تابعنا
بعد أن أثارت جدلاً ساخناً في فرنسا، قرّر مجلس أوروبا في النهاية سحب حملته الإعلامية التي أطلقها منذ أسبوع تحت عنوان "الحرية في الحجاب" دفاعاً عن حرية النساء في وضع الحجاب.

في إطار مشروع مكافحة التمييز وأنواع خطاب الكراهية كافة، والدعوة إلى احترام التنوع، أطلق مجلس أوروبا، ومقره ستراسبورغ، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي منذ يوم الخميس 28 أكتوبر/تشرين الأول المنقضي، حملة إعلامية للدفاع عن حرية النساء في وضع الحجاب.

وتضمنت الحملة أساساً صوراً ومعلقات لنساء وفتيات يرتدين الحجاب، مع عدة تعليقات ورسائل على غرار "الجمال في التنوع كما الحرية في الحجاب"، و"حجابي، اختياري" و"الحرية في الحجاب"، وغيرها من الرسائل.

ولم تمضِ أيام قليلة على انطلاق الحملة، حتى تعرضت لهجوم ورفض شديد لدى الأوساط السياسية في فرنسا بمختلف أطيافها ومكوناتها، فقرر المجلس يوم الثلاثاء 2 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، إنهاء هذا الجدل وإلغاء الحملة وسحب جميع المنشورات التي تروجها على مختلف منصات التواصل الاجتماعي.

جدل سياسي ورفض حكومي

بدعوى تشجيعها على وضع الحجاب وترويجه، عارضت الحكومة الفرنسية إلى جانب عديد من الشخصيات السياسية اليمينية في فرنسا، الحملة الإعلامية التي أطلقها مجلس أوروبا بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي، للدفاع عن حق المرأة في وضع الحجاب.

وقد عبرت سارة الهيري، الوزيرة الفرنسية المسؤولة عن شؤون الشباب، عن صدمتها الشديدة من الحملة، وقالت في تصريح إعلامي: "مقطع الفيديو الخاص بالحملة كان يشجع في الحقيقة على وضع الحجاب، وهذا يتعارض مع القيم الفرنسية"، وأضافت: "نُدين هذا الأمر، وقد أبلغت فرنسا مجلس أوروبا رفضها لهذه الحملة، وقد أُلغيَت بالفعل".

من جانبها اعتبرت لورانس روسينول، الوزيرة الفرنسية السابقة لحقوق المرأة، أن مجرد قول إن "الحرية في الحجاب" يرقى إلى ترويجه. وأيّد رئيس الوزراء السابق مانويل فالس الموقف ذاته، معتبراً أن الحملة "صادمة ومحيرة وخطيرة".

في الوقت نفسه عبّر رموز التيار اليميني المتطرف المعروف بعدائه الشديد والتاريخي للإسلام والمسلمين، عن غضبهم الشديد وامتعاضهم من الحملة التي روّجها مجلس أوروبا خلال الأسبوع الماضي، فاعتبر إريك زمور، المرشح المتحمل للانتخابات الرئاسية الفرنسية، أن الحملة تمثّل "الجهاد الإعلامي"، وكتب تعليقاً على ذلك في تغريدة على حسابه في تويتر :"الإسلام عدو الحرية، وهذه الحملة عدو الحقيقة".

بدورها لم تفوّت زعيمة التجمع الوطني اليميني ماري لوبان الفرصة في مهاجمة الحملة، قائلة: "هذه الحملة الاتصالية لصالح الحجاب الإسلامي فاضحة وغير لائقة، في الوقت الذي تحارب فيه ملايين النساء بشجاعة هذا النوع من الاستعباد".

واتساقاً مع موقف لوبان وزمور، اعتبرت فاليري بيكريس، رئيسة منطقة إيل دو فرنس، أن "الحجاب ليس رمزاً للحرية، بل رمز للخضوع".

وبينما اشتدّ الجدل بشكل محموم لدى الطبقة السياسية الفرنسية وأعضاء الحكومة والجهات المسؤولة، قرّر مجلس أوروبا يوم الثلاثاء 2 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري سحب الحملة الإعلامية، مؤكداً في بيان رسمي نُشر لاحقاً: "لقد أزيلت هذه التغريدات، وسنفكّر في عرض أفضل لهذا المشروع".

وأضاف المجلس موضحاً: "التغريدات عكست التصريحات الفردية التي أدلى بها المشاركون في إحدى ورشات المشروع، ولا تمثل بالضرورة موقف مجلس أوروبا أو أمينه العامّ".

الحجاب في فرنسا.. نقاش مستمر

لم تكُن ردود أفعال الطبقة السياسية في فرنسا إزاء حملة مجلس أوروبا بالدفاع عن حق النساء في ارتداء الحجاب صادمة، فقد أثير الجدل باستمرار حول مسألة الحجاب في الأوساط الحكومية والسياسية، ودان له عديد من الأطراف بالعداء الشديد، وحاربته تارة باستخدام التشريعات القانونية، وتارة بالتحريض والشحن الإعلامي، وأصبحت بذلك محاربته تحظى ببعد سياسي.

فمنذ 2 أكتوبر/تشرين الأول عام 2020 طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطته لمكافحة ما سمَّاه "النزعات الانفصالية"، ضمن قانون "تعزيز قيم الجمهورية"، ولكن النقاش بدأ يأخذ لاحقاً منحىً غير محاولة إدماج المسلمين ومراقبة قنوات تمويل الجمعيات والمساجد، إلى محاربة الحجاب ومزيد التضييق القانوني عليه.

وكانت قرارات ماكرون ومشاريع القوانين التي تقدمت بها الكتل السياسية لاحقاً، امتداداً لسنوات من التشريعات المحاربة للفرنسيات المحجبات، فمنذ عام 2004 سنّت السلطات الفرنسية قانوناً عُرض ونوقش في مجلس الشيوخ، يمنع التلميذات في المدارس العامة من وضع أي دلالة أو ارتداء أي ملابس تُظهِر الانتماء الديني ظاهرياً. وشددت على الموظفات الحكوميات لتحري "الحياد التامّ" في ذلك أيضاً.

واعتبرت حينها منظمة هيومن رايتس ووتش، أن القانون الفرنسي لحظر الحجاب والرموز الدينية المرئية الأخرى في المدارس الحكومية، سينتهك حقّ الحرية الدينية وحرية التعبير.

واستمر السياسيون والإعلاميون في تأجيج دعوات التحريض ضد المسلمين، واستجابت السلطات والجهات التشريعية في الغالب للضغوط، وأجرت مزيداً من التعديلات على القوانين التي تتعلق بحظر الحجاب.

مؤخراً، وضمن مشروع قانون الانفصالية الذي صدّق عليه مجلس الشيوخ الفرنسي، مُنع ارتداء أي فتاة يقل سنها عن 18 عاماً الحجاب في الأماكن العامة، كما أُجيزَ السماح للمسابح العامة بمنع ارتداء "البوركيني"، إضافة إلى منع ارتداء الأشخاص المرافقين للتلاميذ في الرحلات المدرسية الحجاب أو أي رمز ديني.

بذلك فإن فرنسا في الوقت التي تدّعي فيه الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، تجيز لنفسها التضييق على المسلمين ومحاربة شعائرهم. ويستمرّ مسلمو فرنسا على وجه التحديد، كأكبر جالية مسلمة في فرنسا في الكفاح والدفاع عن حقوقهم.

TRT عربي