تابعنا
بعد أن حرصت السياسة الأمريكية لعقود طويلة على إبعاد الكنيسة عن مراكز القرار ومؤسسات الحكم، يعود الجدل ليثار من جديد، مع التنامي السريع واللافت لحركة مسيحية جديدة تدعو إلى قيام دولة "تحت سلطة الرب ".

أشارت وسائل إعلام أمريكية إلى الانتشار السريع والمثير للانتباه الذي تشهده حركة مسيحية وسياسية جديدة في واشنطن، تمكنت من استقطاب الكثيرين، وإقناعهم بفكرة إخضاع كل جوانب الحياة تحت سلطة "إله الكتاب المقدس".

و في سياق متصل، كشفت صحيفة واشنطن بوست في تقرير سابق، أن الكنيسة التي تنشر قيم هذه الحركة المسيحية السياسية وتدعو لها، والتي تحمل اسم كنيسة "ثقافة الرحمة"، تعتبر المحرك الأساسي للحزب الجمهوري وللرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب.

وعقب حادثة اقتحام مبنى الكابتول الشهيرة في 6 يناير/كانون الثاني الماضي، انتقل قس كنيسة ثقافة الرحمة إلى أمام المبنى ليصور نفسه في مقطع فيديو، أذاعه لاحقاً، وهو ينادي قائلاً: "أبي، نعلن أن أمريكا لك".

ومؤخراً، أمام تجمع بشري هائل وقف قس الكنيسة أمام خريطة مدينة فورت وورث، التي تقام فيها كنيسة ثقافة الرحمة، وأخبر الجماهير في خطاب مشحون، بأن إله الكتاب المقدس أخبره بأن فورت ورث كانت مستعبدة لأربع قوى شيطانية بارزة، وأن كل أمريكا فى قبضة روح معادية للمسيح، وأن عام 2021 سيكون عاماً خارقاً للطبيعة، حيث "سينتفض المؤمنون ويشنون حرباً روحية لتعزيز ملكوت الرب".

ما سر كنيسة ثقافة الرحمة؟

رغم أن كنيسة ثقافة الرحمة تأسست حديثاً سنة 2019، في مدينة فورت وورث التابعة لولاية تكساس الأمريكية، فإنها تمكنت من النمو بشكل سريع.

وتنظم الكنيسة ثلاث صلوات يوم الأحد يحضرها نحو 4500 شخص، إضافة إلى صلاة باللغة الإسبانية يوم السبت، وتخطط في ذلك للتوسع في كل أجزاء الولايات المتحدة الأمريكية.

وتعتبر الكنيسة جزءاً من حركة مسيحية متنامية وغير طائفية وسياسية بشكل علني، وتضم بعضاً من أكبر التجمعات الدينية في البلاد، والتي تقع في قشور الكنائس المعمدانية القديمة، والمتاجر الكبيرة السابقة والمباني المترامية الأطراف التي تقدر بملايين الدولارات، كما أن لديها مجموعة من الأمن الخاص لتتمكن من تنظيم وتوجيه حركة المرور يوم الأحد بشكل جيد.

ونظراً للتغيرات السياسية والاجتماعية والديمغرافية التي تمر بها الولايات المتحدة، طيلة عقود، شهدت الطوائف البروتستانتية والإنجيلية الرئيسية، انخفاضاً كبيراً في عدد الأتباع، لتسجل الجماعات غير الطائفية في المقابل ارتفاعاً نسبياً، وفقاً لاستطلاعات الرأي. وذلك نتيجة سعي قادات الكنائس، ومن بينهم كنيسة ثقافة الرحمة، إلى إرجاع النمو إلى القوة المسيحية، عبر فهم تاريخي ناضج حسب رأيهم وإجراء ما يسمونه بالإصلاح الرسولي.

وتقوم فكرة الإصلاح الرسولي التي ظهرت في تسعينيات القرن الماضي، على جذب واستقطاب الطاقات والأفراد الذين يملكون خاصيات مميزة لمحاربة ما أسموه بالقوى الشيطانية، ويروجون أن الله يأمر المسيحيين بتأكيد سلطتهم على "جبال الحياة السبعة"، وهي الأسرة والدين والتعليم والاقتصاد والفنون والإعلام والحكومة، وبعد النجاح في ذلك سيعود المسيح من جديد.

ثقافة الرحمة.. تغذي أفكار اليمين المسيحي

تعتبر القيم التي تروج لها "ثقافة الرحمة" من الأفكار التي غذت اليمين المسيحي خلال فترة السبعينيات، وفي الوقت ذاته كانت المحرك الأساسي لأفكار قادة الحزب الجمهوري الأمريكي على مدى عقود.

وفي الوقت ذاته تعد الحركة التي تقودها الكنيسة قوة شعبية داخل الحزب الجمهوري، تجيش وتستقطب الأنصار وتكسب تأييدهم في مختلف المحطات السياسية الفارقة.

وعمل قادتها في وقت سابق على تصعيد دونالد ترمب "كرئيس الله المختار لمحاربة القوى الشيطانية". ويعتقدون بذلك أنهم يقودون صحوة عظيمة وجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية.

ولعل من بين أهم هؤلاء القادة باولا وايت، المستشارة الروحية لدونالد ترمب التي تنبأت، إلى جانب العديد من الشخصيات السياسية البارزة والشخصيات الدينية المؤثرة، بفوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ونظموا العديد من تجمعات الصلاة في العديد من أجزاء الولايات المتحدة، وذلك في الأيام القليلة التي سبقت أحداث الاقتحام في 6 يناير/كانون الثاني، مروجين لفكرة "انتفاضة شعبية مسيحية"، و"الانتصار السماوي الوشيك"، ممَّا دفع الكثيرين من الأتباع والمناصرين الذين أقدموا على اقتحام مبنى الكابيتول إلى الاعتقاد بأنهم "سيستعيدون بهذه الطريقة البلاد من أجل الله" .

TRT عربي