تابعنا
إصابات مختلفة، بتر أطراف، احتراق، فقدان أحد الحواس. هذه كانت نتائج الحرب السورية على الكثير من السوريين الذين يعانون اليوم في صمت.

تسببت الحرب السورية بتضرر شريحة واسعة من السوريين بعد تعرضهم لإصابات مختلفة من بتر في الأطراف أو الاحتراق أو فقدان أحد الحواس، لتنعكس تلك الأضرار على حياتهم في ظل ضعف الاهتمام بهم من قبل منظمات المجتمع المدني مقارنة بأعدادهم التي تتزايد كل يوم.

أوضاع مادية متردية وحاجة للعلاج

بين معاناة اليتم والإعاقة يعيش الطفلان فوزية وركان حياتهما بريف إدلب الشمالي بعد سقوط صاروخ من طائرة حربية على منزلهما تسبب في إصابتهما ببتر في أطرافهما العلوية.

ذاقت العائلة الكثير من الويلات طوال سنين الحرب السورية، وعن ذلك تتحدث أم ركان والدة الطفلين فتقول: "كنا نعيش ببلدتنا الواقعة بريف حلب الجنوبي حتى لحظة سقوط صاروخ من طائرة حربية على بيتنا تسبب بجرح أبنائي ودمار المنزل، لتكتمل المأساة بعد فترة وجيزة بموت زوجي الذي قتله جيش النظام السوري بعد اقتحام منطقتنا، نزحنا بعد ذلك إلى ريف إدلب الشمالي لنعيش حياة الفقر والتشريد، كما ترك أبنائي المدرسة بسبب الفقر وبُعد المدارس عن مكان نزوحنا."

وتبين أم ركان أنها حاولت أن تعالج بنتها فوزية (5 سنوات) وابنها ركان (9 سنوات) بتركيب أطراف صناعية، ولكن عدم قدرتها على دفع التكاليف حال دون تحقيق ذلك، حيث تحتاج الطفلة فوزية لعملية بتر ثانية قبل تركيب الطرف العلوي لها.

تشاطرهم الألم شيماء (16عاماً) من ريف إدلب التي حولتها صواريخ نظام الأسد خلال دقائق قليلة من شابة مفعمة بالحياة والحركة إلى ضحية تحتاج لطرف صناعي، وعن ذلك تقول: "تلازمنا الحرب وتغتال أحلامنا وأجسادنا وحقنا في الحياة، حيث لم يعد في حياتي أي أمل مع غياب المراكز والجمعيات التي تضمن حقوقنا، وتقدم لأمثالنا الرعاية والتأهيل النفسي والمهني."

تبين شيماء بأنها سجلت في أحد المراكز الواقعة في ريف إدلب الشمالي للحصول على طرف صناعي، ولكن أخبروها أن عليها الانتظار عدة أشهر حتى يقترب دورها في الحصول على طرف بسبب كثرة الطلبات وقلة الإمكانات.

ضعف الإمكانات الطبية يزيد معاناة المصابين

لضعف الرعاية الطبية في مناطق سيطرة المعارضة دور كبير في زيادة أعداد المصابين ومبتوري الأطراف، بسبب نقص الأدوية والقصف المستمر على المشافي، إضافة إلى نقص الكوادر المتخصصة والمستلزمات المتطورة، وبذلك تحولت الإصابات الطفيفة إلى كوارث يدفع فيها المصاب جزءاً من جسده، كما يعاني أصحاب الإعاقات الجسدية وفاقدو الأطراف أيضاً جراء عدم وجود أطراف صناعية تعينهم على المشي مجدداً إلا نادراً، حيث يعتبر الدعم المقدم لمراكز الأطراف الصناعية محدوداً، وعملية تصنيعها تتم بأعداد قليلة، وبذلك لا يبقى أمام صاحب الإعاقة إلا التوجه إلى دول الجوار للحصول على طرف صناعي.

وائل الشيخ فني أطراف صناعية يعمل في مركز لتركيب الأطراف بمدينة إدلب يتحدث لـTRT عربي بقوله: "تراجع في الآونة الأخيرة نشاط الجمعيات الخيرية التي تُعنى بالمصابين والجرحى في مناطق سيطرة المعارضة، جراء شح التمويل والتكاليف المرتفعة التي يستلزمها العلاج الطويل، كما تعتبر مسألة شراء الطرف الصناعي معضلة، حيث تبلغ تكلفة تركيب الطرف الواحد بين 800-1500 دولار أمريكي، أما الطرف الذكي فقد تصل كلفته إلى حوالي 50 ألف دولار أمريكي، لذلك يحتاج مصابو الحرب لتأمين الأطراف."

الآثار النفسية والاجتماعية لدى جرحى الحرب

معاناة المصابين تجاوزت مجرد الشعور بالألم لتتسبب في مشكلات نفسية واجتماعية عند الكثير من الجرحى الذين أصيبوا بحالات اكتئاب، أو إدمان كحل مسكن للألم، أو عدم القدرة على النوم، وهم الذين يرون في أنفسهم عالة على أسرهم التي فقدت المعيل الوحيد بسبب الإصابة والقعود عن العمل.

المرشد النفسي أحمد المصطفى من مدينة سراقب يتحدث عن الآثار النفسية لمصابي الحرب بقوله: "الإعاقة تجعل صاحبها مع حاجته للعون الخارجي يشعر بالخيبة والإحباط والدونية، كما يعاني صاحبها من الأعراض النفسية كاضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق نتيجة الشعور بالخسارة لفقدان عضو من الجسد."

وينصح المصطفى بضرورة تقديم برامج إرشاد ودعم نفسي للأشخاص الذين تعرضوا للإعاقة، والعمل على توفير فرص عمل وتنمية المهارات الحرفية لديهم وتطويرها، وتحويلها إلى مرحلة الإنتاج.

بالطموح والعمل يتحدون الإعاقة

بعض مصابي الحرب يحاولون التأقلم مع إعاقتهم ومعايشة الواقع الذي فُرض عليهم، متحدين بعزيمتهم وإصرارهم جميع العوائق والعثرات التي تقف أمام أحلامهم وطموحاتهم، منهم الطفل محمد خميس (7سنوات) من قرية التح بريف إدلب الجنوبي الذي حاز على عدة ميداليات في المسابقات الرياضية رغم إصابته وصغر سنه، وعن ذلك يتحدث والده لـTRT عربي بالقول: "رمايات بالصواريخ العنقودية على البلدة، أصابت إحدى شظاياها محمد، فبتر الأطباء قدمه، ولكن دعمنا المستمر له أثمر بأنه استطاع التغلب على وضعه الجديد، حيث لم يستسلم للإعاقة بل تابع حياته بشكل طبيعي، وشارك بعدة مسابقات رياضية، واستطاع أن يفوز في السباحة والجري وألعاب القوى."

الشاب أحمد السلوم (19 عاماً) تمكن بعد الحصول على طرف صناعي من العودة إلى عمله وبدء حياة جديدة، وعن ذلك يقول: "غارة جوية أفقدتني ساقي وعملي، ولم أعد قادراً على مساعدة عائلتي، ولكن بعد تركيب الطرف الصناعي عدت إلى حياتي الطبيعية، وعاد إليّ الأمل بالحياة من جديد، ولن أسمح للإعاقة أن تُشعرني بالعجز واليأس."

مبادرات محدودة لمساعدة المصابين

قامت مجموعة من المصابين بإنشاء رابطة مصابي الحرب بإشراف منظمة بلسم للعمل على دمج المصابين بالمجتمع وتوحيد مطالبهم، وإنشاء منصة تمثلهم رسمياً وتوصل صوتهم، وتساعدهم على الوصول لحقوقهم بأنفسهم دون انتظار مساعدة غيرهم.

فادي عبد الخالق مدير مكتب منظمة بلسم في الداخل السوري يتحدث لـTRT عربي بقوله: "تأسست رابطة مصابي الحرب في يونيو/حزيران 2018، بهدف حث المصابين على تجاوز إصاباتهم والضرر الواقع عليهم، وتشجيع المجتمع على القيام بالدور المنوط به في عملية التأهيل". مشيراً إلى أن الرابطة تضم 200 مصاب، وأهم نشاطاتها هي تأسيس عدة روابط انطلاقاً من الرابطة الأم بجهود من المصابين، ومساعدة من منظمة بلسم، كما أقامت أيضاً نشاطات ترفيهية وإغاثية للمصابين، وعدة زيارات للجهات الفاعلة، والوجهاء بالمجتمع، والتنسيق مع بعض المجالس للحصول على حقوقهم.

ويبين عبد الخالق الصعوبات التي تواجه عمل الرابطة منها قلة التفاعل من الجهات الفاعلة والمجتمع مع هذه الرابطة وفئة المصابين المهمشة، إضافة إلى صعوبات تخص أعضاء الرابطة بسبب ضعف الإمكانات المادية بعد توقف الدعم عن منظمة بلسم بداية العام الحالي 2019.

وفي السياق نفسه يؤكد عبد الخالق قيام منظمة بلسم بإطلاق دورة بصيانة الهواتف المحمولة لمصابي الحرب على دفعتين شارك فيها حوالي٦٠ مصاباً، وحصل الأوائل على حقائب مهنية، تساعدهم ببدء مشاريعهم الخاصة.

القصف المتواصل والممنهج الذي تتعرض له المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد يعني ازدياداً يومياً في أعداد المعاقين الذين تُركوا صرعى جراحهم التي لم تندمل بعد، يعيشون على هامش الحياة، ويعانون جراء قلة المراكز التي تقدم لهم الرعاية المناسبة لاحتضانهم وتحسين أوضاعهم، وتقديم ما يلزم من احتياجات حياتية وتعليمية، ورعاية نفسية لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.

قامت مجموعة من المصابين بإنشاء رابطة مصابي الحرب بإشراف منظمة بلسم للعملعلى دمج المصابين بالمجتمع وتوحيد مطالبهم (TRT Arabi)
جانب من تدريب مصابي الحرب على صيانة الهواتف (TRT Arabi)
حولت صواريخ نظام الأسد شيماء خلال دقائق قليلة من شابة مفعمة بالحياة والحركة إلى ضحية تحتاج لطرف صناعي (TRT Arabi)
عجزت والدة ركان وفوزية عن دفع تكاليف تركيب أطراف صناعية لابنيها (TRT Arabi)
تسبب سقوط صاروخ من طائرةحربية على منزل راكان وفوزية في إصابتهما ببتر في أطرافهما العلوية (TRT Arabi)
الطفل محمد خميس من قرية التح بريف إدلب الجنوبي الذي حاز على عدة ميداليات في المسابقات الرياضية رغم إصابته (TRT Arabi)
TRT عربي