تابعنا
من رحم وسائل التواصل الاجتماعي وُلد كثير من المبادرات الخيرية والتوعوية والطوعية في العالَم العربي، وفي موريتانيا أسّس نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مبادرات تحولت في ما بعد إلى عمل ميداني دائم ومنظَّم ومفيد.

نواكشوط ـــ يختلف الاهتمام في موريتانيا بمواقع التواصل الاجتماعي، لكن موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يُعَدّ الموقع الأبرز والأكثر انتشاراً في البلاد، وقد شكّل مؤخراً ساحة افتراضية يعبّر فيها أغلب الموريتانيين عن أفكارهم ورؤاهم على اختلاف مواقفهم، ويمارس فيه البعض الترويج لتجارته وخدماته، كما اتخذه آخرون منصة للعمل الطوعي والخيري، حتى أصبح الموقعَ الافتراضي الأكثر أهمِّيَّة وتأثيراً في البلاد على غرار بعض الدول العربية الأخرى التي كان فيسبوك منطلَقاً لتغيير تاريخي فيها.

وفي الإطار العربي وربما العالَمي يرى ناشطون في هذه المواقع أن الحسابات الافتراضية ترضخ لطبيعة توظيفها وإرادة أصحابها في تحويلها لمنصات ذات اهتمام مثمر يتجاوز حدود التسلية والتواصل بين الأصدقاء إلى عمل ميداني يسهم في خدمة المجتمع.

عمل خيري

من بين آلاف الحسابات الناشطة في فيسبوك بموريتانيا وعلى اختلاف مشارب أصحابها واهتماماتهم ينشط الشاب الموريتاني والخريج الجامعي العاطل عن العمل إسحاق ولد الفاروق عبر حسابه الذي يتابعه أكثر من خمسين ألف متابع في المجال الخيري، وبذلك يُعتبر من أشهر وأكثر الحسابات متابعة في موريتانيا، ومن خلال حسابه ينشر إعلانات لحالات إنسانية من أجل التبرع لها ومساعدتها، وغالباً ما يشكّل ذلك مساهمة هامة لهذه الحالات.

يقول إسحاق الفاروق لـTRT عربي إن بداياته في فيسبوك لم تكُن لغرض العمل الخيري، بل وجد نفسه أمام حالات إنسانية أراد مساعدتها من خلال التبرع بالدم، وكان فيسبوك هو الوسيلة الأسرع في نظره لنشر تلك الحالات، ثم تَطوَّرَت لاحقاً لجمع التبرعات للمرضى من فقراء موريتانيا الذين لا تتوافر لديهم الإمكانيات لإجراء عمليات جراحية ملحَّة أو أدوية ضرورية غالية الثمن.

ومن خلال منشوراته التي تعرض حالات إنسانية صعبة أصبحت صفحته وجهة لعشرات المحتاجين والأسر المُعدَمة والمتبرعين من جهة، ومن جهة أخرى أصبح أيضاً مركز خدمة للباحثين عن أغراض فقدوها، كالوثائق الشخصيَّة الرسميَّة والسيارات المسروقة التي يتركها سارقوها في أماكن بعيدة وموحشة من العاصمة.

قصص إنسانية

فاطمة محمد الأمين، فتاة موريتانية في العاشرة من عمرها، تنتمي إلى أسرة فقيرة، تعرضت لحروق عميقة في حادثة حريق منزلي أدَّت إلى إصابة كامل جسمها.

تقول والدة فاطمة إنها كانت مضطرة إلى الحصول على مساعدة بعد أن أعيتها المحاولات مع عدد من الجهات الحكومية والمنظَّمات غير الحكومية والمجتمع الأهلي، "وفي إطار بحثي" تضيف والدة الفتاة، "تمكنت من التواصل مع صاحب الحساب الافتراضي، وقد وُفّق في جمع التبرعات لمساعدتي"، وتضيف وهي ترمق ابنتها بنظرة مليئة بالشفقة بعد علاجها وشفائها تماماً، أن "الحمد لله أولاً وشكراً لمن كان السبب".

بحث وسقاية

في الجانب الشرقي الشمالي من العاصمة الموريتانية يقع حي لغريكة نصف العشوائي الذي يقدَّر عدد سكانه بـ2000 مواطن موريتاني حسب سكان الحي، ويعتبر من أكثر الأحياء السكنية فقراً، ويحرص ولد الفاروق على زيارته دوريّاً بحثاً عن الحالات الإنسانية لنشر تفاصيلها بحثاً عن متبرعين لها.

أحمد ولد عمر، مواطن موريتاني أربعيني متزوج وله عدة أبناء وبنات، يقيم في حي لغريكه ويؤمّن دخله اليومي البسيط من العمل على العربات التي تجرّها الحمير، وقد عانى ابنه تقرُّحاً جلدي في الرأس ولم يستطِع تأمين تكاليف العلاج له، وكان تواصله مع صاحب الحساب الافتراضي سبباً في علاج ابنه. ويواجه ولد عمر من جديد أزمة مماثلة، فوالده القادم من الداخل الموريتاني يحتاج إلى إجراء عملية جراحية مستعجلة في المسالك البولية، وقد لجأ من جديد إلى صاحب الحساب الافتراضي.

وفي هذا الحي يشرف الشاب إسحاق تطوُّعاً، بالتعاون مع بعض المتبرعين، على صهاريج بلاستيكية لمياه للشرب موزعة على أجزاء متفرقة من هذه الرقعة السكنية شبه العشوائية، وتُزوّدها شاحنات صهاريج لضمان توافر المياه لهذا الحي الذي لا تتوافر فيه.

ويحرص ولد الفاروق على أن ينحصر دوره في نشر الحالات الإنسانية مرفقة بعناوين أصحابها، ليكون التواصل بين المحتاج والمتبرع حتى يطمئن الطرفان على تسليم وتَسَلُّم المعونات كاملة.

فرص وإشادة

مع بدء العام الدراسي الجديد 2019-2020 استطاع إسحاق الفاروق بمبادرة شخصيَّة منه أن يوفّر مقاعد دراسية لـ30 طفلاً من أبناء الفقراء والأيتام في مدارس خصوصية لحصولهم على تعليم جيد.

واعتبر إسحاق الفكرة في البداية أمراً مستحيلاً، لكنه نجح في ذلك بالتعاون مع مجموعة من الشباب وبعض المدارس الحرة.

هذا العمل الخيري لقي إشادة كبيرة من جمهور عريض من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي في موريتانيا، كما وجه الضوء إلى وضعية الأيتام في البلاد وحاجتهم إلى التعلم.

مبادرات جماعية

من رحم وسائل التواصل الاجتماعي وُلد كثير من المبادرات الخيرية والتوعوية والطوعية في العالَم العربي، وفي موريتانيا أسّس نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مبادرات تحولت في ما بعد إلى عمل ميداني دائم ومنظَّم ومفيد، وتُعَدّ مبادرة "معاً" للحد من حوادث السير من أبرزها، وهي مبادرة أطلقها نشطاء على فيسبوك، وتُرجمت إلى أيام حملات توعوية بخطر السرعة المفرطة، كما أحصت هذه المبادرة أماكن الخطر في الطرق السريعة التي تربط مدن البلاد وتنشرها من حين إلى آخر بالتعاون مع وسائل إعلام ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي يمثلون مرتكزها لنشر هذه الإحصائيات التي تعد معرفتها هامة لتجنب حوادث سير محتمَلة.

وتقارب نسبة عدد مستخدمي فيسبوك في موريتانيا 11% من عدد السكان البالغ 4 ملايين شخص، ويعد الموقع الأكثر تأثيراً بين المواقع الاجتماعية الأخرى الرائجة والمستخدمة عالَميّاً بشكل كبير.

أنقذ حساب فاروق الذي نجح في جمع التبرعات حياة فاطمة محمد الأمين التي تعرّضت لحروق عميقة في حادثة حريق منزلي (TRT Arabi)
يشرف الشاب إسحاق، بالتعاون مع بعض المتبرعين، على صهاريج بلاستيكية لمياه للشرب موزعة على أجزاء متفرقة من هذه الرقعة السكنية شبه العشوائية (TRT Arabi)
من خلال حسابه على فيسبوك ينشر إسحاق إعلانات لحالات إنسانية من أجل التبرع لها ومساعدتها، وغالباً ما يشكّل ذلك مساهمة هامة لهذه الحالات (TRT Arabi)
TRT عربي