تابعنا
عمّقت جائحة كورونا هوة الفقر في تونس، وكشف ضعف التغطية الاجتماعية لعديد من المواطنين، في ظل تقديرات بعض التقارير الدولية بإمكان ظهور فقراء جدد ستفرزهم الأزمة الراهنة.

"استنفدت راتبي ولم أعد أملك ثمن طعام بناتي لولا مساعدات والدي وإخوتي الذين أعيش معهم في منزلٍ واحدٍ، ولا أعرف ما سيحل بعائلتي إذا استمرت أزمة كورونا لوقت أطول"، هكذا عبّر محمد بوعزيزي (36 عاماً) الذي كان يعمل بحظيرة بناء في مدينة سيدي بوزيد (وسط غرب تونس)، عن وضعه المادي بعد إعلان الحظر الصحي الشامل في تونس منذ 22 مارس الماضي.

ينتظر محمد المُحال على البطالة القسرية بسبب فيروس كورونا المستجد، عودةً قريبةً إلى العمل بعد إعلان وزارة الصحة الرفع التدريجي للحجر الصحي بدايةً من 3 مايو/أيار الحالي، ويعوّل محمد على تحسّن الوضع قريباً في المدينة حتى يستأنف عمله.

محمد خرّيج كلية الآداب بمنوبة، تخصص التاريخ والحضارة، لم يجد عملاً يتلاءم مع شهادته الجامعية، فاضطُرّ إلى البحث عن عملٍ ليؤسس حياته، على أمل أن يدخل مدارج الجامعة مرّةً أخرى لكن كأستاذ، لا كطالب، إذ يؤكد أنّه، بسبب البطالة لأكثر من شهر ونصف حتّى الآن، تخلّف عن دفع قسط قرض حصل عليه من مؤسسة تمويل صغرى، ويخشى أن يفقد ثقة هذه المؤسسة التي يعوّل على تمويلها لاستكمال بناء بيت صغير له ولابنتَيه وزوجته، ليستقل عن والديه.

يخبر محمد TRT عربي بأنّه طرق كل الأبواب، وشارك في كل المناظرات الحكومية، حتى إنّه قاد بعض الاحتجاجات المطالبة بالتشغيل، وبانتداب حاملي الشهادات الجامعية، غير أنّه لم يستفد شيئاً من ذلك، إلى أن وصل به الأمر إلى قبول أيّ عملٍ يوفر له مصاريف يومه، يستطيع من خلاله تأسيس عائلة، في انتظار ما تخبئه الأيام.

فيروس كورونا يُحيل أغلب التونسيين على البطالة القسرية

هذا "الطاعون الأسود" الذي فتح قوساً مؤلماً ومثيراً للقلق، وتسبب في أزمةٍ صحيةٍ شلّت أغلب بلدان العالم، كشف أيضاً ضعف التغطية الاجتماعية لفئة كبيرةٍ من التونسيين الذين يعملون في القطاعات الخاصة، وفي الأشغال الهشة، وأضرّ بشكلٍ خاصّ بمن يكسبون قوتهم من أعمالهم اليومية، ما جعلهم عرضةً لصدمات البطالة مع أوّل أزمة تمرّ بها البلاد.

وكان لأول قرارات الحكومة المتمثل في تقليص عدد ساعات عمل المقاهي، التي يبلغ عددها نحو 20 ألف مقهى، إلى حدود الساعة الرابعة بعد الزوال كإجراء لمنع التجمعات للحدّ من عدوى الفيروس، ثم إغلاقها نهائياً لاحقاً، بداية تجليات الكلفة الاجتماعية لكورونا في تونس، إذ يقول بلال حامدي (28 عاماً، نادل بمقهى)، إنّ قرار صاحب المقهى الذي يشتغل فيه منذ أشهر والذي يفرض غلقه، جعله دون دخلٍ ولا مورد رزقٍ، بخاصة أنّه يتلقى أجره مرّةً يومياً وأخرى أسبوعياً، يلبي من خلاله حاجات إخوته البنات الثلاث ووالدته المسنّة.

ويلفت بلال في حديثه لـTRT عربي، إلى أنّ وضعه لا يختلف عن باقي الشباب بمنطقته في القيروان (وسط غرب تونس)، فهم لا يستطيعون العيش إذا ما انقطعوا عن العمل ولو لأسبوعٍ، لأنّهم لا يدخرون رواتبهم، بل يوفرون بها حاجاتهم اليومية، بخاصّة أنّها لا تتجاوز في أفضل الأحوال 15 ديناراً يومياً (5 دولارات)، و450 يناراً شهرياً (155 دولاراً)، بالنسبة إلى الندل بالمقاهي، في مدينته الداخلية التي لا تشهد حركةً كبيرةً.

وتتشابه قصص العمّال في المصانع أو المشتغلين في الأعمال الحرة مثل السباكة والبناء والنجارة والحدادة والبيع بالتقسيط وغيرها، إذ تقول زهرة طالبي (45 عاماً، كانت قبل كورونا تجمع قوارير البلاستيك لتعول أبناءها بعد أن توُفّي والدهم قبل 7 سنوات) إنّها لم تستطع طوال فترة الحجر الصحي الشامل الخروج من المنزل لجمع القوارير، وهو ما جعلها غير قادرةٍ على إطعام أبنائها لولا مساعدات الجيران والأهل.

فقراء جدد

وكانت تونس عاشت على وقع حادثة أليمة بداية أبريل/نيسان المنقضي، بعد أن أقدم شابان من عمال الحظائر (يتقاضون رواتب لا تتعدى 351 ديناراً تونسياً، أي نحو 125 دولاراً، دون غطاء قانوني) على إحراق نفسيهما بالبنزين، احتجاجاً على عدم حصولهما على المساعدات الاجتماعية الاستثنائية التي رصدتها الدولة للفقراء في تونس لمواجهة كورونا، وهو ما كشف الصعوبات المادية الكبيرة التي يواجهها آلاف العمال التونسيين الذين تتجه ظروفهم إلى مزيد من التعقيد، وقد تصل إلى حد العجز عن إطعام عائلاتهم.

ويرجّح بعض التوقعات أن تعمق أزمة كورونا مأساة فقراء تونس، وتتسبب في ارتفاع عددهم في ظل تقديرات بعض التقارير الدولية بإمكان ظهور فقراء جدد ستفرزهم الأزمة الراهنة، إذ يرجح رمضان بن عمر الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي)، أن يزيد عدد الفقراء بنحو 100 ألف، مشدداً على أنّ الوضع الاجتماعي سيزداد سوءاً في تونس نتيجة غياب الإمكانيات وصعوبة الوضع المالي وموارد الدولة.

ولفت بن عمر في تصريحه لـTRT عربي إلى أنّ الوضع سيكون أسوأ مما هو عليه الآن السنوات القادمة، وأنّ تونس مقبلة على أزمةٍ اجتماعيةٍ، وأشكالٍ احتجاجيةٍ مختلفة، خلال شهرَي سبتمبر وأكتوبر القادمين.

ويتوقع الخبير في استراتيجيات الاستثمار صادق جبنون في تصريحه لـTRT عربي، أنّ نسبة البطالة ستقفز من 15% إلى 20% بنهاية العالم الحالي، أي بزيادة تفوق 160 ألف عاطل عن العمل خلال سنة 2020، واعتبر أنّ مستوى الانكماش الاقتصادي على أثر توقف القطاعات الحيوية (السياحة والتصدير) سيعصف بنسب النمو إلى ما تحت الصفر بـ5 نقاط كاملة، معتبراً أنّها أسوأ أزمةٍ اقتصادية تعرفها تونس منذ استقلالها سنة 1956.

ورجّح جبنون أن يكون أصحاب الدخل الضعيف ممن لا تتعدى رواتبهم الشهرية 800 دينار (قرابة 280 دولاراً/ ضعف الأجر الأدنى) هم الأقرب إلى السقوط في دائرة الفقر، الذي سترتفع مستوياته إلى معدلات قياسية، وستتجاوز النسبة الحالية المقدرة بـ24%.

وكان البنك الدولي أكد في تقرير جديد له أنّ فقراء جدداً ينتمون إلى الطبقة الوسطى التي أنهكها التخبط الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي في البلاد سينضمون إلى القائمة القديمة، على أن تشمل خصوصاً صغار الموظفين في القطاعين العامّ والخاصّ، إضافةً إلى أصحاب المشاريع الصغرى وعمال المصانع والمهن الحرّة.

إجراءات حكومية مهمّة لكن دون المأمول

وبهدف تخفيف الأعباء وامتصاص التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لفيروس كورونا الجديد وفقدان عمّال المياومة والأشغال الصغرى مصادر كسبهم، أقرّت حكومة تونس خطّة تمويل بقيمة 300 مليون دينار تونسي (نحو 105 ملايين دولار أميركي) لصرف المساعدات الاجتماعية على شكل منح بقيمة 200 دينار (نحو 70 دولاراً)، فضلاً عن توزيع طرود غذائية على العائلات الفقيرة وذات الدخل المحدود.

إجراءات وصفها وسيم جدي عضو اتحاد المعطلين عن العمل (مؤسسة غير حكومية تُعنى بالدفاع عن العاطلين عن العمل وأصحاب المهن الهشة) بالمنقوصة ودون المأمول، وقال في تصريحه لـTRT عربي إنّها لم تشمل العاطلين عن العمل، ولم تراعِ المحالين إلى البطالة الإجبارية الذين يعملون دون غطاء قانوني، ولا تشملهم التغطية الاجتماعية لمؤسسات عملهم.

كما دعا الجدي الحكومة إلى ضرورة سنّ منحة للعاطلين عن العمل، ومحاسبة المسؤولين الجهويين والمحليين المتورطين في عمليات التلاعب بالمساعدات، والانخراط في الطرق المشبوهة لبعض أحزاب السلطة.

من جانبه عبّر الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية تُعنى بالدفاع عن العمال والفئات الهشة) عن غضبه من تسجيل تدهور الأوضاع الاجتماعية لكلّ العاملين بالقطاع الخاص والمهن الحرّة والحرفيين والفاقدين لأيّ سند، في ظلّ غياب الإرادة السياسية للتصدّي للمحتكرين ونقص الإمكانيات لمراقبة مسالك الإنتاج والخزن والتوزيع وبسبب العجز تجاه لوبيات تجّار الحروب والأزمات.

يُذكر أنّ في السجلات الرسمية أكثر من 650 ألف أسرة فقيرة، إلا أنّ رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ أفاد بأنّ أكثر من مليون و200 ألف أسرة استفادت من المساعدات الحكومية.

فيروس كورونا كشف هشاشة التغطية الاجتماعية في تونس (TRT Arabi)
فيروس كورونا يحيل أغلب العمال التونسيين على البطالة القسرية (TRT Arabi)
الحظر الصحي الشامل يحرم أصحاب الأعمال الحرّة من تأمين قوت يومهم (TRT Arabi)
خبراء يتوقعون ظهور ملايين الفقراء الجدد في تونس (TRT Arabi)
TRT عربي