الرئيس السوفييتي نيكيتا خروتويف الذي أطلق حملة "المروج العذراء". (Others)
تابعنا

تتزايد المخاوف من بسط روسيا نفوذها على شمال كازاخستان، بعد نشر قواتها هناك بطلب السلطات الكازاخستانية، للمساعدة على إنهاء حالة الانفلات الأمني الواسعة التي تعرفها البلاد منذ مطلع يناير/كانون الثاني الجاري.

وحذّرَت الخارجية الأمريكية من تكرار سيناريو دونباس والقرم الأوكرانيين في المناطق الكازاخستانية التي تعرف أغلبية سلافية، ذلك بعد توارد استطلاعات رأي حول ميل سكان مناطقها نحو موسكو وتفشِّي النزعات الانفصالية بين قطاع واسع من أفرادها.

في المقابل، وبالعودة إلى التاريخ، نجد روسيا السوفييتية ارتكبت في حق المنطقة إحدى أبشع الكوارث البيئية، التي عُرفَت وقتها بـ"حملة المروج العذراء" شمالي كازاخستان، والتي عمدت من خلالها إلى استنزاف ملايين الهكتارات العذراء في مشروع فاشل لزراعة الحبوب، وتحويلها إلى مناطق صحراوية قاحلة، دافعين منظومتها الطبيعية إلى الانهيار.

حملة المروج العذراء

تحت الشعار الاشتراكي الرنان "الأرض لمن يعمل بها"، أطلق الرئيس السوفييتي نيكيتا خروتشوف سنة 1953 حملته لاستغلال "المروج العذراء" الكازاخية، بحجة ضمان الأمن الغذائية للإمبراطورية الحمراء، التي طالما عاشت تحت إرهاص المجاعات منذ تأسيسها سنة 1917.

حملة لم تُوَجَّه لدعم الفلاحين الكازاخستانين، بل لإنجازها عُبّئ 300 ألف من المتطوعين الروس من تنظيم "الكوموسمول" (الشبيبة اللينية) من أجل زراعة 27 مليون هكتار من الأراضي العذراء. ولقيت كذلك معارضة قوية، أبرزها من رئيس الحزب الشيوعي الكازاخستاني وقتها، ومن شخصيات وازنة في الحزب الحاكم بموسكو، مشدّدين على أن الأراضي الزراعية المُهمَلة أولى بالعمل من زراعة أراضٍ جديدة، وأن المشروع لم يُدرَس بما يكفي.

حققت الحملة حسب الإحصاءات السوفييتية نجاحاً في سنواتها الثلاث الأولى، إذ أدرَّت بين 1954 و1958 نحو 48.5 مليار روبل من المحاصيل مقابل 30 مليون روبل من الاستثمارات. وتطور الإنتاج من 150.6 ألف طن إلى 609 آلاف طن من المحاصيل. غير أن ذلك لم يدُم طويلاً، إذ انخفض الإنتاج وانحدر المردود منتهياً بالحملة إلى فشل ذريع.

كارثة بيئية شنيعة

يعود انخفاض المحاصيل الذي وقع إلى الإنهاك الفلاحي الذي حصل للأرض، إذ استُنزفَت بجشع، مقابل القضاء على الطبقة الخصبة من التربة التي تعرضت للجرف بسبب الرياح بعد اقتلاع النباتات الطبيعية التي كانت تضمن استقرارها.

هكذا تحولت تلك المروج، التي كانت حتى وقت قريب خضراء وتزخر بشتى الأنواع الطبيعية النباتية، إلى صحراء قاحلة تعصف بها التيارات الجافة القادمة من صحراء منغوليا.

وأصاب الضرر كذلك الفرشات المائية في المنطقة، فحسب دراسة لمنتدى الأورال للعلوم البيئية، فإن "المساحات الصلبة من التربة المحروثة ذات اللون الداكن، أصبحت شديدة الحرارة، مما تسبب في مظاهر مزمنة من الجفاف، مما جفّف منطقة السهول وأنهارها وبحيراتها".

وأضافت الدراسة أن "الاستعمال المكثَّف للمكننة، والصيد الذي مارسه المتطوعون في العمل بتلك الأراضي، إضافة إلى القضاء على الغطاء النباتي المحلي، قضى على عدد من الأنواع الحيوانية التي كانت تعيش في المنطقة". مقابل ذلك "طوال تلك الحقبة لم تُنشأ ولو محمية طبيعية واحدة للحفاظ على هذه الأنواع الطبيعية"، بما يعطي صورة عن الاستنزاف الشامل الذي قاده الاتحاد السوفييتي هناك، في كارثة بيئية هي الثانية من حيث الأضرار بعد تشيرنوبيل.

TRT عربي