تابعنا
لطالما كانت التركيبة الديموغرافية في فلسطين هاجساً يؤرق دولة الاحتلال الإسرائيلي، لذلك سعت الحكومات المتعاقبة لزيادة عدد الولادات وجلب المهاجرين والموالين لها من عدة دول، بتقديم كل الإغراءات لهم، لتتمكن من حسم صراعها مع الفلسطينيين.

أثارت الإحصائيات الرسمية التي أظهرت تفوق عدد السكان الفلسطينيين على أعداد المستوطنين الإسرائيلين بأضعاف مضاعفة، مخاوف وقلق سلطات الاحتلال الإسرائيلي، التي حاولت بدورها طوال عقود، تحقيقَ التوازن في التركيبة الديموغرافية بشتى الطرق، إلا أن جميع محاولاتها باءت بالفشل، ولا يزال البون شاسعاً إلى اليوم ويتسع مع مرور الوقت.

وكانت الحكومة الإسرائيلية أطلقت في هذا الإطار، استجابةً لمقترح المعسكر اليميني، عدة حملات في إطار قانون "العودة الإسرائيلي" لاستقدام اليهود من مختلف الجنسيات ومن أنحاء متفرقة من العالم، وتوطينهم في البلاد، وقدمت لهم عديداً من الحوافز والإغراءات.

وبين توظيف علاقاتها الخاصة مع عدة حكومات، واستغلالها للظروف الأمنية والاقتصادية المتردية في مناطق مختلفة، تمكنت فعلاً من استدراج أعداد كبيرة من المهاجرين، خدمة لمشروعها الاستيطاني. وكان آخر هذه الوفود آلاف اليهود الإثيوبيين، عقب التوترات والنزاعات المسلحة التي تعيش على وقعها إثيوبيا.

التهديد الديموغرافي الاستراتيجي

انطلاقاً من فكرة أن فرض السيادة يتطلب تفوقاً ديموغرافياً، بحث الاحتلال الإسرائيلي في مختلف الآليات والوسائل لتحقيق زيادة كبيرة في عدد السكان الإسرائيليين. وإثر سجال عميق، دفعت الأحزاب السياسية اليمينية في اتجاه سن قوانين وتشريعات لاستقدام المهاجرين من أبناء الجالية اليهودية الموالين لدولة الاحتلال الإسرائيلي، لأن فكرة التشجيع على الولادة لم تكُن بالفكرة السديدة، بخاصة في ظلّ النمو السريع للسكان العرب الفلسطينيين.

وفي هذا السياق كشف تقرير لمركز الإحصاء الفلسطيني صدر عام 2018، أن عدد الفلسطينيين قد عدة المرات بعد مرور أكثر من 70 عاماً على ذكرى النكبة. وتشير الإحصائيات في هذا الإطار إلى أن عدد الفلسطينين المقيمين داخل حدود عام 1967 ناهز 4 ملايين و780 ألف فلسطيني، فيما قُدّر عدد الفلسطينيين داخل أراضي الـ48 بأكثر من 1.5 مليون.

ويقطن في الضفة الغربية أكثر من مليونَين و881 ألف نسمة، بما فيها مدينة القدس، إلى جانب مليون 899 ألفاً في قطاع غزة.

وسجّلت هذه الأرقام ارتفاعاً عام 2020 ليبلغ عدد الفلسطينيين في قطاع غزة نحو 2.1 مليون ساكن، وفي الضفة الغربية 3.1 ملايين فلسطيني.

وأثارت هذه التقارير غضب الجانب الإسرائيلي الذي قام كذّبها بدوره، وأشار في التقارير الصادرة عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي إلى أن عدد الإسرائيليين يساوي عدد الفلسطينيين.

وجاء في التقرير الذي عُرض على لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أن عدد السكان الإسرائيليين بلغ عام 2017 نحو 8.8 مليون نسمة، بينهم 6.6 مليون يهودي و400 ألف غير معرَّفين يهوداً ممن هاجروا إلى إسرائيل بموجب "قانون العودة"، وبلغ في المقابل عدد الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة نحو 5 ملايين نسمة، إلى جانب 1.5 مليون يعيشون في أراضي 48.

وادّعى المركز عام 2020 أن هذه النسب شهدت ارتفاعاً ملحوظاً، ليبلغ عدد السكان الإسرائيليين أكثر من 9 ملايين نسمة بينهم 74% من اليهود، مؤكداً في هذا السياق أن نحو 3.3 مليون مهاجر قد قدموا إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ تأسيسها، متوقعاً أن يصل تعداد الإسرائيليين عام 2030 إلى 11.1 مليون نسمة، وفي عام 2040 قرابة 13.2 مليون نسمة.

وعلى ضوء هذه الأرقام، بغضّ النظر عن مدى صحتها، يؤكد خبراء ومحللون أن السلطات الإسرائيلية عازمة على إحداث تغيير في التركيبة الديموغرافية للشعب الفلسطيني، وتعتبر أداتها الرئيسية في ذلك جلب مزيد من المهاجرين اليهود.

وقد صرّح رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت عام 2018 في تعليق على خطة استقدام اليهود من جميع أنحاء العالم وتوطينهم في أراضي 48 مكذّباً الإحصائيات الفلسطينية، قائلا: "الحديث يدور عن فرصة استراتيجية غير مسبوقة لتقريب الجماهير ذات العلاقة من الشعب اليهودي، ووضع مسار ثابت وواضح أمام الأقلية المعنية بالانضمام إلى الشعب اليهودي وتوطينها بإسرائيل لتعزيز مشروع يهودية الدولة".

وبذلت الأجهزة الإسرائيلية فعلياً جهودها في تحفيز اليهود للهجرة إليها، إلا أن أكثر المستجيبين منذ تسعينيات القرن الماضي كانوا يتمثّلون أساساً في الإثيوبيين وأبناء دول الاتحاد السوفييتي السابق.

جلب الإثيوبيين وتوطينهم

يبدو أنه لم يكن أمام الجانب الإسرائيلي فرصة أفضل من اندلاع التوترات في إثيوبيا لتنتهزها وتستقدم على أثرها اليهود، وتوطّنهم في البلاد سعياً لتحقيق التوازن السكاني بينها وبين الفلسطينيين.

وتحدثت مؤخراً وسائل إعلامية رسمية، عن موافقة الحكومة الإسرائيلية على جلب الإثيوبيين اليهود من مخيمات الانتظار وممَّن لديهم أقارب من الدرجة الأولى في إسرائيل، الذين يقدر عددهم بنحو 10 آلاف يهودي إثيوبي.

وطالب في وقت سابق مئات الإثيوبيين بإنقاذ ذويهم، متهِمين الحكومة الإسرائيلية بالتقاعس والتخاذل في إجلائهم، في ظل الظروف والتوترات والنزاعات المسلحة التي تعيشها إثيوبيا، التي اشتدّ وطيسها مؤخراً في إقليم تيغراي.

واستجابةً للضغوطات وتفاعلاً مع مقترح وزيرة الهجرة والاستيعاب بنينا تامانو-شطا، التي تنحدر من أصل إثيوبي، وخدمة لمشروعها الاستيطاني، قررت تل أبيب فعلياً إجلاء من تَبقَّى من الإثيوبيين اليهود. ويشير عديد من الإحصائيات إلى أن عدد اليهود من أصول إثيوبية في إسرائيل بلغ نحو 140 ألفاً، بينهم نحو 20 ألفاً وُلدوا في البلاد.

على الصعيد ذاته فإن عمليات الإجلاء التي نفّذتها إسرائيل من إثيوبيا طوال سنوات، وباتت تستخدمها اليوم سلاحاً ديموغرافياً ضد الفلسطينين، جرت بتعاون إثيوبي، إذ تربط البلدين علاقات متينة شهدت تطوراً منذ تسعينيات القرن الماضي.

فإن كانت إسرائيل تطمح إلى استدراج الجالية الأثيوبية إليها، وتعوِّل على الأهمية الجيوستراتيجية لإثيوبيا في القرن الإفريقي، فإن إثيوبيا بدورها تحاول تعزيز التعاون والشراكة الاقتصادية مع تل أبيب، والفوز بمصدر تمويل مهمّ لسد النهضة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً