم يذكر في الكتب السماوية أو كتب السنة، ولكن من وضعها هم الناس والمأذونين السابقين الذين امتهنوا المهنة، وارتأت أنه بالإمكان تغييره، وترى أن ملابسها الفضفاضة المنمقة ذات الألوان المقبولة لن تضر أي شخص ولم تكن لافتة للنظر.

لم تكتفِ قطب بأن تكون مأذونةً وحسب، فقد عملت على تطوير عملها واكتساب مهارات جديدة تؤهلها للتميز في مهنتها عن غيرها، خضعت لدورات تدريبية في الإرشاد الأسري والنفسي حتى يمكنها التعامل مع مختلف الشخصيات التي تقابلها بشكل دوري من خلال عملها بشكل أفضل، وما شجعها على ذلك اكتشافها لمهارتها في محاولات التهدئة التي كانت تحاول من خلالها أن تثني الأزواج عن قرار الانفصال الذين قابلتهم في السابق، فوجدت أن لديها ملكة خاصة في الإقناع ومنذ ذلك الحين رأت أنه يتوجب عليها تطوير مهارتها في هذا الأمر بالتدريب والدراسة المعمقة بشكل أفضل.

بدأت وفاء إذن بنشر حملات التوعية بشكل مبسط وسلس من صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم بادرت بعمل ندوات عامة في عدد من المكتبات العامة بمحافظة الإسماعيلية لتوعية الأزواج بالحياة الاسرية وكيفية حل المشكلات. وفوجئت حينها بنسب عالية من الحضور من قبل الأزواج الذين أبدوا رغبتهم في تنظيم المزيد من الندوات بين الحين والآخر حتى يتمكنوا من مناقشة مشكلاتهم وإيجاد الحلول لها.

شعرت وفاء منذ ذلك الوقت انه يقع على عاتقها مهمة سامية ويتوجب عليها الوصول لفئات أكبر، مستهدفة الفئات البسيطة الذين لا يملكون صفحات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وحينها فكرت في بدائل لنشر حملات التوعية بالحياة الزوجية وحلول المشكلات.

إذاعة من أجل حديثي الزواج

تختصّ محافظات مدن القناة بقناة إذاعية عبر الراديو تسمى إذاعة القنال يستمع إليها جميع ساكنة الإسماعيلية ومدن القنال. فخطرت ببال وفاء فكرة الاذاعة وتوجهت على الفور لمقابلة أحد مسؤولي الإذاعة وأطلعته على رغبتها في تقديم برنامج إذاعي توعوي من خلاله يمكنها أن تصل لشريحة أكبر من الأسر وحديثي الزواج المنتمين للفئة المتوسطة أو الفقيرة.

وبالفعل تمكنت من الحصول على موافقة رئيس الإذاعة وخصص لبرنامجها الإذاعي موعد في الصباح الباكر حيث يُمكن لجميع سائقي التاكسي والمواصلات العامة والركاب الاستماع إلى برنامجها، خاصةً أن إذاعة القنال تلقى رواجاً كبيراً ومتابعة من قبل ساكنة المنطقة.

مأذونة امرأة؟

هناك بندٌ في عقد القران ينصّ على أنه يحق للزوجة تطليق نفسها متى شاءت وأينما شاءت وكيفما شاءت. تُفاجئنا وفاء أن الكثير من النساء طلبن أن تكون العصمة بأيديهنّ، وأن يحقّ لهن تطليق أنفسهنّ بأنفسهنّ. أما المفاجأة الكبرى فهي حين أكدت لنا المأذونة أن هناك إقبالاً على الفكرة من طرف الأزواج الذين لم يعترضوا على رغبة زوجاتهم.

"لم أتعرض من قبل لموقف رفض من قبل أزواج عقدت قرانهم أو حتى من قبل أسرهم لكوني امرأة تعقد القران"، تقول وفاء لـTRT عربي، مضيفة: "على العكس أواجَه دوما بترحاب ومعاملة حسنة من قبل كل من عقدت قرانهم".

وتؤكد وفاء: "لكل مأذون عددٌ محدد من عقود القران التي تتيح له فرصة عقد قران زوجين من خارج نطاق منطقة عمله، ومن كل شهر تنتهي عدد عقود القران المحددة لها خارج محافظة الاسماعيلية، وفوجئت في إحدى المرات بإصرار العريس على أن أعقد أنا قرانهما".

لتحقيق هذا الهدف، قام الزوج بتغيير بيانات محل السكن للزوجة حتى تتوافق مع النطاق الجغرافي لمحل عمل وفاء قطب، وحتى يتسنى لها إتمام عقد قرانهم دون التأجيل للشهر التالي.

"مثل هذه المواقف تمثل لي دفعة قوية للاستمرار في عملي وتقديم الأفضل في مهنتي"، تؤكد وفاء.

مهنة إنسانية

عبّرت وفاء عن سعادة كبيرة لكونها ساعدت بتمهيد الطريق للفتيات اللاتي يحلمن أن يصبحن مأذونات في المستقبل. وترى أنها اجتازت شوطا كبيرا خاصة في نطاق محافظات مدن القناة "الإسماعيلية - السويس - بورسعيد" وأيضا في محافظة سيناء، وتذليل العقبات أمام أحلام فتيات محافظتها والمحافظات المجاورة مشجعة إياهنّ أن يقدمن على تحقيق حلمهنّ.

"لم نعد نحيا في زمن حيث هناك مهن مقتصرة على الرجال وأخرى على النساء، أصبح بإمكان النساء إثبات مهاراتهن وقوتهن باقتحام المهن الصعبة بالتعلم والمثابرة وتحقيق الذات بما يميز كل منهن"، تقول وفاء بفخر.

وتشير المأذونة الشابة إلى أنّ حالة الاستغراب التي كانت تنتاب رواد مكتبها كمأذونة في بداية الأمر انتهت، وأصبحت كلمة مأذونة تمر بشكل طبيعي على مسامع من حولها، والعديد من الأسر ازدادت رغبتهم ان يُعقد قران ذويهم على يد مأذونة وليس مأذون رجل.

"مهنة المأذون ليست مهنة تقتصر على دفتر رسمي لتدوين بيانات الزوجين وحسب، او إدخال الفرحة على شخصين بعقد قرانهم"، تقول وفاء، مضيفة: "أرى ان مهنة المأذون اكبر واسمى من ذلك، المأذون يحتك بشكل دوري وعن قرب بالأشخاص لذا يتوجب على كل مأذون ان يكون على دراية بأن مهنتنا انسانية اكثر من كونها مهنة قانونية، كما تقول قطب".

مثلما أثار قرار الموافقة على امتهان المرأة مهنة المأذون الشرعي حفيظة البعض معتبرين أنها مهنة خاصة بالرجال، أثار القرار أيضا حماس وفاء قطب (TRT Arabi)
عبّرت وفاء عن سعادة كبيرة لكونها ساعدت بتمهيد الطريق للفتيات اللاتي يحلمن أن يصبحن مأذونات في المستقبل (TRT Arabi)
يصرّ الكثير من الأزواج على أن تعقد وفاء قرانهم، نظرا لثقتهم فيها (TRT Arabi)
TRT عربي